من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً
ديربورن – تترافق الجهود الدولية والأممية لإغاثة ضحايا زلزال تركيا وسوريا مع العديد من المبادرات المؤسساتية وحملات التبرع الأهلية في منطقة ديترويت الكبرى، لمد يد العون لضحايا الكارثة التي أودت بحياة نحو 44 ألف قتيل فضلاً عن مئات آلاف الجرحى والمشردين، وفق أحدث الإحصائيات الرسمية.
وتجاوزت حصيلة قتلى الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط (فبراير) الجاري، 38 ألف تركيّ وحوالي ستة آلاف سوريّ، فيما تتواصل عمليات إزالة الأنقاض في كلا البلدين، ما ينذر باكتشاف المزيد من الضحايا، وسط تضاؤل الآمال بإنقاذ الناجين بعد مرور عشرة أيام على الكارثة التي وصفت بـ«زلزال القرن».
وعلى وقع المأساة التركية–السورية، تعددت الجهود المؤسساتية والشعبية في منطقة ديترويت، التي استنفرت منظماتها الإنسانية وأوساطها الشرق أوسطية، لجمع التبرعات المالية والعينية لمساعدة ضحايا الزلزال الذي صاحبته ارتدادات سياسية على خلفية الجدل حول ما اعتبر إخفاقاً دولياً في إيصال إعانات الطوارئ إلى المتضررين السوريين، سواء في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، أو تلك الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة في شمال غربي البلاد.
وكانت منظمة «أيتام الحرب» Orphans of War في طليعة المؤسسات الخيرية التي بادرت إلى جمع التبرعات المالية لإمداد العائلات المنكوبة بمبالغ نقدية تعينها على تحمل تداعيات الكارثة التي فاقت أضرارها التوقعات والإمكانات الحكومية في كل من تركيا وسوريا.
وأشارت رئيسة المنظمة، ماريا قباني، إلى أن تركيز مؤسستها –غير الربحية– على إرسال الإعانات المالية يتوخى توفير العون العاجل للأسر والأفراد الذين «وجدوا أنفسهم فجأة في العراء وسط ظروف مناخية قاسية»، بعدما فقدوا «منازلهم وممتلكاتهم وحتى حاجاتهم الشخصية».
وكان عشرات آلاف السكان المتضررين قد اضطروا إلى إخلاء منازلهم والمبيت في الأماكن المفتوحة وسط البرد القارس وغياب الخدمات العامة، لتفادي ارتدادات الزلزال الذي نجم عنها العديد من الهزات الأرضية طيلة الأيام الماضية.
قباني، وهي أميركية من أصول إيطالية تعيش مع عائلتها في مدينة ديربورن، أوضحت بأن «حجم الكارثة الإنسانية لم يكن يحتمل الانتظار ريثما يتم جمع التبرعات العينية والطبية وإرسالها إلى المناطق المنكوبة»، فذلك «يستغرق وقتاً أطول ويتطلب جهداً أكبر بسبب الإجراءات الحكومية وترتيبات النقل، إلى جانب الأوضاع السياسية التي تزيد الأمور تعقيداً فيما يخص مساعدة السوريين»، بحسب تعبيرها.
وقالت قباني: «لتفادي العقبات اللوجستية والسياسية، ارتأينا مدّ يد العون بقدر ما نستطيع، وبأسرع وقت ممكن، لتخفيف الأعباء عن أكثر العائلات تضرراً، بغض النظر عما إذا كانوا سوريين أو أتراكاً»، لافتة إلى أن العائلات المتأثرة هي الأقدر على «تحديد احتياجاتها الضرورية في هذه الظروف العصيبة».
وأفادت قباني لـ«صدى الوطن» بأن «أيتام الحرب» هي مؤسسة غير ربحية تم إنشاؤها في الأساس لمساعدة الأطفال الذين فقدوا آباءهم ومعيليهم جراء الحروب والنزاعات العسكرية، ولكن «لم يكن بوسعنا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الفاجعة المأساوية التي لحقت بعشرات الآلاف بين ليلة وضحاها».
ونوهت قباني إلى أنها تسعى –في الوقت الحالي– لتنظيم حفل لجمع التبرعات بالتنسيق مع «جامعة وين ستايت» بديترويت، التي يتابع فيها ابنها ذو الأصول التركية دراسته الجامعية، معربة عن أملها في أن تكتمل إجراءات الفعالية في خلال الأيام المقبلة.
وحثّت قباني المجتمعات العربية والإسلامية في منطقة ديترويت وفي عموم ولاية ميشيغن على مدّ يد العون لإخوانهم المتضررين في تركيا وسوريا، وقالت «يمكنكم المساعدة بما تيسر ولو كان قليلاً، فمن يسهم في إنقاذ شخص واحد، فكأنما أسهم في إنقاذ البشرية بأكملها»، في إشارة إلى قوله تعالى: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». (المائدة–36)
ويمكن التبرع لمنظمة «أيتام الحرب»، عبر موقعها الإلكتروني: orphansofwarusa.org
من جانبه، أفرد عماد محمد، صاحب مطعم «غالاتا سويتس» بديربورن، ، جزءاً من عائدات المطعم المتخصص بتقديم المأكولات والحلويات التركية، لمساعدة ضحايا زلزال شرق المتوسط، وذلك بالتنسيق مع «الجمعية الثقافية التركية الأميركية في ميشيغن» (تاكام).
ورصد محمد –وهو لبناني يتحدر من أصول تركية– كامل العائدات من مبيعات مساء الثلاثاء الماضي، لمنكوبي الكارثة «بغض النظر عن جنسياتهم وخلفياتهم الدينية والعرقية»، لافتاً إلى أن المبادرة الخيرية استقطبت إقبالاً كثيفاً من الزبائن الذين جاؤوا من كافة أنحاء منطقة ديترويت، ما أسفر عن تأمين بضعة آلاف من الدولارات في غضون ساعات قليلة.
وعزا محمد أسباب مبادرته الخيرية إلى «أسباب إنسانية بالدرجة الأولى»، بغض النظر عن كونه يتحدر من عائلة تركية الأصل، أو أنه يمتلك ويدير مطعماً يقدّم المأكولات التركية، وقال: «لقد فاقت الكارثة جميع التصورات، واكتسبت تعاطفاً دولياً وأممياً على أوسع نطاق»، مضيفاً: «ما فعلناه اليوم لا يعدو أن يكون أقل القليل، لكن لم يكن بمقدورنا أن ندير ظهرنا ونتعامى عن تلك المأساة الرهيبة، لذلك قررنا بقدر ما نستطيع، المشاركة في جهود إغاثة الضحايا».
ومن ناحيته، أثنى مدير منظمة «تاكام»، مهمت يايا، على مبادرة مطعم «غالاتا»، منوهاً بأن مؤسسته الخيرية التي تأسست عام 1972 تعاونت مع العديد من الفعاليات التجارية والمنظمات الإنسانية في ولاية ميشيغن لتأمين أكبر قدر من المساعدات الإنسانية وإرسالها إلى تركيا «التي تعيش اليوم كارثة إنسانية مفجعة، وتتطلع إلى نيل المساعدات من الجميع لتجاوز هذه الكارثة بأقل الخسائر الممكنة»، وفقاً لتعبيره.
وقال يايا لـ«صدى الوطن» إن نتائج الزلزال وتداعياته الكارثية تتطلب «جهوداً استثنائية تفوق قدرات المنظمات والمؤسسات الحكومية التركية، نظراً لقوة الزلزال الذي ضرب المنطقة لأكثر من مرة، وكذلك بسبب اتساع المناطق المنكوبة التي تقع ضمن منطقة يزيد قطرها على 150 كلم»، مؤكداً بأن «تاكام» تعمل بالتنسيق مع المؤسسات الإنسانية والطبية المرخصة في كل من أميركا وتركيا من أجل إرسال المعونات الطبية والإنسانية العاجلة لاستثمارها –جنباً إلى جنباً– مع إمكانات وخطط الحكومة التركية في إنقاذ المصابين وتأمين المأوى والغذاء للمشردين.
وأهاب يايا بجميع المنظمات الإنسانية والهيئات الأهلية في الولايات المتحدة إلى المشاركة في الجهود العالمية لإغاثة ضحايا الزلزال في كل من تركيا وسوريا، مستدركاً بأن «تاكام» هي مؤسسة ثقافية بالدرجة الأولى، ولكنها لا تملك –في هذه الظروف– إلا أن تنخرط مع الجهود الرامية لإعانة مئات آلاف المتضررين «بشكل مباشر» من الزلزال الذي يمكن أن تتواصل آثاره الكارثية لعدة سنوات.
ولفت يايا إلى أن «تاكام» كانت قد فعلت الشيء نفسه عندما ضرب زلزال مدمر منطقة أزمير في تركيا عام 1999، والذي أسفر عن مقتل ما يربو على 17 ألف شخص، وتشريد قرابة نصف مليون.
مساعدات سوريا
أشار رئيس «الجمعية الطبية السورية الأميركية» SAMS، الدكتور أمجد الراس، إلى «الحجم المريع للكارثة الإنسانية في شمال غرب سوريا» مؤكداً بأن الواقع المأساوي للسوريين المتضررين في تلك المناطق «يدمي القلب ويعقد اللسان»، وقال: «ليس من رأى كمن سمع».
وكان الدكتور أمجد قد سافر لعدة أيام إلى المناطق المتضررة قرب الحدود السورية التركية في أعقاب الزلزال الذي ضرب محافظتي إدلب وحلب، وامتدت تأثيراته المميتة إلى المحافظات الداخلية، مثل حماه وطرطوس واللاذقية، ما أسفر عن قتل وإصابة وتشريد آلاف السوريين.
وأوضح الدكتور أمجد لـ«صدى الوطن» بأن منظمة «سامز» انخرطت منذ الساعات الأولى في إنقاذ الضحايا والمصابين من خلال عشرات المراكز الطبية والمستشفيات الميدانية في شمال غربي سوريا، إلى جانب تأمين المأوى والمساعدات الإنسانية لآلاف المشردين وسط ظروف مناخية في غاية القسوة.
وقال أمجد إن SAMS تمتلك وتدير 36 مستشفى ومركزاً ميدانياً في تلك المناطق، لافتاً إلى أن المنظمة الطبية التي تبلغ ميزانيتها السنوية 50 مليون دولار تكرس جهودها في الوقت الراهن من أجل تأمين معدات طبية ومساعدات إنسانية تمهيداً لإرسالها إلى سوريا خلال الفترة المقبلة.
كذلك، يقوم رعايا كنيسة «سانت ماري» الأرثوذكسية بمدينة ليفونيا بجمع التبرعات لضحايا الزلزال في سوريا، من بينهم وافي البرشيني وزوجته، والشماس في الكنيسة سامر حنا.
وفي تصريح لقناة «فوكس 2» المحلية، وصف البرشيني حاجة السوريين المتضررين بـ«القصوى» و«العاجلة»، وقال: «إنهم بحاجة فعلاً إلى المساعدة، خاصة الأطفال وكبار السن»، مضيفاً بأن الأوضاع في سوريا «لا تصدق» مع تشريد الكثير من الناس «الذين يبيتون الآن في الشوارع، ولا يجدون أبنية يلجأون إليها».
أما الشماس حنا، وهو أستاذ مادة الكيمياء في «كلية وين المجتمعية» بديترويت، فما زال «غير مصدق» لتداعيات الكارثة الطبيعية التي أودت بحياة عشرات الآلاف «بلمح البصر». وقال: «بصفتي عالماً، أعرف أن هذه هي الطبيعة، لكنني من ناحية أخرى أشعر بالأسف الشديد، والاضطراب الشديد، والصدمة الشديدة، لأن الناس في غمضة عين فقدوا أقاربهم وعائلاتهم وأطفالهم».
وأضاف: «سقط كل شيء مثل مجموعة أوراق اللعب».
وأعلنت كنيسة «سانت ماري» بأنها ستقيم وقفة لرفع الصلوات لراحة نفوس القتلى، في الساعة السابعة من مساء يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد)، وذلك في مقرها الكائن على العنوان: 18100 شارع ميريمان.
ويمكن التبرع عبر كنيسة القديسة ماري، من خلال الرابط التالي: bit.ly/3S2YU6k
وفي منطقة ديربورن، كذلك كانت منظمة «بيتنا للجميع» غير الربحية، من بين أصحاب الأيدي البيضاء التي غيّرت خططها الخيرية وقررت تجيير جهودها لمساعدة المنكوبين السوريين، خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية.
ووفقاً للحاجة نزيهة علّيق شحادة، فإن منظمة «بيتنا للجميع» كانت قد أرسلت خلال الفترة السابقة مساعدات إنسانية لإعانة المعوزين في لبنان، ولكنها قررت تحويل تلك المساعدات إلى سوريا فور ذيوع نبأ الزلزال الذي لا تزال أخباره تتصدر عناوين وكالات الأنباء، وذلك بالتنسيق مع السفارة السورية لدى بيروت.
وأوضحت الحاجة نزيهة بأن المنظمة تستكمل جهودها الإغاثية بالتعاون مع «دار الحكمة الإسلامية» في مدينة ديربورن هايتس، حيث تقوم –حالياً– بجمع الألبسة والأحذية والبطانيات والحاجيات المنزلية الأخرى، إلى جانب بعض الأدوية والأغذية وحفاضات الأطفال، بغية إرسالها إلى سوريا في أسرع وقت.
كما أفادت الحاجة نزيهة لـ«صدى الوطن»، بأن المؤسسة الخيرية تخطط لإرسال حاوية بطول 40 قدماً إلى ميناء اللاذقية مباشرة، بدلاً من إرساله إلى بيروت، وذلك بغية توفير أجور النقل والجمارك، وكذلك من أجل تقليص الفترة اللازمة لتوصيل المواد الإغاثية «التي يحتاج إليها المتضررون اليوم أكثر من أي وقت مضى».
إلى جانب ذلك، تقوم «الجمعية الثقافية العربية السورية الأميركية» ASACA، وهي منظمة غير ربحية مقرها في مدينة تروي، بجمع التبرعات للمنظمات الإغاثية الأميركية والأممية، مطالبة –في الوقت نفسه– بإزالة العقبات السياسية أمام إرسال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية.
وفيما لاتزال الصور المفجعة للزلزال المرعب تجد طريقها إلى كافة أنحاء العالم، يعيش الكثير من السوريين الأميركيين هاجس الخوف على أقاربهم المحاصرين تحت الأنقاض والمشردين في ظل ظروف إنسانية بائسة.
وفي هذا السياق، أفادت سام يونس، وهي عضو في منظمة ASACA، بأنها بدأت بالتواصل مع أقاربها فور ذيوع نبأ الزلزال، لافتة إلى أن إحدى قريباتها نجت من الموت بعد انهيار منزلها جراء الهزات الأرضية العنيفة، وقالت: «لقد تم انتشالها من تحت الأنقاض، لقد حالفها الحظ إذ كانت الناجية الوحيدة من سكان البناية المكونة من تسعة طوابق».
وطالبت يونس الحكومة الأميركية بوقف العقوبات على سوريا، وأنشأت عريضة لجمع التواقيع لتفعيل الجهود في هذا الشأن. وقالت: «هدفنا هو مساعدة الناس هناك، فهم في أمس الحاجة إلى الإعانات.. إنهم يعيشون تحت ضغط كبير منذ عدة سنوات».
يمكن المساهمة في العريضة عبر الموقع الإلكتروني www.ipetitions.com على الرابط: bit.ly/3XE79XI
Leave a Reply