«زهرة نرسيس ثانيا»
نرسيس ذلك الفتى الجميل الذي عشق جسده وهام به فهو كل يوم ينظر في المرآة او الماء الساكن ليتأمل مباهج جسده فيتعمق وجده ويضيق صدره بالمرآة الفاصلة فهي السبب القاتل في عدم التواصل مع جسمه، فذاب وجدا وحزنا لأنه لم يستطع التواصل مع جسده لاقتطاف ثمار جماله، ذاب فنبتت موضعه زهرة النرجس لتجدد الحديث لكل الأجيال عن خطورة أن يعشق الإنسان نفسه. وقد استفاد سعدي الشيرازي من هذه الحكاية المؤسطرة فهجا رجال الدين الفرس فقال بالعربية
وبطهران إذ يموت إمام نبتت وردة مكان الفقيد
ولهذا إذا يموتوا جميعاً تغدُ طهرانُ جنةً من ورود!.
أستهل الشاعر جواد الحطاب في قصيدته ذات الشعرية المبتكرة السردية الجديدة بقرارات تبديه عاتيا جبارا خلافا لما يعرفه عنه اصدقاؤه من ارتباك شديد في حضرة المرأة، الجميل حقا انه الغى المسافة بين السمفونية السمعية والسمفونية البصرية من خلال نص شعري ربط بين ضفتي الايقاع السمفوني، المباشرة أو الخطابية التي تشي بالامتلاك والتحدي بكلمة (كل من عاشر امرأة دون أذني عدوي) ليست مباشرة او خطابية فهي شعرية الحطاب التي تميزه. لقد شن الشاعر حربا طاحنة بينه كفرد رمز وبين القبيلة بعد ان أنث القبيلة ليسلط عليها كلماته السحرية فيتحكم بها. يهون العاشق حين يستجدي الحب والرأفة من حبيبه، ويسمو حين يهون حبيبه امامه. النص هو ضمير المتكلم ازاء ضمير المخاطب لاحتوائه ملكة التحكم بنساء القبيلة واجتياح مملكة منابع الحب والحنان بصورة مكثفة وتلقائية من هنا وهناك، وتعبير الامتلاك يشي بأن المرأة ينبوع الحنان والامان، لكنه ينبوع يضن على الحبيب بالماء والاستقرار الذي يستفز الاعماق بعتمة الوجود اللاوجود، وقد استخدم الشاعر في بوتقة النص الشعري السردي لغة التحدي والوحدانية لتخصيب القصيدة حتى تلد أحداثا متوالية وسخرها ضمن هذياناته وتركيبته العبثية وشعوره بالنصر حين يصنع من المألوف للامألوف او يفعل العكس. ضمير المتكلم يؤكد ذاته من خلال الغاء ذات ضمير المخاطب. وحاول في حالتي من عناده وموقفه من المرأة وموقفه من الرجل فهو ينذر بالويل والثبور (كل من عاشرت رجلا لا يشبهني خائنة) هذه الرؤية التصويرية التي ابتكرها الشاعر في شبكة معلوماته ودلالاته المباشرة وغير المباشرة مراهنة على المرأة وأصطيادها لمباهجة وأرضاء غروره وكونه شهريارا آخر بصورة معاصرة مبتكرة رومانسية بدلا من شهرياروصورته الدموية التي رسمت في أذهاننا له صورة الحاكم العربي او التاجر العربي او الاقطاعي العربي ولشهرزاد البطلة التي حاولت بذكائها أن تصل الى بر الامان وصاغ الحطاب باقتدار مشهود له قصيدة غرائبية، فشكل ذلك رصيدا جديدا من الابتكار يضعه ضمن طليعة المبدعين المبتكرين في لعبه بالكلمات وتحديه لقصيدته، فهو واع تماما لجدل الجمل والالفاظ ولغة الامتلاك والتعادلية التي توشج بينها وبين ألوهية المرأة. ونسج الشاعر (أنا ود الاله على الارض معجزتي) الصورة الذهنية والحسية وخروج القصيدة من المالوف للامألوف من الوعي واللاوعي واقترنت مخيلة الشاعر بالاله الخالق الذي له ملكوت كل شيء ومعجزة الشاعر (انني بالمحبة أغوي الحياة لي كل النساء- فقط) ثنائية الحياة والمرأة أكتمال المعادلة المتصلة بنمو المرأة ومراحل حياتها طفولة شباب كهولة، والحياة وتعدد الفصول الصيف الربيع الخريف الشتاء، ونمو الحياة التي ارتبطت بهذه الصفات المتوالية، التي نستشف منها ماوراء الالفاظ والدلالات وتشبث الشاعر بالتصوير الحسي المرئي واجتياج (الأنا) لرمزية الموضوع وانزياح النص نحو الاحساس والتحدي والتفرد من النرجسية التي تصبغ النص بغرابة الكلمة وصياغتها الى أيديولوجية محبكة عززتها سردية ثم تتواصل القرارات الرومانسية (وللاخرين الذي قد تبقى من الكائنات) فيشعر المتلقي أنه لا يقلق ولا يفزع. هكذا على السطح لكن ليس بين ايدينا ما يؤكد اللافزع واللاخوف فكثيرا ما يقول الشاعر شيئا ويريد غيره.
كما أن هناك شعراء كرسوا شعرهم في المرأة وحاولوا الوصول الى تعويذة التسلط على النساء فلم يفلحوا ولنا ان نتذكر إمرؤ القيس في معلقته التي غازل فيها سبع حبيبات ولكنه كان يتذلل لهن ويضعف امامهن وعمر بن أبي ربيعة وهو خريج مدرسة امرؤ القيس لم تكفه حبيبة واحدة فكان يعرض قلبه على العراقيات والحجازيات وعلى الشيقيقات وعلى الطائفات حول الكعبة لكنه كان ضعيفا أمام جبروت الجمال، وبودلير لم تكفه الواحدة ولا العشر فهتف في واحدة من قصائده: «أواه ماذا لو اجتمعت شفاه كل نساء العالم في شفة واحدة إذن لقبلتها واسترحت». وحين حوكم بودلير بسبب ديوانه «أزهار الشر»، اكتشف القاضي قبل الناقد ضعف بودلير أمام ألوهية الجمال، وأذا وضعنا طاغور في السياق فاننا سنرى أن طاغور جعل المرأة اختزالا للسماء والارض والبحر والافعى والبراكين بمعنى أن المرأة طبيعة وان الطبيعة نساء، وذلك يكشف لنا عدم صدقية طاغور الذي لم يعشق سوى واحدة وناظم حكمت الذي كتب أجمل القصائد في نوار. اكتشفت نوار أن قلب ناظم وجسده شركة بينها وبين حبيبات أخريات الى أن نصل الى نزار قباني الذي ابتكر طريقة وعظ الجميلات وتحريضهن لكي يتمردن على الرجال وكأنه، اي القباني، ليس رجلا. يدعوهن القباني للتمرد من أجل أن يخلو له الجو معهن فكانت المعركة بين الشعراء السابقين والمرأة سجالا يختزلها قول نزار قباني «قد كان ثغرك مرة ربي فأصبح خادمي»، أما جواد الحطاب فموضع ابتكاره او تفرده واضح في الاتي نصب نفسه حاكما عسكريا حاسما لقضية المرأة.
زهرة نرسيس ثانيا
كل من عاشر امرأة
دون اذني
عدوي
كل من عاشرت رجلا
ليس يشبهني
خائنة
انا ود الاله على الارض
معجزتي
انني بالمحبة اغوي الحياة
لي : كل النساء – فقط
وللاخرين
الذي
قد تبقى من الكائنات
هكذا استطاع جواد الحطاب في نص واحد اختزال نصوص مختلفة الازمنة والامكنة وتطوير الخطاب الفحولي من اجل تأسيس شعرية بوأت جواد الحطاب منزلة خاصة بين مجايليه بل بين الشعراء العرب بعامة.
Leave a Reply