مريم شهاب
مرات عديدة سمعت هذا السؤال: مالذي دفعك إلى الكتابة ؟؟
ومن هو الكاتب الذي أثر فـيك أكثر من سواه؟
وبكل صدق أقول: جورج جرداق، الكاتب والناقد والشاعر والمثقف الظريف الساخر بالسليقة، سحرني أسلوبه الرشيق والسهل الممتنع كفراشة من نور تحمل من كل زهرة ومن كل زنبقة رحيقاً عطراً بقطر ندى ينعش القلب ويفرفح الروح.
قرأته فـي «مجلة الشبكة» يوم كانت فنية ثقافـية، يكتب فـيها جورج ابراهيم الخوري وسعيد فريحة ومريم شقير أبو جودة وطوني بارود وغيرهم من الأقلام المبدعة فـي مطبوعة رشيقة، ثمنها فـي متناول الجميع، وخصوصا إلى إنسان مثلي متعطش ونهم دوما إلى القراءة، ولم تكن الكتب متوفرة مثل اليوم، حيث ينفرمنها أولادنا وأحفادنا وكأنها جراثيم «إيبولا».
مثل صياد حاذق، كان جورج جرداق يلقي شبكته فـي بحور الأدب والتراث فيغرف لآلىء الكلام ودرر البيان. قلمه العبقري يحمل القارىء من ابداع إلى ابداع، واصفا المسارح والمتاحف العالمية والعواصم الثقافـية، ومتحدثا عن ام كلثوم وعبد الوهاب والأخوين رحباني وفـيلمون وهبه وغيرهم من عظماء الزمن الجميل عندما كان الفن مرادفاً للذوق والجمال والأخلاق والسمو فـي التفكير.
رغم المامه الواسع الراقي بالثقافة العالمية ظل الأديب جورج جرداق أمينا وعاشقا للغة العربية والتراث العربي، معتزا ببلدته الجنوبية مرجعيون، حيث تعلم القرآن ونهج البلاغة فـي بيته القروي بين الحقول والبيادر والتلال والطبيعة الحرة.
فـي أغلب كتاباته، تجد نوعا من التمرد الإيجابي والسخرية اللاذعة عن الوصوليين «والنفاريش» وزعماء الغفلة والسماسرة والشعاريرو«مطربو المطابخ».
هذه الكتابة تستهويني، كان حلما من أحلامي أن أزور جورج جرداق، وأسأله من أين له هذه القدرة الساحرة على «الإيجاز حتى الإعجاز» فـي نقل فكرته إلى القارىء، وما هو السر العجيب فـي قلمه المتدفق براعة وخفة فـي النقد والسخرية من كل شيء حتى من نفسه، كنت أتمنى أن اتعلم من الوصفة السحرية لإختصار الأفكار فـي كلمات رشيقة بديعة وتقديمها
إلى القارىء فـي شكل كبسولة تزيل ألم الرأس ووجع القلب واعتلال الروح.
«إن شئتم أن أقول فـي عبقريتكم كلمة، فأعيروني بيانكم« هذا ما طلبه العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين من جورج جرداق، بعد قراءته تحفة جرداق الأدبية «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية» التي أصدرها فـي ستة أجزاء فـي مرحلة عفوية صادقة لم تكن فـيها علاقة بين شيعة سياسية ومارونية سياسية، وفتح فـيها أبواباً للمعرفة بعظمة وسمو الإمام علي بقيت مغلقة لقرون عدة وجلى قلمه المبدع الخلاق وبيانه الساحر صورا مبهرة عن عبقرية الإمام علي وبلاغته وسعيه الدؤوب من أجل عدالة الإنسان .
الأسبوع الماضي «رحل الذي ليس كمثله أحد». حسب ما نعاه الاستاذ طلال سلمان. جورج جرداق، الإنسان العاشق للحياة، البسيط فـي معشره، رغم معاصرته للعديد من عظماء الزمن الجميل الباهر وتجواله فـي بلاد العالم وتكريمه فـي العديد من المحافل الأدبية والفكرية، رغم ذلك بقي متواضعا متفردا بالسخرية من نفسه أولا ومن كل الأدعياء والمتطاولين و«النفاريش» والسماسرة والشعارير ومطربي المطابخ.
وبشغف كان يحلو له الكتابة بالمطرقة والسندان عن سياسة المعارضة والموالاة فـي لبنان، لبنان الوطن الذي أحب وعاش فـيه وخاف عليه وأغمض عينيه تحت سمائه. عاش واحد وثمانين عاما، سلاحه قلم
حر من أجل إعادة خلق جديد لمجتمع العدالة والحرية والإنصاف.
Leave a Reply