حرب غزة مستمرة .. رغم بدء العد العكسي لعودة ترامب إلى البيت الأبيض
التقرير الأسبوعي
انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، كان الحدث الأبرز عربياً خلال الأسبوع المنصرم. ففي خضم الترقب المشوب بالقلق لما ستنتهي إليه الأيام المتبقية حتى 27 كانون ثاني (يناير) الجاري، تاريخ انتهاء فترة الستين يوماً لتوقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان… وفيما يواصل الاحتلال خروقاته اليومية للاتفاق، ويرتكب الاعتداءات على القرى الجنوبية، جاء انتخاب قائد الجيش جوزيف عون، بعد فراغ دام أكثر من سنتين، ليضفي أجواء إيجابية تجلّت بحصوله على الأغلبية الساحقة من الأصوات وترحيب عربي ودولي واسع.
واكتسب انتخاب عون (60 عاماً) أهمية استثنائية، كونه يأتي في وقت يعيش لبنان تداعيات حرب عدوانية، استمرت أكثر من شهرين وأوقعت آلاف الشهداء والجرحى ودمرت عشرات آلاف الوحدات السكنية في مختلف مدن وقرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وفي خضم «زلزال شرق أوسطي تصدّعت فيه تحالفات وسقطت أنظمة وقد تتغيّر حدود»، على حد تعبير الرئيس المنتخب في خطاب القسم، في إشارة إلى اختلال توزانات المنطقة وتفكك «محور الممانعة» بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وما قد ينتج عن ذلك من محاولات لزعزعة الاستقرار الداخلي في بلاد تعيش أزمات متلاحقة تسببت بتصدع بنيان الدولة ومؤسساتها، بفعل الشغور الرئاسي والخلافات الداخلية، وانهيار اقتصادي بدأ قبل نحو خمس سنوات.
كل ذلك، يضع الرئيس الجديد أمام مهمات جسام، سيكون عليه تحملها لإعادة الاستقرار والشروع في ورشة ضخمة لترميم التصدعات، وستكون الخطوة الأولى والمهمة الشروع في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد لمجلس الوزراء يشكل حكومة كاملة الصلاحيات، تتولى السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة، وتنكب خصوصاً على مهمة إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي ومعالجة الأزمة المالية والاقتصادية، وملف النزوح السوري الذي يستدعي معالجة مختلفة مع تغير النظام في سوريا.
ناخبون خارجيون
تطفو على السطح حقيقة أنه لأول مرة، منذ أكثر من 35 سنة يجري انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بمعزل عن تأثير «سوريا الأسد»، ولكن انتخاب جوزيف عون جاء -كما جرت العادة في تاريخ لبنان- بتدخل خارجي مباشر وحازم، من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية، غير أن وصول عون إلى بعبدا -في واقع الأمر- ما كان ليمرّ لولا حصوله على أصوات «حزب الله» وحركة «أمل» (حلفاء إيران)، وذلك بعد اجتماع ضم قائد الجيش مع ممثلي الكتلتين، ليخرج منه «الدخان الأبيض» بانتخاب عون رئيساً جديداً للبلاد.
وجاء الاجتماع بعد جلسة انتخاب أولى ضمت كامل أعضاء البرلمان وانتهت بحصول عون على 71 صوتاً من أصل 128، وسط جدل حول تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش (كونه موظف درجة أولى لا يجوز له الترشح وهو في الخدمة).
وكانت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية عقدت في موعدها المحدد، صباح الخميس 9 كانون ثاني (يناير)، بحضور كامل الأعضاء وسط أجواء صريحة تشي بأن جوزيف عون سيكون الرئيس العتيد، إلا أن عدم حصوله على أغلبية 85 صوتاً المطلوبة لتعديل الدستور، دفع رئيس البرلمان نبيه بري إلى رفع الجلسة ساعتين إفساحاً في المجال أمام النقاش.
وفيما كانت الساعتان مناسبتين لاجتماع كتلتَي «حزب الله» وحركة «أمل» مع عون، والتوصل إلى اتفاقات يعتقد أنها شملت عدة ملفات مثل القرار 1701 وإعادة الإعمار ووزارة المال (التوقيع الثالث).
على أثر ذلك، عاد المجلس النيابي للالتئام ليحصل عون على 99 صوتاً، مقابل معارضة 29 نائباً بينهم كتلة «التيار الوطني الحر» التي كانت الخاسر الأكبر، وقد أدلى نوابها (14 صوتا) بورقة «السيادة والدستور»، وانتخب 9 نواب بورقة بيضاء إضافة إلى ورقتين حملتا اسم شبلي الملاط، أما الأوراق الملغاة فبلغت 5.
خطاب القسم
فور إعلان فوزه، دخل العماد جوزيف عون قاعة البرلمان ليتلو القسم الدستوري، ويلقي خطابه الأول (خطاب القسم)، الذي تضمن مواقف استثنائية وعهوداً وعد الرئيس المنتخب بالعمل على تنفيذها، وقد وُصف خطابه بالاستثنائي، وبأنه كان شديد الوضوح، ويحمل على الأمل بغد أفضل للبنان في خضم التحولات الجيوسياسية في المنطقة.
ومن أبرز النقاط في الخطاب كانت المواقف التي أعلنها الرئيس جوزيف عون من القضايا الحساسة، التي استهلها بالقول إنها ساعة الحقيقة، متعهداً بممارسة دوره كقائد أعلى للقوات المسلّحة وكرئيس للمجلس الأعلى للدفاع لـ«تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح» والاستثمار في الجيش «ليضبط الحدود ويساهم في تثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية ويطبق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الاسرائيلية على الأراضي اللبنانية، جيش لديه عقيدة قتالية دفاعية يحمي الشعب ويخوض الحروب وفقاً لأحكام الدستور».
كما تعهد الرئيس المتحدر من قضاء جزين في جنوب لبنان، بالدعوة إلى «مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية، أكرّر الدولة اللبنانية، من إزالة الاحتلال الإسرائيلي ورد عدوانه عن كافة الأراضي اللبنانية». وبإعادة إعمار ما هدمه العدوان الاسرائيلي في الجنوب والبقاع والضاحية وجميع أنحاء لبنان «بشفافية، وبإيمان أن شهداءنا هم روح عزيمتنا، وأن أسرانا هم أمانة في أعناقنا، فلا نفرّط بسيادة واستقلال لبنان، وبأن وحدتنا هي ضمانة مناعتنا وبأن تنوّعنا هو غنى تجربتنا وبأنه آن الأوان لنراهن على لبنان في استثمارنا لعلاقاتنا الخارجية، لا ان نراهن على الخارج في الإستقواء على بعضنا البعض».
وأكد التمسك بمبدأ رفض توطين الفلسطينيين «حفاظاً على حق العودة وتثبيتاً لحل الدولتين»، والتمسّك أيضاً بحق الدولة اللبنانية في ممارسة سلطتها على كافة الأراضي اللبنانية و«من ضمنها مخيّمات لجوء الاخوة الفلسطينيين والحفاظ على كرامتهم الانسانية».
كذلك تعهد عون إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية «انطلاقاً من أن لبنان عربي الانتماء والهوية، وأن نبني الشراكات الاستراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال إفريقيا وأن نمنع أي تآمر على أنظمتها وسيادتها وأن نمارس سياسة الحياد الإيجابي».
وقال: «انطلاقاً من المتغيّرات الإقليمية المتسارعة، لدينا فرصة تاريخية لبدء حوار جدّي وندّي مع الدولة السورية بهدف معالجة كافة المسائل العالقة بيننا، لا سيما مسألة احترام سيادة واستقلال كل من البلدين وضبط الحدود في الاتجاهين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منهما، وملف المفقودين وحل مسألة النازحين السوريين لما لها من تداعيات وجودية على الكيان اللبناني والتعاون مع الأخوة السوريين والمجتمع الدولي لمعالجة هذه الأزمة، بعيداً عن الطروحات العنصرية أو المقاربات السلبية، والسعي مع الحكومة المقبلة والمجلس النيابي الكريم إلى وضع آلية واضحة قابلة للتنفيذ الفوري تعيدهم إلى وطنهم».
ردود فعل
من بين المواقف السياسية الداخلية، برز موقف إيجابي لـ«حزب الله»، أعلنه رئيس كتلته النيابية محمد رعد، وآخر سلبي لرئيس تكتل «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
وقال رعد بعد الجلسة: «أردنا من خلال تأخير تصويتنا لفخامة الرئيس بأن نرسل رسالة بأننا حماة الوفاق الوطني في البلد». وكان أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم أكد السبت الماضي أن «حزب الله حريص على انتخاب رئيس للجمهورية»، مشدداً على أن الحزب «يعمل على تعزيز الوحدة الوطنية كأولوية في هذه المرحلة»، وأن «المقاومة ستبقى جزءاً من الحل الوطني»، وأن «حزب الله ملتزم بتوفير كل الظروف التي تسهم في بناء الدولة».
أما جبران باسيل وبعد أن قال «الآن أصبح عون رئيساً للبلاد ونتعاطى معه بكل ايجابية واحترام وكل عمل لن نوافق عليه نعارضه بغية تصحيحه»، اعتبر أن انتخاب قائد الجيش «أتى بعملية تعيين وفرض من الخارج والأيّام المقبلة ستكشف عن هدف الدول من فرض التعيين».
ولاقى انتخاب عون ردود فعل دولية وعربية مرحبّة ومشددة على أهمية أن تستعيد البلاد الأمن والاستقرار.
وأبرق العاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الرئيس عون مهنئين.
وبدوره، رحّب الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن قائلاً: «أثق بالرئيس عون، وأعتقد بشكل راسخ أنّه الزعيم المناسب لهذه الفترة»، معتبراً أنّ عون سيوفر «قيادة حاسمة» في الإشراف على وقف إطلاق النار الساري بين إسرائيل و«حزب الله». وأكدت السفارة الأميركية في لبنان التزامها العمل «بشكل وثيق» مع الرئيس الجديد، واعتبر الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكاشتين أن «انتخاب عون خطوة نحو السلام والاستقرار في لبنان».
وهنّأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس اللبناني الجديد، معتبراً أنّ انتخابه «يمهّد طريق الإصلاحات والترميم والسيادة والازدهار في لبنان». وبارك أمير قطر تميم بن حمد، مؤكداً أنّ «قطر ستظل دائماً داعمة للبنان وشعبه في مسيرتهم نحو مستقبل مشرق».
وأعلنت إيران أيضاً عن تطلعها للعمل مع الرئيس اللبناني المنتخب من أجل تعزيز العلاقات، آملة أن يتعاون البلدان «خدمة للمصالح المشتركة». وهنّأت تركيا الرئيس اللبناني الجديد، معربة عن أملها في أن يساهم انتخابه في «تحقيق الاستقرار» في لبنان.
غزة المعاناة المستمرة
في الداخل الفلسطيني المحتل، لا يزال شعب قطاع غزة يعيش معاناته اليومية، جراء استمرار الوحشية الإسرائيلية في ارتكاب المجازر، لاسيما في شمال القطاع، الذي يخضع لعمليات تهجير ممنهجة، تعتمد قتل سكانه وتجريف منازلهم بعد حرقها وتهديمها، وحرمانهم موارد العيش والعناية الطبية. ويسجل كل يوم سقوط شهداء وجرحى، بينما تواصل المقاومة تصديها اليومي لجنود الاحتلال، وقتلهم وتدمير آلياتهم.
ومع بدء العد العكسي لعودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض متوعداً بفتح أبواب الجحيم في حال لم يتم التوصل لاتفاق تبادل أسرى، تتواصل المواجهات الضارية في شمال القطاع بين قوات الاحتلال والمقاومة، حيث اعترفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن 10 جنود قتلوا منذ بدء العملية الأخيرة في بيت حانون قبل نحو أسبوعين، ما يرفع إلى 46 عدد جنود الاحتلال، الذين قتلوا منذ بدء حملة «التطهير» لشمال القطاع.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه الاجتماعات في العاصمة القطرية الدوحة، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وفيما لا تزال المساعي مجرد تصريحات غير مقرونة بالنتائج، تلقت إسرائيل دعماً أميركياً جديداً ليس فقط من إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، الذي خصص مليارات الدولارات الإضافية، لدولة الاحتلال وإنما أيضاً عبر الكونغرس، حيث صوت مجلس النواب الأميركي، يوم الخميس الماضي، على «فرض عقوبات» على المحكمة الجنائية الدولية، «احتجاجاً» على إصدارها مذكرتي اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بسبب حرب غزة.
وجاء التصويت بأغلبية 243 صوتاً مقابل 140، لصالح «قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية»، الذي من شأنه فرض عقوبات على أي أجنبي يحقق مع مواطنين أميركيين أو مواطنين من دول حليفة، بما في ذلك إسرائيل، من غير الأعضاء في المحكمة، أو يعتقلهم أو يحتجزهم أو يحاكمهم.
وبموازاة ما يجري في غزة، تمارس قوات الاحتلال أعمالها القمعية في الضفة الغربية، حيث تم اعتقال 45 فلسطينيا وتواصلت اعتداءات المستوطنين. واندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال في بلدتي بيتا وسبسطية بمحافظة نابلس، عقب «عملية الفندق» التي أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة سبعة آخرين.
جبهة المساندة اليمنية
على جبهة المساندة اليمنية للمقاومة في غزة، واصل «أنصار الله» في اليمن، الأسبوع الماضي، ضرب عمق الكيان، حيث نفذت ثلاث عمليات عسكرية يوم الإثنين، استهدفت مناطق في تل أبيب وعسقلان. وأوضح المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، يحيى سريع، أن الأولى استهدفت هدفاً عسكرياً في يافا، بطائرتين مسيرتين، وأن العملية الثانية استهدفت هدفاً حيوياً لإسرائيل في عسقلان بطائرة مسيرة، أما العملية الثالثة فاستهدفت هدفاً عسكرياً في تل أبيب بطائرة مسيرة.
وأكد أن العمليات العسكرية حققت أهدافها، مضيفاً أن القوات اليمنية نفذت عملية عسكرية مشتركة نوعية، استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو أس أس هاري ترومان»، بصاروخين مجنّحين وأربع طائرات مسيرة شمالي البحر الأحمر. وقال إنه تم تنفيذ هذه العملية «أثناء تحضير العدو الأميركي لشن هجوم جوي كبير»، وقد أدت العملية إلى «إفشال الهجوم». والسبت الماضي، أعلن جيش الاحتلال اعتراض صاروخ يمني، قبل عبوره إلى أجواء الكيان.
وأطلق الحوثيون أكثر من 200 صاروخ و170 طائرة دون طيار على إسرائيل في العام الماضي، وفقاً لأرقام جيش الاحتلال.
Leave a Reply