وليد مرمر
تشير جميع المعطيات الإقليمية والدولية إلى أن المنطقة مقبلة على ربيع ساخن وأن موعد الحلول النهائية، إن وجدت، لم يحن بعد.
في سوريا يبدو أن الحروب بالوكالة (بروكسي) قد أنجزت دورها وأصبحت بالتالي المواجهة شبه المحتومة بين الجيشين السوري والتركي أمراً مفروغاً منه. بل إن ما جرى خلال الأسبوع الماضي ليس إلا مصداقاً لهذا الأمر. فقد اتهمت أنقرة الجيش السوري بقصف مواقف مراقبة للأتراك حول إدلب مما أدى لمقتل عدة جنود أتراك حسب ادعائها. ولهذا، بررت تركيا قصف عشرات المواقع للجيش السوري مدعية أنها قد أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوفه. ولكن أين موقف الراعي الروسي مما يجري؟
المسؤولون الروس أوضحوا بأن قنوات الاتصال بين موسكو وأنقرة مفتوحة وأن التنسيق الميداني سيمنع انزلاق الأمر إلى ما لا تحمد عقباه. ونفت موسكو أن تكون أنقرة قد قصفت الجيش السوري بطائراتها مؤكدة أن الطيران الروسي وحده يسيطر على الأجواء فوق إدلب ومحيطها. ولم تخف دعمها لعمليات الجيش سوري في حربه ضد بؤر الإرهاب في إدلب وحلب وفق اتفاقيات أستانا، وتحديداً «جبهة النصرة» المعروفة باسم «هيئة تحرير الشام».
في لبنان، أقرت حكومة «مواجهة التحديات»، البيان الوزاري، وهي ستتوجه إلى البرلمان لنيل الثقة. البيان تضمّن، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية، مبدأين مهمين كان النظام الرسمي العربي بقيادة السعودية قد ضغط لمنع إدراجهما، وهما ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، والبدء بعملية عودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في سوريا. ولذلك فقد يتصاعد التصويب من قبل المشروع الانهزامي العربي سيما بأدواته الداخلية، على حكومة حسان دياب واتهامها بأنها حكومة «حزب الله»، وهو ما سوف يحرمها من أية مساهمات عربية مالية، وربما دولية، لمجابهة الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ويقول المراقبون إن لبنان بحاجة ماسة لضخ خمسة إلى ستة مليارات دولار فوراً لمنع الانزلاق نحو الهاوية، وهو نفس قيمة المبلغ الذي وُعد به لبنان لو وافق على «صفقة القرن» وأقر توطين الفلسطينيين (ربما مجرد مصادفة!). لقد كان لبنان حازماً في عدم المضي في «صفقة القرن» عبر مقاطعته لمؤتمر البحرين برعاية جاريد كوشنير في منتصف العام الماضي، وهو ما أدى لامتعاض الإدارة الأميركية متهمة لبنان، عبر سفيرتها –وبمنطق مغلوط كما هي العادة– بازدواجية المعايير، لأنه كان قد وافق على دعوة موسكو لحضور مؤتمر أستانا لمناقشة قضية اللجوء السوري بيد أنه رفض الدعوة الأميركية «لمناقشة» مصير اللاجئين الفلسطينيين!
في العراق، سمت المكونات البرلمانية الرئيس محمد توفيق علاوي لرئاسة الوزراء، وهو لديه 30 يوماً لتشكيل الحكومة ولن يكون ذلك أمراً سهلاً. ولقد وعد علاوي بإنهاء نظام المحاصصة وبمحاسبة الفاسدين. ولكن الحراك الشعبي، بكل فئاته –العفوية والمشبوهة سيان– أصر على مواصلة الاحتجاجات رافضاً تسمية علاوي. وكان لـ«سرايا السلام»، أصحاب القبعات الزرق، التابعين للسيد مقتدى الصدر، الدور الرئيس في محاولة فض عدد من الاعتصامات.
وفي خضم الأزمة القائمة بين العراق والاحتلال الأميركي، قالت تقارير إعلامية إن الأميركيين هددوا الحكومة العراقية بقلب الطاولة إن هي أصرّت على خروج قواتها من العراق، وذلك عبر إطلاق يد الآلاف من «الدواعش» الذين طردهم الجيش السوري وحلفاؤه ليعيثوا في العراق من جديد. كما هددت أميركا بمؤازرة وبمناصرة إقامة كانتون سنّي على غرار الكانتون الكردي.
في ليبيا، ما تزال الأمور رهينة المشاورات الدولية التي لم تتمخض بعد، عن حل يرضي جميع الطامعين في النفط الليبي. وما زال صديق الـ«سي آي أي»، حفتر، يرغو ويزبد بدعم علني وواضح من مصر والسعودية والإمارات وفرنسا. ولم تفض اتفاقات برلين وموسكو سوى إلى المزيد من الفوضى بانتظار التغيرات الإقليمية والدولية علها تجلب معها نوعاً من السلام الهش، ريثما يتم التوافق على اقتسام ثروات النفط عبر تقسيم ليبيا. ولقد أعلنت تركيا عن نيتها بإرسال قوات لدعم حكومة الوفاق، وهي خطوة تحصن اتفاقيات رسم الحدود البحرية بين البلدين، وهي الحدود التي ستشهد مد خط الغاز الإسرائيلي–القبرصي–اليوناني–الأوروبي قريباً!
وفي اليمن، لما تصحو السعودية وفلول مرتزقتها بعد من الهزيمة النكراء التي تكبدوها من الجيش اليمني و«أنصار الله» في مديرية نهم والمناطق المتاخمة وصولاً حتى مأرب. وما زالت قوى يا يسمى بـ«التحالف العربي» تدرس وتحلل أسباب هذه الهزيمة المدوية. وقد خلص بعض منظريهم إلى أن الاختراقات ذات الاحترافية العالية لأجهزة الاتصالات والتنصت كانت السبب الرئيس لهذا التقدم الكاسح. وفي هذه الأثناء يعزز الحوثيون من تحصين مناطقهم التى استردوها ريثما تسنح الفرصة للتقدم نحو المناطق الخاضعة للنفود السعودي–الإماراتي.
بالملخص، ورغم ضبابية المشهد الإقليمي ككل، إلا أن الإنجازات الميدانية الأخيرة، سيما في سوريا واليمن، لا يمكن إلا أن توصف بالرد العملي على المشاريع المقابلة وفي مقدمتها «صفقة القرن».
Leave a Reply