الفلسطينيون على وشك الدخول مع الطرف الاسرائيلي في مفاوضات مباشرة، يتوقع ان يكون مسرحها القاهرة او منتجع شرم الشيخ، ذلك ان مفاوضات كهذه لشدة وطيسها، يلزم ان تعقد في مكان هادىء حيث الخضرة والماء والوجه الحسن.
السلطة الفلسطينية ارغمت على قبول هذه المفاوضات رغما عن أنفها، فقد تلقى الرئيس محمود عباس اواسط الشهر الماضي، رسالة تطمينات من الرئيس الاميركي باراك أوباما، حوت ستة عشر بندا، واحد منها يكفي لأن يهرول “ابو مازن” نحو هذه المفاوضات، دون ان يلتفت يمينا او شمالا، فقد توعده بقطع المساعدات الاميركية عن السلطة، ان هو رفض الذهاب الى المفاوضات المباشرة، وبأنه سيطلق يد اسرائيل في اقامة وتعزيز المستوطنات، في حين وعده بأن تشمل بنود النقاش فيها، القدس الشرقية وغور الاردن والبحر الميت وغزة، دون ان يكون هناك ذكر لمسألة جوهرية في الصراع: “اللاجئون”، مكررا تعهده باقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، كان سلفه جورج بوش وعد بها في ولايتيه الأولى والثانية، ويبدو انها وعود كوعود عرقوب.
المفاوضات المباشرة ضمن ما رشح من معلومات، يتوقع ان يحضر انطلاقتها اوباما نفسه والرئيس المصري وعاهل الاردن، ومن ثم تدخل اطقم المفاوضات الفلسطينية والاسرائيلية في نقاشات عبثية قد تستمر شهورا او بصنع سنين، يكون فيها الرئيس اوباما قد انتهت ولايته، او على اقل تقدير وفق الرؤية الاسرائيلية اصبح “بطة عرجاء” داخل البيت الابيض، اذا ما اسفرت انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) القادمة، عن سيطرة الجمهوريين على الكونغرس الأميركي.
اسرائيل من واقع ما عرف عنها من مناورات تكتيكية بارعة، سمحت بتسريب تقارير اعلامية، تفيد بقرب نيتها ترحيل 50 الف مستوطن من الضفة الغربية الى داخل الخط الاخضر، وبأنها قامت بتفكيك الجدار العازل عند بلدة بيت جالا الفلسطينية القريبة من بيت لحم، ما يعني ان هذا الجدار لا يشكل حدودا نهائية، وانما اقيم لأهداف امنية، وجاء في تلك التقارير ان رئيس الوزراء نتنياهو وعد اوباما بتقليل عدد نقاط المراقبة العسكرية بين القرى والمدن في الضفة الغربية، والبالغ عددها ستمائة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي جعل صورة المفاوضات المباشرة قائمة في وسائل الاعلام العربية وفي اعين الفلسطينيين حتى يدفعوا اليها دفعا؟ مع أنها تعدهم باقامة دولة لهم على 90 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، تكون متواصلة مع غزة عبر شبكة من الأنفاق والجسور، دولة يعمها الرخاء الاقتصادي وسيل من الهبات والمساعدات الاميركية والاوروبية والخليجية؟ ما الذي يجعلها مفاوضات لا طائل منها، برغم استعداد اسرائيل سحب جيشها من الضغة الغربية، على غرار الانسحاب من غزة، بل وسحب المستوطنين من المستوطنات الصغيرة والعشوائية، وتفكيك الجدار العازل، كل ذلك في مقابل استمرار السلطة الفلسطينية بالتعاون والتنسيق لمحاربة “المخربين” والارهابيين؟
تلك هي المعادلة الجديدة في قاموس الصهيونية البراغماتية، التي يمثلها نتنياهو. فإسرائيل لن تطلب من الفلسطينيين في المفاوضات المباشرة الإعتراف بدولة يهودية نقية، جل ما تهدف اليه هذه المفاوضات سلام اقتصادي في مقابل تعاون امني. ولا مجال للحديث عن القدس واللاجئين والحدود، ستصر اسرائيل في تلك المفاوضات على سيطرة استراتيجية لجيشها على غور الاردن، خشية هجوم عسكري عليها من الشرق، بذلك تكون الدولة الفلسطينية العتيدة دولة ذات معالم غريبة من نوعها، ممنوع عليها بناء جيش يحميها ولا اقامة علاقات مع دول معادية لاسرائيل، ذات حدود مؤقتة وعاصمة بديلة، جل عمل حكومتها ايصال المياه والكهرباء وجمع القمامة وزج المناضلين وراء القضبان.
Leave a Reply