«تاجر القاصرات» توفي بظروف غامضة في سجنه .. وإدارة ترامب تتعهد بمواصلة التحقيق في شبكته الإجرامية
نيويورك – لم تكد تتكشف خيوط شبكة الجنس مع القاصرات التي كان يديرها رجل الأعمال اليهودي الأميركي البارز، جيفري أبستين، حتى وجد الأخير ميتاً داخل زنزانته في سجن فدرالي بمدينة نيويورك السبت الماضي، لتثير وفاته الغامضة عاصفة من نظريات المؤامرة، لاسيما وأن أسماء نافذة في عالم السياسة والاقتصاد والفن والعلوم قد تكون متورطة في نشاطات أبستين المشبوهة.
وقبل نحو شهر من وفاته، تم اعتقال أبستين واتهامه بتنظيم شبكة تضم عشرات الفتيات الصغيرات بالسن بعضهن دون سن الـ14 واستغلالهن جنسياً في منازله العديدة في نيويورك وفلوريدا إضافة إلى جزيرة خاصة يملكها أبستين في البحر الكاريبي لممارسة الجنس مع القاصرات.
وعُثر على أبستين (66 عاماً) ميتاً، وقد شنق نفسه على ما يبدو في زنزانته، غداة نشر المحكمة وثيقة تضمّنت إعلان ضحية مفترضة أنها أرغمت على ممارسة الجنس مع سياسيين وشخصيات من عالم الأعمال.
وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، بأن كلا الحارسين المكلفين بحماية أبستين المتهم بالاستغلال الجنسي لقاصرات والتورط في شبكة إجرامية لاستغلال الأطفال جنسياً، كانا نائمين بينما كان من المفترض أن يحمياه من نفسه، خشية انتحاره، علماً بأنه قبل يوم من إقدامه على الانتحار المفترض، قضى أبستين ساعات طويلة مع محاميه، وتمت الموافقة على إعفائه من إجراء يعرف بـ«مراقبة الانتحار». وقالت الصحيفة إن الحارسين اللذين كانا يراقبان زنزانته التي شنق فيها جيفري أبستين، غطا في النوم وفشلا في مراقبته لمدة ثلاث ساعات، ثم زوّرا السجلات للتستر على خطئهما».
وفي تعليقه على الحادثة الغامضة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يريد إجراء تحقيق شامل في ملابسات وفاة أبستين.
ولم يتم تأكيد أسباب الوفاة رسمياً حتى الآن. وقد صرح الطبيب الشرعي لمانهاتن، أنه يحتفظ بالنتائج التي توصل إليها بانتظار «مزيد من المعلومات».
وأفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن تقرير تشريح الجثة كشف عن تعرضه لكسور في عظام الرقبة، دون أن تؤكد فرضية انتحاره.
ونقلت الصحيفة عن مصادر على دراية بنتائج تشريح الجثة أن مثل هذه الكسور يمكن أن تحدث للأشخاص المنتحرين شنقاً، لكنها لفتت إلى أنه من الممكن أن تحدث أيضاً للأشخاص الذين يتعرضون للخنق.
موقف ترامب
لجأت العديد من وسائل الإعلام الأميركية والعالمية إلى ربط أبستين بالرئيس الأميركي، إلا أن ترامب نفى صداقته به مؤكداً أنه لم يكن يوماً من المعجبين بأبستين رغم وجود صور مشتركة لهما في مناسبات عدة.
بل كان أبرز المشككين برواية انتحار أبستين، حيث أعاد نشر وسم يلمح إلى مسؤولية الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، عن الوفاة الغامضة.
لاحقاً، قال ترامب للصحفيين في موريستاون بولاية نيوجيرزي: «ما نقوله بالأساس هو أننا نريد إجراء تحقيق. أريد تحقيقاً شاملاً وهذا بالقطع ما أطالب به. هذا ما يفعله وزير عدلنا العظيم. إنه يجري تحقيقاً شاملاً».
وأدلى ترامب بتلك التصريحات بعد يوم من تعهد وزير العدل، وليام بار، بمواصلة التحقيق في قضية أبستين رغم موته، كما أمر بار، المفتش العام بوزارة العدل بالنظر في أمر وفاته. وكان أبستين يتمتع باتصالات وثروة واسعة.
وألقي القبض على أبستين، الصديق المقرب من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، في السادس من تموز (يوليو) الماضي. وووجهت إليه في 8 منه، تهمة الاستغلال الجنسي لقاصرات وتهمة التآمر للقيام بالاتجار الجنسي بقاصرين، وهي تهم تصل عقوبتها إلى السجن 45 سنة. وكان من المقرر أن تبدأ محاكمته منتصف حزيران (يونيو) 2020.
وكان الملياردير الأميركي الذي تقدر ثروته بما يزيد على 500 مليون دولار، قد تقدم في 18 يوليو بطلب لإطلاق سراحه بكفالة، لكنه رفض.
وسبق أن عثر على أبستين أواخر يوليو على الأرض في زنزانته في مركز ميتروبوليتان الإصلاحي في مانهاتن السفلى، وعلى عنقه كدمات، في أعقاب محاولة انتحار مفترضة. لكن إصاباته حينها لم تكن خطرة وشارك بعدها بأيام قليلة في جلسة استماع قضائية.
التحقيق مستمر
من جهتها، أعلنت وزارة العدل الأميركية، الثلاثاء الماضي، أنها فرضت أولى العقوبات في سجن مانهاتن بعد «مخالفات خطيرة» كُشفت على أثر وفاة أبستين، موضحة أن الإجراءات تطال مدير السجن الذي تم نقله مؤقتاً ووقف اثنين من الموظفين عن العمل، «بانتظار نتائج التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) والمفتش العام».
وقال وزير العدل: «يمكنني أن أؤكد لكم أن التحقيق سيستمر وسيستهدف أي شريك لأبستين. لن ينام أي شريك له، قرير العين».
ودهم عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي جزيرةً يملكها أبستين في البحر الكاريبي، بعد يومين من فتح المكتب تحقيقاً في ملابسات وفاته.
وأوردت شبكة «أن بي سي» الإخبارية أن محققين فدراليين قاموا بتفتيش منزل أبستين الفخم في جزيرة «ليتل سانت جيمس» الواقعة ضمن أرخبيل جزر فيرجين الأميركية.
في غضون ذلك، وجهت اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي، طلباً إلى مكتب السجون الفدرالي في الولايات المتحدة لأجل تقديم توضيحات بشأن الانتحار الغامض. وطلبت اللجنة جواباً بشأن إعفاء المتهم الخطير من إجراء «مراقبة الانتحار»، على الرغم من محاولته السابقة، وأضافت أن رحيل أبستين أربك إحقاق العدالة في الملف.
والجدير بالذكر أن أبستين كان متهماً قبل 10 سنوات، بالاستغلال الجنسي للقاصرات في ولاية فلوريدا، وحكم عليه عام 2008 بالسجن 18 شهراً، غير أنه سُمح له بقضاء عقوبته في منزله، وهو ما اعتبره المراقبون دليلاً على الغطاء السياسي الذي كان يتمتع به من خلال شبكة دعارة القاصرات التي كان يديرها لخدمة نخبة من السياسيين والرياضيين والفنانين والجامعيين والعلماء، إضافة إلى شخصيات ملكية مثل الأمير أندرو، ابن الملكة البريطانية إليزابيث الثانية.
وسرت شائعات عديدة خلال الأسبوع الماضي حول دوافع «قتل» أبستين داخل زنزانته لحماية هوية المتورطين بشبكته.
كشفت صحيفة «دايلي ميل» البريطانية أن أبستين كانت لديه صورة فاضحة للرئيس كلينتون، معلقة في قصره في مانهاتن، قامت امرأة بتصويرها خلسة أثناء لقائها به عام 2012
وذكرت الصحيفة أن صورة الرئيس الأسبق وهو مسترخ فيما يبدو على كرسي في المكتب البيضاوي، مرتدياً حذاء نسائياً أحمر اللون بكعب عال، وفستاناً أزرق اللون يكشف أجزاء من جسده. ونقلت الصحيفة عن المرأة قولها: «لقد كان بيل كلينتون بالضبط. كان هذا صادما. إنها صورة جنسية مستفزة للغاية. لقد كان يرتدي حذاء بكعب عال، وفستاناً أزرق، ويده في وضع غريب».
سيرته الذاتية
اسمه جيفري إدوارد أبستين. من مواليد عام 1953 في بروكلين نيويورك، لوالدين يهوديين مهاجرين. كان والده جامع قمامة، وأمه مساعدة في مدرسة.
التحق بجامعة نيويورك، لكنه لم يحصل على شهادة رغم ذلك كان مبرزاً في الرياضيات.
في منتصف السبعينيات، حصل على عمل في إحدى المدارس المرموقة، وهنا لفت الأضواء.
ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» «لقد فوجئ الطلاب في إحدى المدارس المرموقة في نيويورك بمقابلة معلم جديد متجوّل في القاعات وهو يرتدي معطف فرو، وسلاسل ذهبية، وكاشفاً صدره».
في هذه الفترة، لم يلحظ لأبستين سلوك جنسي غير لائق مع الفتيات، رغم ذلك تم فصله من المدرسة بسبب سوء الأداء.
استغل بعد ذلك، اتصالاته مع مدرسة دالتون للعمل في وول ستريت، حتى التحق في زمن وجيز بصفوف بنك الاستثمار (حينها) «بير شتيرنز».
خلال سنوات وجيزة وفي عام 1982، تمكن من جمع ثروة وفتح شركته الخاصة وكان يتعامل فقط مع أصحاب المليارات. وبين عام 1989 و2003، تبرع أبستين بأكثر من 139 ألف دولار لمرشحين ديمقراطيين، وأقل من 18 ألف دولار لمرشحين جمهوريين. ومن أبرز المستفيدين من تبرعاته، الرئيس كلينتون.
في 2003، أي قبل عامين من التحقيق الشامل في مزاعم الاستغلال الجنسي للفتيات القاصرات، توقفت تبرعاته السياسية فجأة.
وبدأت الادعاءات حول سلوك أبستين الجنسي مع فتيات صغيرات في الظهور عام 2005. وبينما كانت الاتهامات تتعلق بحوالي 40 فتاة مراهقة، وافق أليكس أكوستا المدعي العام في ميامي (آنذاك ثم وزيراً للعمل لاحقا) على صفقة مع أبستين في عام 2007. أكوستا استقال كوزير للعمل الشهر الماضي بعد تعرضه لانتقادات بسبب الإشراف على تلك الصفقة التي انتهت بإبقاء أبستين طليقاً، بعد إقراره بتهم تتعلق بالدعارة بدلاً من جرائم فدرالية أكثر خطورة.
على الرغم من كل هذا، واصل أبستين حياته الصاخبة متنقلاً بطائرات خاصة بين مدينته نيويورك وجنوب فلوريدا ونيو مكسيكو وجزر فيرجن الأميركية وباريس وأفريقيا، إلى أن اعتقل الشهر الماضي بعد أن اتهمه مكتب الادعاء العام الفدرالي في مانهاتن بأنه «أغرى وجند فتيات قاصرات للانخراط في أعمال جنسية».
Leave a Reply