ديربورن تتزيّن في عيد الميلاد
عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
الميلاد في مدينة ديربورن الأميركية ليس عادياً. سانتا كلوز وغزلانه والثلوج البيضاء ليست ضمن قائمة الأساطير هنا. هي واقع معاش بكل تفاصيله. تتمتع ولاية ميشيغن بأكملها بأجواء ميلادية مميزة. فترى في تنقلك بين مدنها نسخاً مطبقة لأفلام «ديزني» تصل بها إلى موطن هنري فورد في ديربورن، حيث تختلط المحركات الميكانيكية بديكورات الميلاد المذهلة. من قرية هنري فورد التاريخية.. إلى الشوارع.. إلى زينة المنازل في الداخل والخارج.
تحمل الجاليات العربية تقاليد الميلاد معها من أوطانها. تتطور الزينة والطقوس الاحتفالية لتجاري التفاعل العام مع المناسبة المجيدة. وهو عيد يشبه فسيفساء أميركا. عيد عابر للثقافات والديانات. يحمل ميلاداً مسيحياً مبشراً بالمحبة للعالم بأكمله.
يتنقل سانتا كلوز بعربته بين البيوت العربية في الاغتراب حاملاً معه هدايا للصغار والكبار. ولا تخلو فضاءات الغرف من صوت تراتيل فيروز «ليلة عيد ليلة عيد، الليلة ليلة عيد.. زينة وناس صوت جراس عم بترنّ بعيد».
قام الشاب اللبناني ابراهيم الحاج أحمد بإطالة لحيته لتتناسب مع دوره القادم «سانتا كلوز». حيث سيقوم بتوزيع الهدايا على أبناء أخته وأصدقائه يوم الاثنين المقبل. وأكد في حديث لـ«صدى الوطن» على أن عيد الميلاد ليس للصغار فقط، بل للكبار أيضاً.
يحمل إبراهيم روحاً مرحة ويمتلك خبرةً اكتسبها خلال تمثيله لدور «بابا نويل» على مسرح مدرسته الأم في النبطية.
يجلس بالقرب من أطفال أقربائه ويتناقشون حول نوعية الهدايا. الأطفال لا يعلمون بأنه هو شخصيا من سيقوم بالدور، يظنون بأن سانتا شخصية حقيقية تحمل الخير للعالم.
ذكريات العيد
يتذكر ابراهيم طقوس الميلاد في ضيعته الأم قائلاً: «كانت أمي تقص من شجرة السرو وتعملنا شجرة طبيعية وتزينا بطريقة يدوية. وكنا نركض بالحقلة نحنا وولاد الجيران ورا عرباية سانتا. جارنا كان عندو كلاب صيد كانو ياخدو دور الغزلان..».
تؤكد والدة ابراهيم رندة بزي ذكريات ابنها وتضيف «كنا نقص من شجرة سرو طبيعية، ونحطها بتنكة نيدو مع رمل ونلونها ونرسم عليها أو نلفها بورق كادو. ونجمع أوراق راس العبد والسانيتا الحلوة ونصنع منون اجمل زينة..». بين بساطة الشجرة الريفية وإبهار الزينة الأميركية تتصل خطوط الغربة بالوطن لتصنع ميلاداً عائلياً جميلاً في بلاد الاغتراب.
أما المغترب اللبناني والقائد الكشفي السابق زكريا محيي الدين (أبو نداء)، يحمل ألبوماً من صور ذكرياته واحتفالاته في المدارس اللبنانية حيث أتى إلى أميركا ليعيد صناعة المشهد، إذ يقوم بتوزيع الهدايا على أحفاده وأبناء جيرانه الأميركيين.
يؤكد أبو نداء، أن شجرة الميلاد هي جوهر العيد الذي يحمل المحبة بأبهى صورها. ويضيف حاملاً صوره بالبدلة الكشفية إلى جانب الجوالة والأشبال أثناء احتفالهم بعيد الميلاد قبل عقود مضت، على أن العيد مدرسة تربوية تربي الطفل على حب العطاء والانتماء وتربط أواصر العائلة كما أنها ساحة لكل الديانات والثقافات.
يتحدث بروح الأب والجد والمربي والمزراع الذي يعرف قيمة الأرض. مزارعُ بصفات حملها من زحلة إلى ديربورن ليزين محيط منزله بالورود وبيوت العصافير المزركشة المليئة بطعام الطيور المتنقلة. إذ أن العيد أيضاً يمر على كل الكائنات وليس على البشر فقط.
تضيف زوجته المعلمة السابقة زينب الحسيني (أم نداء) أن العيد لا يحمل الطابع الديني الاحتفالي فقط فهو إنساني بامتياز وانهم يهتمون فيه كثيراً. وتتذكر فرحة الأطفال والتلاميذ أثناء توزيع الهدايا عليهم قائلة «ما في أجمل من زرع البسمة على وجوه الناس».
سانتا
أما الصبية المقدسية نجلاء مصرصع، ابنة المكان الأم للميلاد: «فلسطين». تحمل معها العادات المتوارثة للميلاد من القدس ورام الله وبيت لحم بكعكة عيد خاصة تحضرها بوصفة قديمة تعلمتها على يد جدتها. لا يخلو منزلها الصغير من الزينة والأضواء الخاصة بالميلاد. يختلف «كريسماس» نجلاء عن الاخرين في مدينة ديربورن. فهي بعيدة عن أهلها الموزعين ما بين القدس ورام الله. يحتوي صندوق ذكرياتها على أحداث جميلة وقصص أليمة عن عيد فلسطين. فـ«سانتا كلوز» شخصياً يتم توقيفه على الحاجز. إلا أنها تؤكد على أن زرع الفرحة وسط المعاناة هو اختصاص الفلسطينيين. فعائلتها تحتفل بالميلاد دائماً وباصعب الظروف. لأن الرد على صناع الألم لا يكون الا بنشر الفرح.
تتصفح نجلاء صور زينة الميلاد في بلدها على هاتفها وتتواصل مع أهلها مبتسمة من خلال اتصال «الفيديو كول» لتشاركهم فرحة العيد ولو عن بعد.
هي التي كسرت بطموحها حصار الاحتلال للواقع والأحلام. وتزور باستمرار، أماكن احتفالات الميلاد من قرية هنري فورد إلى داونتاون ديترويت وتنقل لأهلها تجربتها لتشاركهم الفرحة. وتستذكر زيارتها لمركز خيري يرعى الأيتام في بيت لحم منذ ست سنوات حيث قامت أمها بتمثيل دور «سانتا» ووزعت الهدايا على الأطفال الأيتام، حابسة دمعتها في مشهد بكى فيه «سانتا» سراً بعدما نشر البسمة على وجوه الآخرين.
يتنقل سانتا كلوز بعيده حاملاً الهدايا. وينقل أيضاً صوراً للفرحة تعبر حدود الأوطان بغزلانه الحرة. فلا حدود لوطن سانتا، ولا حصرية للبسمة. البسمة للجميع… نشرها واجب وتوزيعها ضروري… على كلِّ أرض تسودها اللاعدالة وسوء التوزيع.
Leave a Reply