نعم، الأسف كبير على مقتل المرحوم هاشم السلمان من بلدة عدلون، الذي حاول التظاهر أمام السفارة الإيرانية في «بئر حسن» فوقع ببئر«تيَّار الإنتماء» التابع لأحمد الأسعد بحجَّة الإحتجاج على تدخُّل «حزب الله» في سوريا. فقتلُ نفسٍ بريئة أمرٌ لا يقرُّه دين ولا شرع خصوصاً إذا كان أثناء التعبير السلمي عن النفس. ولكن..
كيف يمكن أنْ يتصوَّر شخص، يملك ذرَّة من دماغ، أنْ يتبع مخلوقاً مثل أحمد الأسعد في هذه الأيَّام التعيسة؟! أولاً هو ولدٌ عاق تبرَّأَ منه حتَّى أبوه عدَّة مرَّات قبل موته لأنَّه كان أعلم بارتباطاته المشبوهة مع الأنظمة الرجعيَّة المتلازمة مع المخطط الإسرائيلي المعادي للمقاومة رغم أنَّ كامل الأسعد لم يكُنْ “متشردقاً” كثيراً بالمقاومة لكنَّه لم يصل إلى مرحلة الخيانة التي بزَّه فيها «فلذة كبده».
ثانياً، لم يكن سرَّاً أبداً، والولد العاق لم ينفِ الأمر بتاتاً، أنَّ السعودية منذ عدَّة سنوات فتحَتْ له الحنفية البترودولارية بالملايين عندما بدأتْ رحلة البحث عن بديل للثنائي الشيعي يكون «حصان طروادة» ليضعضعه أمام التيارات المعادية التي لم تتمكَّن من النيل منه لا سلماً ولا حرباً، بسبب “خطيئة” مقاومة إسرائيل والإنتصار عليها! جرَّبت علي الأمين الذي كان الكثيرون يمحِّضونه الإحترام لكنَّ القضية انقلبت عليهم وأصبح محور المقاومة أكثر تماسكاً. لذا ارتأتْ إستعمال أحمد الأسعد إبن «البيك الإقطاعي» كحلٍ أمثل لأنَّ، للأسف، بعض ضعاف النفوس هم ضد التاريخ والعقل والمنطق وما زالوا يدينون بالولاء لصبيٍّ وُلد وفي فمه ملعقة البكوية المذهَّبة من دون وجه حق ومن دون أنْ يقدِّم شيئاً للناس غير اسمُه وكسمه وقصوره والملايين التي ورثها عن أبيه. لذا، ُذكر أنَّ الأسعد كان يشتري سيارة وتأميناً صحيَّاً لكل من ينتسب إلى «تيَّارالإرتماء» إلى درجة أنّ أعضاءً من الحركة والحزب إنضمّوا اليه بتشجيعٍ من رؤسائهم حتى تعمَّ الاستفادة، لا بسبب أيديولوجيته الأخَّاذة أو مقوِّمات الأسعد القيادية أو «الكاريزما» التي يتحلَّى بها ولو كانت مثل كاريزما «غرينش»! ثم فَرَط عقد الحزب «الديمقراطي الاشتراكي» (إسمٌ حضاري أوروبي لأبشع إقطاع رجعي إستغلالي عرفه شبه الوطن) بعد إعلان الإنسحابات الجماعية من صفوفه، وتحوَّل إلى حزب «طاقية الإخفاء» بإنتظار دورٍ مشبوهٍ جديد ويومٍ «طابوري» آخر.
ثالثاً، لماذا اختار تيَّار «الإزدراء» هذه الفترة بالضبط لرفض تدخُّل المقاومة في سوريا ولماذا السفارة الإيرانية بالذات؟ حتى الأسير نفسه لم يجرؤ على التظاهر أمام سفارة إيران. ولماذا لم تثر حميَّة الأسعد منذ عامين عندما دشَّنتْ قرطة «ثورة البلح» التدخُّل في سوريا وبعد أنْ كشفت الأمر كبريات الصحف الغربية تزويد رجل سعد الحريري عُقاب صقر للشعب السوري بالبطانيات والحفَّاضات والألبان والأجبان فقط ؟! هل لأنَّه جبان أم أنَّ تيارَه مدفوع الأجر لكي يسبح عكس التيَّار؟ الشبهة تأتي من الحملة التي بدأها وزير خارجية البحرين «الديمقراطي» جدّاً ضد المقاومة واصفاً إياها بالإرهاب ثم تلته حملة مسعورة من دول الردَّة التي أيديها تقطر دماً من الشعب السوري بسبب نقل كل شياطين التكفير من أصقاع الدُنيا ومدِّهم بكل الإمكانات لمحاربة النظام ولو تسبّب ذلك بتقسيم سوريا بعد تدميرها، لكن راعَهُم دفاع المقاومة عن مجالها الحيوي الإستراتيجي كما فعل آل سعود عندما تدخلوا عسكرياً في البحرين. ولم ينقُص هذه الهجمة إلا فتوى المفتي «الأعور» وقبله القرضاوي الذي دعا إلى قتل المسلمين بهمجية أشرس من زمن الجاهلية! وسط هذه الأجواء المحمومة يقوم «شلعوط» الإقطاع البغيض بتحرُّكه المدفوع الثمن والأعصاب مشدودة ودماء أنصار المقاومة تغلي بالضبط من أجل حصول هكذا إشكال وإسالة الدم الشيعي- الشيعي لأن الفتنة داخل الصف الواحد هي المقتل الوحيد لهذا الصف!
رابعاً، ثم من قال أنّ الذي أطلق النّار على السلمان هو من أنصار المقاومة أو من حَرَس السفارة وكأنَّ «شقفة الوطن» هذا نظيفٌ ما شاء الله من كل أنواع الإستخبارات والطوابير الخامسة والعاشرة؟ إننا نجزم أنّ حزب المقاومة لن يتضايق من حركة «ديناصور» صغير فاتَه قطار التاريخ والمستقبل منذ زمن، بينما يتولّى بنفسه تأمين نقل جرحى تكفيريِّي «القُصير» القتَلة عبر «الصليب الأحمر» إلى مستشفيات الشمال والبقاع والله أعلم ماذا سيفعل هؤلاء الإرهابيين في لبنان بعد علاجهم على نفقة الدولة بينما يموت الفقراء في لبنان على أعتاب المستشفيات؟! لو يتعلَّم القرضاوي والمفتي الأعور في الحجاز من الأخلاقية الإسلامية الحضارية هذه التي نقلتْها الصحُف وأعرب فيها التكفيريون عن إمتنانهم لإسعاف الجريح بدل قتله والتمثيل بجثته ونزع أحشائه وقضْمها أمام الكاميرات أو قتل الطفل السوري محمَّد قطاع الذي لم يتجاوز ١٤ عاماً أمام والديه بداعي شتم الرسول بينما مسؤول «التثقيف» في التيّار الزرقاوي سوسلوف محمّد سلام قال أنّه لن يدخل في حكومة واحدة مع «حزب الله» ولو «كان فيها النبي مُحمَّد»! لقد تطاول قبله القرضاوي عندما قال بكلامٍ موثَّق «لو عاد الرسول لوضع يده بيد الناتو» لكن يحقُّ لهما ما لايحقّ للأطفال! الطفل حمزة الخطيب، الذي أتُهم النظام بقتله خلال هجوم شنَّه التكفيريون على الجيش السوري وأخذوا الطفل معهم لإستعماله عازلاً لهم، قامتْ الدُنيا بعدها ولم تقعُد وكان النحيب على قناتي «التزويرة» و«العبرية» لا يتوقَّف لكن الطفل محمَّد قطاع لم تعبِّره محطات العار والشنار ولم تشق جيزيل خوري عليه جيباً! ولقد عبَّر التكفيريون لتوِّهم عن شكرهم الخلافية المقاومة بمجزرة مذهبية جديدة في «دير الزور» ذهب ضحيتها مدنيون أبرياء وهم في بيوتهم!
وبعد الحادثة المؤسفة في محيط السفارة الإيرانية بدأ الإستغلال الرخيص من آخر مَن يحقّ لهم الكلام. إفتتح «التيرو» ساكن قصر بعبدا الذي استيقظ فجأةً على الوضع الأمني وبينما تنهمر الصواريخ على المدن البقاعية دعا إلى كشف إشكال السفارة طالباً من الحزب التعاون حتّى إنَّه إتَّصل بالسفير الغضنفر لهذا الغرض. ونحن إذ نقدِّر عالياً حرص ميشال سليمان المفاجئ هذا، كنَّا نتمنَّى لو تطلَّع قليلاً إلى الشمال وطلب نفس التعاون من «قادة المحاور» والمرتزقة والعصابات التي تملك المال والسلاح ومعروفة الجهة والإنتماء في طرابلس، وطلب منها تسليم قتلة مجنَّدي الجيش في عرسال والضابط بشعلاني ورفاقه، بل تسليم الإرهابي شادي المولوي المطلوب للعدالة والمتَّهم بقتل جنود لبنانيين! الظاهر إنّ شغل سليمان الشاغل هو حلفاء سوريا وكلُّنا نذكر تصرُّفه بعد الكمين الذي نُصب للوزير السابق ميشال سماحة وقوله الشهير إنَّه ينتظر إتِّصالاً من الرئيس بشَّار الأسد، ومازال ينتظر!
وبعد غيرة سليمان، أدلى التيَّار الزرقاوي بدلوه على أساس إنَّه حزب حضاري حواري يتحلَّى بأعلى أنواع الديمقراطية الصحراوية وحرية التعبير بدليل إغلاق محطة تلفزيونية بالزمانات وعلى أيام الحريري الأب لإنها تناولت «الذات» السعودية، لمن يذكر. كما نسي التيار الشهيد علي المحمود الذي غدروا به في اوَّل يوم من التظاهر ضدّ مغارة السنيورة. أمَّا فلتة الشوط فتعود للمتسامح العفيف وليد بك جنبلاط الذي حوَّل الجبل إلى واحة من واحات التعدُّدية والآراء المتنوعة والتواجد الكثيف للأحزاب والدروز الذين يخالفونه الرأي. لهذا السبب وصف حادث السفارة «بالبربري» لكنه لم يُعلِّق على «حضارة» آٓكلي الأكباد والمجرمين الذين أعدموا الطفل محمَّد قطاع وذبحوا النَّاس في «دير الزور»، ونسيَ تماماً تاريخه الأسود الحافل بمنع وجود أي حزب معارض في الجبل وقتل الأسرى المسيحيين وتهجيرهم وهدم كنائسهم وسرقة أجراسها!
ولعلّ أكبر ذارفي دموع التماسيح على هشام سلمان، «خرّيج الحبوس» الذي إتَّهم المقاومة بأنَّها وراء حادثة السفارة ووصفها بأنَّها تكفيرية، وذلك من دون خجل وعشية إحياء الذكرى ٣٥ لإغتياله للمرحوم طوني فرنجية وعائلته بأكملها في إهدن، وهي واحدة من الجرائم الكبرى التي لا تُعد والتي إرتكبها جعجع بدمٍ بارد.
إنَّ دمَ المرحوم السلمان، إبن الجنوب الذي لا يتنكَّر لكرامته ومقاومته، هو في عنق أحمد الأسعد ومَن وراءه، وهو خسارة كبيرة للأرض الطيِّبة ومهما أستغلَّ الظرف المتباكون عليه اليوم وعلا نفاقهم، فزمن إستعباد الناس والإقطاع ذهب إلى غير رجعة. والشمس طالعة والنّاس «قاشعة».
Leave a Reply