الإدارة التعليمية تتخذ إجراءات تأديبية .. والشرطة تحقق
ديربورن – «صدى الوطن»
شهدت «ثانوية فوردسون» في ديربورن مؤخراً حادثة اعتداء أثارت الكثير من القلق والجدل في أوساط المجتمع المحلي، ففي التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وعقب انتهاء الطلاب من ممارسة أحد الأنشطة الرياضية بعد الدوام الدراسي، قام أحد الطلاب بالتعرّض جنسياً لأحد زملائه في غرف تبديل الملابس بغرض إهانته وإذلاله أمام زملائه.
وأدت الحادثة التي نالت تغطية إعلامية وضجة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إثارة غضب الأهالي والطلاب الذين نظموا تظاهرة احتجاجية على تعامل الإدارة مع الحادثة، متهمين المسؤولين بنقصان الشفافية، في حين أكدت إدارة المدارس العامة في ديربورن أنها فتحت تحقيقاً بالحادثة ولجأت إلى إجراءات تأديبية ضد الطلاب المتورطين في الحادثة إلى حين الانتهاء من التحقيق، فيما بدأت شرطة ديربورن بدورها تحقيقاً بالحادثة بعد تلقيها شكوى من ذوي الطالب الذي تعرض للإهانة والتحرش من قبل زملائه.
وأفاد المشرف العام على مدارس ديربورن العامة الدكتور غلين ماليكو لـ«صدى الوطن» بأن التحقيق مايزال جارياً بالتعاون مع شرطة المدينة، وقال «لدينا قواعد وإجراءات تأديبية مختلفة عن الشرطة»، مضيفاً أن الإدارة يمكنها أن تفصل الطلاب أو أن تطردهم، «لكن الشرطة هي من سيقرر فيما إذا كان ذلك التصرف سلوكاً جرمياً أم لا.. أنا لا أؤكد أنه جرمي ولا أنفي ذلك.. أترك ذلك للشرطة ومكتب الادعاء العام».
قائد شرطة ديربورن رونالد حداد، أكد من ناحيته على أنه «يجب على الناس أن يضعوا باعتبارهم أن المتورطين في الحادثة قاصرون وأن هنالك درجة من السرية يجب ضمانها ولذلك لم يتم الكشف عن تفاصيل الحادثة ولا اسم الضحية أو أسماء الطلاب المتورطين الذين منعوا في اليوم التالي للحادثة من ارتياد المدرسة ريثما يتم الانتهاء من التحقيق في القضية.
وقال «إن التحقيق مستمر.. ونحن ننسق جهودنا مع مسؤولي المدرسة ونتوقع أن تنجز التحقيقات في نهاية الأسبوع الجاري».
هذا، وقد تسببت الحادثة بكثير من اللغط في المجتمع المحلي وانقسم الناس حول تصنيفها فيما إذا كانت اعتداء جنسياً أم بلطجة وتحرشاً بغرض الإهانة والإذلال، وقد وصفها إداريو ثانوية فوردسون بأنها «شقاوة أولاد» لكن بعض طلاب المدرسة يصرون على وصفها بـ«الاعتداء الجنسي».
وأبرقت مديرة الثانوية هيام القادري رسالة إلى أولياء أمور الطلاب، جاء فيها «المعاكسة الاستفزازية هي نوع من البلطجة ويمكن اعتبارها تحرشاً، وإنني بالنيابة عن جميع الطلاب والموظفين في المدرسة أتقدم باعتذاري من الطالب الذي تم الاعتداء عليه في تلك الحادثة التي يمكن وصفها بأنها شقاوة أولاد».
كما أصدر ماليكو -الخميس قبل الماضي- بياناً صحفياً أكد فيه على أن ما جرى ليس حادثة اغتصاب كما تدعي بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وأضاف أن «السوشال ميديا اختلقت شائعات وقصصاً غير صحيحة، ويمكنني أن أؤكد لكم أنها لم تكن حادثة اغتصاب وهؤلاء الطلاب تورطوا بتصرفات لن نتسامح معها في المنطقة التعليمية».
وعلى الرغم مما جاء في البيان، إلا أن العديد من الشبان اليافعين يزعمون أن ما حدث كان اعتداء جنسياً، مما أشاع بعض القلق في مجتمع المدينة حول الشفافية في الثانوية التي اكتفت بالحديث عن ضرورة ضمانة «سلامة الطلاب» ووصفت الحادثة بأنها «شقاوة أولاد».
وأشارت دانين تشارلز، المنسقة التربوية في منطقة ديربورن التعليمية إلى أن جميع الطلاب يتعهدون في أول يوم من العام الدراسي أو في أول أسبوع منه، بعدم القيام بأي من أعمال البلطجة ضد زملائهم.
وأكدت أنه إضافة إلى قسَم الطلاب في بداية العام الدراسي، وكجزء من سياسة مجلس ديربورن التربوي لمكافحة البلطجة «تنظم كل مدرسة ما لا يقل عن اجتماعين أو ثلاثة لتثقيف وتحفيز الطلاب للدفاع عن حقوق الآخرين والتصدي للبلطجة». وأضافت «نحن نسعى لبث الرسائل الإيجابية والتشجيع على السلوكيات التي نحب أن نراها في طلابنا».
ولفتت تشارلز إلى أن منطقة ديربورن التعليمية تقيم فعالية مجتمعية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سنوياً، حول الممارسات التصالحية والقيم الأخلاقية الأساسية للطلاب، مؤكدة «هنالك لجان طلابية في المدارس تكافح البلطجة وتوفر الأمان للمبلّغين عن حوادث معينة».
وشددت على أنه، وبعد حادثة فوردسون، «توجد حاجة ملحة لمعالجة بعض القضايا كالاعتداءات الجنسية والمضايقات التحقيرية خاصة بين طلاب الثانويات، ولذلك فإن المنطقة التعليمية تخطط لتنسيق دورات مع بعض البرامج الرياضية الجامعية التي لديها خبرة بالتعامل مع هذا النوع من الحوادث». وأردفت أن «ماليكو شكّل فريقاً لمعالجة هذه القضايا».
بلطجة تحقيرية أم اعتداء جنسي؟
إن الممارسات الاستفزازية التحقيرية سائدة في العديد من أنواع الجماعات بما فيها العصابات والأخويات والمنظمات السرية والقوات المسلحة وغيرها، وتُعتمد كشكل من أشكال التطويع عبر إهانة الوافدين الجدد قبل اندماجهم بالمجموعة. وتتراوح هذه الممارسات بين التحقير اللفظي والبدني، الذي يندرج تحته الاعتداء الجنسي الذي يشمل -وفقاً لوزارة العدل الأميركية- الاغتصاب أو محاولة الاغتصاب واللواط القسري وصولاً إلى التحرش بالأطفال وسفاح القربى.
وأشار ماليكو إلى أن البلطجة التحقيرية تتراوح بين مستويات عديدة.. ويمكن أن تتسبب بموت أشخاص في بعض الأحيان، وشدد على أنه لا يجب على الناس أن يطبقوا فهمهم الخاص لمصطلح التحقير الاستفزازي Hazing لوصف ما حدث في ثانوية فوردسون، دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل حفاظاً على خصوصية الطلاب وسرية التحقيقات التي لم تكتمل بعد.
على الرغم من أن الاعتداء الجنسي قد يندرج تحت الاستفزاز التحقيري (هايزينغ)، إلا أن الجدل حول تعريف كل منهما يبقى قائماً. وقالت الأستاذة في «جامعة وين ستايت» سلام أبو الحسن «إن الجذور التاريخية للبلطجة التحقيرية قد وجدت أولاً في حرم الجامعات»، مشيرة إلى أنه وفي بعض الأحيان يتم التحايل على المصطلحات والتسميات للتقليل من خطورة الحوادث بهدف حماية سمعة المؤسسات والطلاب الذين غالباً ما يكونون قاصرين.
وفرقت أبو الحسن التي تحضر لنيل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع بين البلطجة التحقيرية وبين الاعتداء الجنسي، مؤكدة أن عواقب كلا الفعلين ليست واحدة، وأن التحايل على المصطلحات من شأنه أن يؤدي إلى تطبيع الاعتداءات وتصويرها على أنها شيء عادي ومقبول.
وأضافت «بصراحة، يمكننا القول إن التحقير الاستفزازي هو شكل من أشكال البلطجة.. ولكن هل من المعقول أن نقول إن الاعتداء الجنسي هو شكل من أشكال البلطجة؟» لافتة إلى أن الضحايا عادة ما يلوذون بالصمت حين يعلمون أن المعتدين عليهم لن يواجهوا العقوبات المستحقة والمناسبة، خاصة وأن مثل هذه الحوادث يتم تجاهلها في الغالب.
وقالت «يتم تجاهل مثل هذه الحوادث تحت عنوان حماية المؤسسة.. وكأن سمعة المدرسة سوف تنهار بسبب حادثة واحدة، فيما الحقيقة ليست كذلك».
العائلة أولاً
وأشارت أبو الحسن إلى أن العائلة هي في المقام الأول من يؤسس لهذه الطريقة في التفكير، خاصة في المجتمع العربي الأميركي وذلك بسبب الحساسية تجاه المسائل الجنسية وتأثيرها على سمعة العائلات، مؤكدة أن مثل هذا الفهم يجب أن يعاد التفكير به.
بدورها، عزت الأخصائية النفسية الدكتورة هدى أمين أسباب السلوكيات العدائية لدى بعض الأولاد مثل البلطجة التحقيرية والاعتداءات الجنسية إلى التفكك الأسري وانعدام الأمن النفسي وتعرضهم لسوء المعاملة هم أنفسهم، وقالت «إن مرتكبي هذه الممارسات يشعرون بعدم الأمان ولا يستطيعون التعامل مع مشاكلهم بطريقة صحية.. إنهم يعتقدون بأن الطريقة الوحيدة لإشعار الآخرين بوجودهم هي أن يقوموا بأشياء تبرزهم وتبث الخوف في نفوس الآخرين»، وأكدت أن ذلك «يمنحنهم الشعور بالقوة».
وأضافت أن «آثار الصدمات تختلف من ضحية إلى أخرى ولكن يمكن أن تكون ضارة للغاية».
ولفتت أمين إلى وجود العديد من الإشارات التي تدل على معاناة شخص ما من آثار الصدمات التي تخلفها البلطجة التحقيرية، وقالت إن الضحايا أحياناً يلجأون إلى تشويه أجسادهم و«بعضهم يتعاطون الكحول والمخدرات وآخرون ينعزلون ويحتقرون أنفسهم وقد يصل بهم الأمر إلى الانتحار».
أبو الحسن وأمين، كلتاهما، شددتا على أهمية دور العائلة -قبل المجتمع والمؤسسات التعليمية- في حماية الأبناء وإرشادهم للتعامل الصحي مع مختلف المشاكل التي قد يتعرضون لها، وشددت أبو الحسن «يجب أن تكون هناك محادثات صريحة داخل الأسرة لمعرفة ما إذا كان الأطفال يتعرضون لمضايقات غير لائقة.. ويجب ألا يترددوا في الحديث حول ذلك»، وأكدت أمين على أن «حتى الأطفال الشرسين والمعتدين بحاجة إلى الدعم والمساندة».
Leave a Reply