أثارت حادثة «بلطجة جنسية» (هايزينغ) في ثانوية فوردسون -قبل نحو أسبوعين- قلق شرائح واسعة من المجتمع المحلي في مدينة ديربورن والعديد من الطلاب وأولياء أمورهم الذين سارعوا إلى التظاهر ضد إدارة المدرسة واتهموها بعدم النزاهة والشفافية، رغم اتخاذ إجراءات تأديبية بحق الطلاب المعتدين ومنعهم -في اليوم التالي بعد الحادثة- من حضور دروسهم، ريثما تتكشف نتائج التحقيقات التي باشرت فيها شرطة ديربورن والمنطقة التعليمية على الفور.
وفيما أرسلت إدارة الثانوية رسالة إلى أولياء أمور الطلاب، وصفت فيها ما جرى بأنه «شقاوة أولاد»، أكد المشرف العام على مدارس ديربورن الدكتور غلين ماليكو أن الحادثة ليست «اعتداءً جنسياً»، مشدداً على أن ما جاء في بعض المدونات الإلكترونية «مفبرك وعار عن الصحة»، داعياً الجميع إلى التحلي بالصبر ريثما تنتهي التحقيقات، وقال «أستطيع أن أؤكد لكم أن ما حدث لم يكن اعتداء جنسياً، وهؤلاء الطلاب تورطوا بسلوكيات لن نتسامح معها في المنطقة التعليمية».
عموماً، من حق الطلاب وأولياء أمورهم أن يتظاهروا، ولكن هل سألوا أنفسهم لماذا يتظاهرون وعلى ماذا يحتجون، هل تظاهروا للتنديد بالتدابير الفورية التي قامت بها إدارة المدرسة، أم احتجاجاً على التحقيقات التي لم تظهر نتائجها بعد؟
إن المقاطعة تعمل بالتعاون مع الشرطة من أجل الكشف عن الحقيقة، ويجب على السكان التحلي ببعض الصبر ريثما تنجلي الأمور، بدل الانزلاق والتورط في نشر الشائعات وتشويه سمعة مدارس المدينة التي باتت تحقق في الآونة الأخيرة نجاحات باهرة، كان آخرها مدرسة «آيرس بكر» التي اختيرت من بين 13 مدرسة في ميشيغن، ومن بين 342 مدرسة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لمنحها «الشريط الأزرق الوطني» لعام 2017، الذي تكرم به أفضل المدارس أكاديمياً على مستوى البلاد.
الإعلام المحلي بدوره، لم يهمل تلك الحادثة، إذ بادر إلى تغطيتها عبر تقارير متلفزة أو مكتوبة، بشكل قد يساهم في تشويه سمعة المدرسة التي بذلت إداراتها المتعاقبة جهوداً مضنية لتحويلها من ثانوية فاشلة إلى واحدة من أنجح الثانويات في ولاية ميشيغن، والتي تخرج سنوياً مئات الطلاب المؤهلين تأهيلاً علمياً عالياً يمكنهم من الانتساب إلى أفضل وأرقى الجامعات الأميركية.
كما «نشط» بعض متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي مدفوعين برغبة محمومة إلى «نشر الغسيل القذر» متذرعين بعناوين وشعارات تطالب بإحقاق العدالة ومعاقبة الجناة وتحميل إدارة المدرسة مسؤولية ما حدث، دون تورع عن اختلاق الشائعات وفبركة القصص التي زادت الطين بلة.
ويعرف المتابعون والمطلعون على أخبار المدارس والجامعات أن البلطجة منتشرة في المجتمعات الطلابية، حيث يتعرض طالب واحد من بين خمسة طلاب لـ”البلطجة التحقيرية» (هايزينغ) في الثانويات الأميركية، بحسب دراسة أجرتها شركة «يوغوف»، وهي شركة الكترونية دولية لأبحاث السوق وتحليل البيانات.
وفي السياق ذاته، كشفت وكالة «أسوشيتيد برس» في وقت سابق من هذا العام عن تقرير رسمي أظهر أن عدد الاعتداءات الجنسية خلال الأربع سنوات الماضية قد بلغ 17 ألف حالة اعتداء في المدارس الأميركية، وأن معظم ضحايا تلك الحالات هم من طلاب الصف الـ12.
هذا يعني أن ما حصل في مدرسة فوردسون قبل نحو أسبوعين ليست حادثة معزولة أو فريدة، وإنما هي حالة متكررة، نحتاج كمجتمع أن نضع حداً لها في مؤسساتنا التعليمية، لا من خلال الهياج والاحتجاج وإثارة الضجيج المجاني، وإنما من خلال البرامج التربوية وجهود الاختصاصيين المهنيين الذين يجيدون التعامل مع تلك الحالات وإيجاد الحلول لها.
الأسبوع الماضي، نشرنا في «صدى الوطن» تقريراً بعنوان «حادثة فوردسون: شقاوة أولاد أم اعتداء جنسي؟»، وفيما تبحث المنطقة التعليمية والثانوية والشرطة عن الإجابة لذلك السؤال، فإن إجابات المهنيين التي تضمنها التقرير رأت «أن بعض السكان يشعرون بتضخيم القضية»، كما تساءل التقرير -الذي ناقش أسباب ونتائج البلطجة التحقيرية والاعتداءات الجنسية في المدارس من منظور اجتماعي ونفسي- عما إذا كانت مؤسساتنا وأولياء أمور طلابنا، وكذلك المجتمع المحلي، يقومون بما فيه الكفاية للحد من هذه الظاهرة وتطويق نتائجها. ومما لاشك فيه، وبغض النظر عن الأسباب، تبقى الحادثة ذات أهمية لكونها قد تسببت في إيذاء طالب من قبل زملائه، وبالتالي يجب على جميع مكونات المجتمع ومؤسساته أن يبادروا إلى الدفاع عنه، لا أن يتم تمييع الأمور، وإخفاء الأوساخ تحت السجادة.
الإخصائية الاجتماعية سلام أبو الحسن أشارت في تقرير الأسبوع الماضي إلى أنه «لا يجب تجاهل مثل تلك الحوادث بحجة حماية المؤسسة»، مضيفة «قد تم إقناعنا أن حادثاً واحداً يمكن أن يسيء لسمعة المدرسة بأكملها، ولكن الأمر ليس كذلك»، مؤكدة «هذا بالضبط ما يفعله بعض المنتقدين.. عوضاً عن عزل حادثة واحدة ارتكبها شخص واحد أو اثنان من خلفية وثقافة معينة، لقد فشل هؤلاء باعتبار أن ما جرى في فوردسون حادثة معزولة وأرادوا إخراس الضحية وكذلك الضحايا المحتملين في هكذا حوادث». وشددت «يتعين على أولياء الأمور التحدث مع أطفالهم حول كيفية عمل السلطة وتصريف القوة لأن سيطرتهم على أنفسهم ضعيفة»، وقالت «هنالك حاجة ملحة لإجراء محادثات صريحة داخل الأسر حول ما إذا كان أبناؤهم يتعرضون لمعاملات غير لائقة وأنه لا يجب أن تخشى التحدث عن ذلك».
بدورها، أكدت الطبيبة النفسية هدى أمين على أن «يجب التراجع عن العقليات التي تسكت الطفل بحجة الحماية الثقافية»، مؤكدة أن دعم الأطفال ورفع مستوى الوعي عندهم يبدأ في بيئته العائلية، قبل المجتمع والمدرسة.
وقالت «يجب على الآباء أن يحبوا أطفالهم دون قيد أو شرط، عليهم أن يعلموهم أنه ليس خطؤهم أنه يمكنهم أن يواجهوا ذلك»، مشددة «لا يجب أن يكون الآباء -وكذلك الآخرون- ضد أطفالهم، هذا هو السبيل الوحيد للتغلب على ذلك الحادث والتعلم منه، وحماية الضحية والضحايا المحتملين ومعاقبة الجناة والدعوة إلى العمل المجتمعي».
ما هو هام بالنسبة لنا جميعاً، لا توصيف نوع الحادثة، فيما إذا كانت مجرد شقاوة أولاد أم اعتداءً جنسياً وإنما المهم هو جلاء الحقيقة وسلامة أبنائنا!
Leave a Reply