لانسنغ – مع الارتفاع الصاروخي في إصابات «كوفيد–19» خلال الآونة الأخيرة، أعادت حكومة ولاية ميشيغن، فرض قيود صارمة على التجمعات العامة والمنزلية فضلاً عن إغلاق العديد من القطاعات التجارية جزئياً أو كلياً لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل، بهدف «السيطرة على الوباء»، بحسب الحاكمة غريتشن ويتمر.
القرار الذي بدأ تطبيقه الأربعاء الماضي، قوبل بمعارضة فورية من قادة المجلس التشريعي في ميشيغن، حيث سارع عدد من النواب الجمهوريين إلى التلويح بعزل الحاكمة الديمقراطية، بدعوى انتهاك دستور الولاية من خلال تجاوزها لصلاحيات السلطة التشريعية وقرار المحكمة العليا في ميشيغن بشأن التعامل مع حالة الطوارئ الصحية، إضافة إلى اتهامها بالتسبب بقتل المسنين في دور الرعاية من خلال السماح بمعالجة المصابين بـ«كوفيد–19» داخل بعض تلك المراكز.
معارضة قرارات وزارة الصحة في إدارة ويتمر، لم تقتصر على السياسيين الجمهوريين الذين يسيطرون على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ في الولاية، بل تعدتها إلى جمعية المطاعم والفنادق في ميشيغن، التي قدمت دعوى قضائية أمام المحكمة الفدرالية في غراند رابيدز ضد القيود الجديدة التي قد تتسبب بخسائر مدمرة للمؤسسات العاملة في القطاع الذي يعاني بشدة منذ بداية تفشي الوباء، الربيع الماضي.
وجاءت القرارات الجديدة بعد ارتفاع حاد في وتيرة الإصابات اليومية بفيروس كورونا إضافة إلى تزايد أعداد حالات الاستشفاء إلى مستويات غير مسبوقة منذ أشهر.
وبحلول يوم الخميس 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، بلغ إجمالي عدد الإصابات بفيروس كوفيد–19» في ميشيغن 285,398 حالة فيما وصل عدد الوفيات إلى 8,324 شخصاً، بحسب بيانات وزارة الصحة.
القيود الجديدة
بحسب الأوامر الجديدة الصادرة عن وزارة الصحة، تُمنع المطاعم والحانات في جميع أنحاء ميشيغن من تقديم المأكولات والمشروبات في الأماكن المغلقة، مع السماح فقط بتوفير الطلبيات الخارجية وخدمة الزبائن في الهواء الطلق، وذلك حتى الثامن من كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
كذلك شملت قرارات وزارة الصحة إغلاق الكازينوهات والمسارح ودور السينما وصالات البينغو وألعاب الفيديو وجميع الأعمال التجارية التي يمكن إنجازها عن بُعد، فضلاً عن حظر الصفوف التعليمية في المدارس الثانوية والكليات والجامعات والتحول كلياً إلى التعليم عبر الإنترنت.
واستثنت الوزارة من الإغلاق صالونات الحلاقة والتجميل والخدمات الشخصية ومراكز رعاية الأطفال ومحلات البيع بالتجزئة والمدارس تحت الصف الثامن بشرط اعتماد إجراءات وقائية مشددة لمنع انتشار «كوفيد–19».
كذلك، يستثني الإغلاق المهن والأعمال التي لا يمكن إنجازها عن بعد، مثل البناء والتصنيع.
وسمحت الوزارة أيضاً بإبقاء النوادي الرياضية والمسابح مفتوحة لتدريب الأفراد حصراً. لكنها منعت تنظيم أية نشاطات رياضية باستثناء نشاطات الأندية المحترفة والفرق الجامعية، بشرط الالتزام بقيود التباعد الاجتماعي وحظر كلي لحضور المتفرجين.
ورغم أن وزارة الصحة لم تحظر ممارسة الأنشطة الترفيهية في الهواء الطلق مثل المشي والاستجمام في المنتزهات، لكنها وضعت حداً أقصى للتجمعات الخارجية في الهواء الطلق عند 25 شخصاً، وذلك في حالات محددة مثل إقامة الجنازات.
وكان لافتاً عدم ذكر قرارات وزارة الصحة للكنائس ودور العبادة، سواء في قائمة الممنوعات أو المسموحات.
وبخصوص التجمعات المنزلية، لاسيما بمناسبة عيد الشكر، أمرت وزارة الصحة بعدم استضافة أكثر من أسرة واحدة في أي وقت من الأوقات، على ألا يتجاوز عدد الحاضرين عشرة أشخاص كحد أقصى.
وقد أصدرت وزارة الصحة تعليمات مفصلة حول ما هو ممنوع وما هو مسموح خلال إقامة مآدب عيد الشكر، بما في ذلك توصية السكان بعزل أنفسهم قبل الاجتماع للاحتفال بالمنسابة.
وقالت ويتمر إن «الوضع أكثر خطورة من أي وقت مضى»، مؤكدة أن الولاية تقف «على حافة الهاوية، ونحن بحاجة إلى اتخاذ بعض الإجراءات»، داعية سكان الولاية إلى «اتخاذ القرار الصعب ولكن الصحيح» بتجنب إقامة التجمعات بمناسبة عيد الشكر.
وقالت: «إذا كنت تفكر في قضاء عيد الشكر مع أشخاص خارج أسرتك، فأنا أحثّك على إعادة النظر».
وحول دعوة الأقارب، قالت ويتمر: «بقدر صعوبة عدم رؤيتهم في عيد الشكر هذا، تخيل مدى صعوبة الأمر إذا لم تتمكن من رؤيتهم مرة أخرى في الأعياد المستقبلية»، في إشارة منها إلى إمكانية وفاتهم بفيروس «كوفيد–19» في حال عدم التزامهم بالقيود الوقائية.
وأوضحت ويتمر التي تتولى منصباً قيادياً في حملة المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن أنه «إذا ارتقى سكان ميشيغن إلى مستوى التحدي، سيكون بإمكان الولاية أن تتجنب إجراءات أكثر صرامة».
وبررت الحاكمة الديمقراطية قرار إدارتها بأن «فترة حضانة الفيروس تمتد من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وإذا قام الجميع بدورهم، فسنرى فائدة في الأسابيع القليلة المقبلة»، محذرة من أن تساهل الناس إزاء القيود الجديدة –مثل إقامة حفلات عيد الشكر– سيساهم في تفشي الفيروس بنفس المسار الرهيب المستمر منذ نحو أسبوعين.
عزل ويتمر؟
وأثارت قرارات إدارة ويتمر الأحادية، استياءً واسعاً لدى الأغلبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، وقد لجأ بعض المشرعين إلى التلويح بإمكانية البدء بإجراءات عزل الحاكمة من منصبها بسبب «استيلائها على السلطة» بذريعة «كوفيد–19»، وتسببها بمقتل أعداد كبيرة من المسنين في مراكز الرعاية.
في المقابل، وصفت ويتمر انتقادات الجمهوريين لجهودها في مكافحة كورونا، بأنها «غير جدية»، لافتة إلى أن المشرعين لم يقدموا أية إجابات حول كيفية مكافحة الموجة الجديدة من الوباء.
ورفضت الأغلبية الجمهورية في وقت سابق، طلب الحاكمة بسن تشريع جديد يلزم سكان الولاية بارتداء الأقنعة تحت طائلة الملاحقة القانونية.
وفور إعلانها عن القيود الجديدة، كشف عضو مجلس نواب الولاية عن مقاطعة أوكلاند، الجمهوري مات مادوك، عن وجود «قائمة متنامية» من المشرعين الداعمين لعزل ويتمر، مشيراً عبر «فيسبوك» إلى أن «الناخبين يعرفون أن ويتمر ارتكبت سلوكاً يستوجب العزل» مثل تجاهلها لقرار المحكمة العليا، وتجاوز السلطة التشريعية وانتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين، والتسبب في وفيات كان يمكن تفاديها لآلاف المسنين في ميشيغن.
كما اتهم النائب مادوك، الحاكمة باستخدام عودة الأطفال إلى المدارس كـ«سلاح سياسي» واستغلال بيانات تعقب المصابين بكورونا لأغراض انتخابية.
ويوم الأربعاء الماضي، تقدم النائب الجمهوري عن شمال الولاية، بو لافاف، بمشروع قانون لعزل الحاكمة، لكنه قوبل بمعارضة فورية من قبل رئيس مجلس النواب، لي تشاتفيلد، الذي أعرب عن رفضه للخوض بهذه المسألة في ظل الظروف الراهنة. وحذا حذوه زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، مايك شيركي، الذي نفى موافقته على أي تحرك من هذا النوع في المجلس التشريعي.
وبحسب دستور الولاية، يمكن لأغلبية بسيطة في مجلس النواب أن تباشر بإجراءات عزل الحاكمة، لكن إتمام تلك الإجراءات يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ.
وفي حين أن الجمهوريين يسيطرون على أغلبية 58–52 في مجلس النواب، إلا أن أغلبيتهم في مجلس الشيوخ (22–16) غير كافية لخلع ويتمر من منصبها، حيث يتوجب عليهم إقناع ثلاثة سناتورات ديمقراطيين لبلوغ أغلبية الثلثين المطلوبة.
من جانبه، أعرب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، عن «خيبة أمله» من قيام الحاكمة مرة أخرى باتخاذ قرارات أحادية، مجدداً انفتاحه على التعاون «عندما تقرر الحاكمة العمل كفريق واحد بمواجهة وباء كورونا».
وأضاف السناتور شيركي: «لا يزال الجمهوريون في مجلس الشيوخ يثقون في مواطنينا ويشجعونهم على حماية أنفسهم والآخرين من خلال الالتزام بالممارسات التي نعرف أنها يمكن أن تساعد في مكافحة انتشار هذا الفيروس الخبيث: غسل اليدين، والتباعد الاجتماعي، وارتداء قناع عندما يكون ذلك مناسباً».
وكشف شيركي أنه عرض على الحاكمة تقديم إعلان مشترك لتشجيع المواطنين على ارتداء الأقنعة، ولكن عرضه قوبل بالرفض.
وأضاف بأن سكان الولاية «سئموا الأوامر الإلزامية غير المنطقية»، لافتاً إلى أن أفضل ما يمكنك فعله هو تثقيف الناس وتشجيعهم على المشاركة في جهود الحد من انتشار الوباء بدلاً من إكراههم على ذلك بفوقية.
من جانبه، قال السناتور الجمهوري أريك نيسبيت: «تواصل الحاكمة رفض الشراكة مع الهيئة التشريعية، وبدلاً من ذلك تشارك خططها مع جماعات الضغط قبل التحدث مع الممثلين المنتخبين للشعب».
كذلك، نبّه عدد من المشرعين الجمهوريين إلى أن الحاكمة الديمقراطية انتهكت قرار المحكمة العليا، الذي طالب ويتمر بالتنسيق مع المشرعين في معالجة أزمة وباء كورونا.
وكانت المحكمة العليا قد اعتبرت الأوامر التنفيذية التي أصدرتها الحاكمة ويتمر «غير دستورية» بسبب تمديدها لحالة الطوارئ العامة من دون موافقة السلطة التشريعية وفق دستور الولاية.
وبدلاً من التعاون مع المشرعين لجأت الحاكمة إلى إعادة فرض العديد من القيود الصارمة عبر وزير الصحة في إدارتها، روبرت غوردون، الذي تم اختياره ضمن الفريق الانتقالي لإدارة «الرئيس المنتخب»، جو بايدن.
ورداً على انتقادات الجمهوريين، قال بيان صادر عن مكتب ويتمر، إن «الحاكمة ليست لديها أي وقت لتعيره إلى السياسات الحزبية أو الأشخاص الذين لا يرتدون أقنعة، ولا يؤمنون بالعلم، وليس لديهم خطة لمحاربة هذا الفيروس»، مؤكداً أن تركيز الحاكمة ينصب حالياً على «إنقاذ الأرواح».
وأضاف البيان أن الحاكمة «ستواصل العمل الجاد من أجل جميع سكان ميشيغن البالغ عددهم 10 ملايين نسمة»، مشددة على أن المعركة هي بين «ميشيغن» و«كوفيد–19» وأن الحاكمة «لا تهتم إذا كنت من جمهوريي ترامب أو من ديمقراطيي بايدن. لأننا جميعاً في هذا معاً».
وجاء الرد على بيان ويتمر، من مكتب رئيس مجلس نواب الولاية، الذي أكد في بيان أن الجمهوريين «يقفون على أهبة الاستعداد» للتعاون «عندما تقرر الحاكمة أن الأمر يستحق وقتها».
بدوره، انتقد الدكتور سكوت أطلس، مستشار فريق مكافحة كورونا في البيت الأبيض، القيود الجديدة التي تم فرضها على سكان ميشيغن.
وكتب أطلس على «تويتر» إن «الطريقة الوحيدة» لإيقاف ويتمر هي «انتفاض الناس» ضدها، مثيراً بذلك، موجة انتقادات واسعة تضمنت اتهامه بالتحريض على استخدام العنف ضد الحاكمة الديمقراطية التي كانت هدفاً لمخطط ميليشياوي بخطفها وقتلها، حسبما كشف مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) الشهر الماضي.
وقالت ويتمر في تصريح لصحيفة «بوليتكيو» إن كلام أطلس «خطف أنفاسها» وجعلها تشعر بالتهديد، الأمر الذي استدعى توضيحاً من المسؤول في إدارة الرئيس ترامب عبر تغريدة أخرى على «تويتر» قال فيها: «لم أتحدث قط عن العنف. فالناس يصوتون والناس يتظاهرون بسلمية. وأنا لا أدعم ولا أحرض على العنف أبداً».
إلى القضاء مجدداً
وفي رد سريع على القيود الجديدة، سارعت عدة مطاعم وجمعيات في قطاع الضيافة إلى رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الفدرالية في غراند رابيدز، ضد قرار إدارة ويتمر بمنع تقديم الطعام للزبائن في الأماكن المغلقة.
وقالت الدعوى إن إدارة ويتمر انتهكت حق الشركات في الحماية المتساوية بموجب القانون، والحق في الإجراءات القانونية الواجبة، وبند التجارة الذي يمنح حق تنظيم التجارة بين الولايات والدول الأجنبية للكونغرس.
وجادلت الدعوى أيضاً بأن أمر وزارة الصحة ينتهك مبدأ الفصل بين السلطات، ووصفته بأنه «غير دستوري» بموجب كل من دستور ميشيغن ودستور الولايات المتحدة.
وأشارت الدعوى إلى أن المدعون أظهروا أنهم قادرون على تطبيق البروتوكولات الشاملة التي كانت سارية منذ عدة أشهر، و«لا يوجد سبب لحظر تناول الطعام بالكامل داخل المطاعم»، في حين يُسمح لأنواع أخرى من المؤسسات التجارية بخدمة الزبائن في الأماكن المغلقة.
وطلبت الدعوى من المحكمة الفدرالية إصدار أمر قضائي بالسماح للمطاعم بمواصلة خدمة الزبائن في الداخل مع الامتثال لبروتوكولات الصحة والسلامة.
وتقدمت بالدعوى «جمعية المطاعم والفنادق في ميشيغن»، إلى جانب عدد من الشركات المالكة للمطاعم والحانات في الولاية، والتي أبدى أصحابها تخوفهم الشديد من أن تؤدي قرارات الإغلاق الجديدة بالقضاء تماماً على مؤسساتهم التجارية.
وأردف جاستن وينسلو، الرئيس والمدير التنفيذي لـ«جمعية المطاعم والفنادق في ميشيغن»، بأن الدعوى الفدرالية هي «الخيار الأخير» لمنع القرار الجديد من الدخول حيز التنفيذ، معتبراً أن من شأن هذا القرار أن تدمر قطاع المطاعم ووظائفه.
وقدرت الجمعية أن يتم إغلاق حوالي 40 بالمئة من مطاعم الولاية –بعضها مؤقتاً– إذا تم السير قدماً بحظر تناول الطعام في الأماكن المغلقة لمدة ثلاثة أسابيع.
ولفت وينسلو إلى أن الجمعية بذلت «جهوداً حسنة النية» للعمل مع وزارة الصحة للتخفيف من مخاطر الوباء، بما في ذلك تقليل السعة إلى 25 بالمئة والتوقف عن استقبال الزبائن بعد الساعة 10 مساءً.
وأضاف: «نأمل في تحقيق نصر سريع وحاسم في المحكمة حتى يعود مشغلو المطاعم إلى ما نعرف أنهم يفعلونه بشكل أفضل وهو إضافة قيمة إلى حياتنا واقتصادنا من خلال توفير وجبة رائعة وكرم ضيافة استثنائي وآمن».
Leave a Reply