دهم منزل ومكتب رياض سلامة بعد تخلّفه عن الحضور أمام المحقق العدلي بتهم الفساد وإهدار المال العام
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
غادر رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى خارج البلاد في «زيارة خاصة»، وسط كم هائل من الأزمات التي ينام ويصحو عليها اللبنانيون، ولعل آخرها خبر مداهمة منزل حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة في الرابية ومكتبه في البنك المركزي، لتنفيذ مذكرة إحضار بحقه بعد تخلفه مرتين عن المثول للتحقيق معه في تهم الفساد وإهدار المال العام.
يحدث ذلك في ظل أجواء حكومية متشنجة، في ما خلا الانخفاض الدراماتيكي لسعر صرف الدولار الذي يستند إليه ميقاتي على أساس أنه صاحب هذا الإنجاز!
لكن في المقابل، بات واضحاً للقاصي والداني أن سلامة لم يستطع تخفيض سعر الدولار وتثبيته عند مستوى 21 ألف ليرة إلا لأنه هو من رفعه وتلاعب بسعره أصلاً.
تساؤلات كثيرة يطرحها اللبنانيون حول هذه القدرة العجائبية التي مكّنت سلامة من فعل ما فعله، متسائلين لماذا لم يفعل ذلك قبلاً ما دام قادراً على تفادي الكارثة.
إحضار سلامة
حاولت يوم الثلاثاء الماضي قوة من جهاز «أمن الدولة» تنفيذ مذكرة إحضار بحق حاكم «مصرف لبنان» للمثول أمام المحقق العدلي لكنها لم تعثر عليه! مصادر موثوقة أكدت لـ«صدى الوطن» أن قوة من «الفهود» التابعة لقوى الأمن الداخلي، منعت الدخول إلى منزل سلامة في الرابية، فيما كانت قوة أخرى من قوى الأمن الداخلي أيضاًَ ترابط أمام مبنى البنك المركزي في شارع الحمرا للسبب عينه. وفي معلومات خاصة لـ«صدى الوطن» فقد كانت لدى الضابط المسؤول أوامر مباشرة من المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، بمنع القوة من دخول منزل سلامة حتى لو أدى ذلك إلى الاشتباك معها.
إثر هذه الواقعة، ادّعت القاضية غادة عون وبالجرم المشهود على عثمان بتهمة إعاقة تنفيذ قرار قضائي بإحضار حاكم مصرف لبنان إلى مكتبها لاستجوابه كشاهد في الدعوى المُقامة ضده من مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام» والخبير الاقتصادي حسن خليل. وهذه ليست المرة الأولى التي تدّعي فيها القاضية عون على اللواء عثمان، ففي مطلع العام 2021، ادّعت المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان على عثمان أيضاً بجرم إعاقة تنفيذ قرار قضائي.
يومذاك، منع عثمان مفرزة الضاحية الجنوبية من معاونة القاضية عون في تحقيقات فتحتها بملف الدولار المدعوم والصيارفة غير الشرعيين، وقد أحيل الادعاء وقتها على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، نقولا منصور، الذي طلب إذن ملاحقة عثمان من وزير الداخلية آنذاك العميد محمد فهمي، الأمر الذي لم يحصل عليه منصور.
بعدها، راسل القاضي منصور، المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات لإعطائه إذن ملاحقة عثمان، ومنذ ذلك الحين، والملف مطوي ولم يعرف أحد شيئاً عن مصيره، لكن الأكيد هو أن عثمان لم يمثل أمام القاضي منصور.
القاضي نقولا منصور نفسه، حدد جلسة استماع للواء عثمان، الأسبوع المقبل، وأبلغه بذلك عبر وزارة الداخلية، كما طلب منصور من مديرية «أمن الدولة» تفاصيل ما جرى أثناء التوجه إلى منزل سلامة بحسب مصادر إعلامية. ولكون اللواء عثمان يشغل منصب المدير العام لقوى الأمن ولا يمكن لأية دورية من الدرك تبليغه، أبلغه القاضي منصور بموعد الجلسة عبر وزير الداخلية والبلديات، الآتي من خلفية قضائية، والذي يقف اليوم أمام امتحان القدرة على تنفيذ القانون بعد الوزير السابق محمد فهمي الذي لم يفعل، وخضع للضغوط السياسية، فهل سيمنح الإذن بملاحقة اللواء عثمان؟
هيبة القضاء على المحك
جلسة الخميس المقبل سينتج عنها أحد سيناريوهين، بحسب الخبراء في القانون، أولهما أن يمثل اللواء عثمان أمام القاضي منصور ويدافع عن نفسه في التهمة الموجهة إليه شارحاً حقيقة ما حصل مع دورية «أمن الدولة» أمام فيلّا رياض سلامة في الرابية، وهو ما يُستبعد حصوله بالنظر إلى ما حصل سابقاً، عدا عن الاحتضان السياسي والطائفي الذي يلقاه الرجل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي و«تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية». أما الأمر الثاني، فيتمثل بحضور وكيله القانوني الذي سيتقدم بمذكرة دفوع شكلية تثبت أن ما قام به لم يكن بالجرم المشهود كما ورد في ادّعاء القاضية عون عليه، ما يبطل فرضية الجرم المشهود، وبالتالي تصبح ملاحقة عثمان بحاجة إلى إذن الوزير بسام المولوي.
أمام ذلك، من المرجح أن يُطوى الملف في الأدراج مرة ثانية، ما يعني ضربة جديدة لهيبة القضاء اللبناني.
سلامة يمارس نشاطه الاعتيادي
في هذا الوقت، وبعد زوبعة الدهم الدونكيشوتية، استمر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ممارسة نشاطه الوظيفي على نحو اعتيادي خلال الأسبوع الماضي، حيث ترأس يوم الأربعاء اجتماع المجلس المركزي الذي بحث أموراً نقدية. هذا ويصر سلامة على عدم المثول أمام القاضية عون التي تصر بدورها على ملاحقته خلافاً لطلب المدعي العام التنفيذي، بانتظار بت دفع تقدّم به لعدم صلاحيتها لملاحقته.
في المقلب نفسه، وصفت مصادر سياسية ما حصل بالسيناريو الرديء الذي تقوم بتنفيذه القاضية عون «غب الطلب» ووفقاً لرغبة رئيس الجمهورية وهي «المحسوبة عليه»، وبأنه لا مسوّغ قانونياً له، وهو مجرد تمثيلية هدفها تصفية حسابات ونوع من الكيدية السياسية على أبواب الانتخابات، لن يجني منها «العونيون» شيئاً، فالعهد صار على آخره، ولم يعد بالإمكان استثمار مواقف مماثلة في بازار السياسة، بل أكثر من ذلك، هي سترتد عليهم سلباً ولن تنفعهم في تلميع الصورة القاتمة التي اصطبغ بها عهد الرئيس ميشال عون قبل أشهر قليلة من الموعد الافتراضي للانتخابات النيابية المقررة في أيار (مايو) القادم.
المظلة الأميركية فوق رأس سلامة
محاولة إحضار سلامة بالقوة للمثول أمام المحقق العدلي فشلت وستظل محكومة بالفشل ما دامت المظلة الأميركية تحمي حاكم المصرف المركزي، ما يؤكد شكوك البعض في أن سلامة هو رجل أميركا الأول في لبنان وأن الاقتراب منه خط أحمر ويعَد تجاوزاً للمحرمات. فيما تتردد أنباء في عواصم غربية عن قرب إقالة سلامة وبدء البحث في الأسماء عن خليفته في حاكمية المصرف.
الجدير ذكره أن عدداً من الدول الأوروبية التي شهدت رفع دعاوى ضد سلامة ولا سيما فرنسا وألمانيا كانت قد سلمت الجهات المختصة في لبنان ما لديها من معطيات تتعلق بتلك الدعاوى وثروته التي تقدر بأكثر من مليار دولار، وقد طلبت في الآونة الأخيرة من لبنان تزويدها بالمعطيات الخاصة بحسابات شقيقه رجا سلامة للتعرف على مصادر الأموال التي دخلت إليها وحُوّلت منها إلى حسابات أخرى في لبنان أو خارجه، واستخدمت لتملّك شركات وعقارات تبيّن أنها تعود إلى سلامة وأفراد من عائلته. ويتيح التثبّت من هذا الأمر إصدار قرار بالحجز على هذه الأملاك.
Leave a Reply