من الآخر، ليطمئن بقايا صغار 14 آذار وخصوصاً تيَّار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» وحزب «بيت الصيفي» وشارل جبور والعلوش والعقاب صقر وفارس سعيد أفندي الدروندي وغيرهم من «قرطة حنيكر»، فإنَّ التنسيق بين الجيش العربي السوري والجيش اللبناني (هل عيب أنْ يُقال الجيش العربي اللبناني مثلاً وهل «شبه الوطن» مازال عربي الوجه فقط؟) والمقاومة ومن ضمنها قوات الحزب السوري القومي الإجتماعي، قائمٌ على قدم وساق وليس منذ بدء معركة تحرير جرود بعلبك والقاع بل منذ المعركة الأولى وما قبلها وما سيليها وما سيتبعها وما بعد بعدها! أي سؤال بعد هذا؟
ذلك أنَّ الذي يدَّعي عدم وجود تنسيق ثلاثي بين الجيشين الشقيقين والمقاومة وحلفائها، هو واحد من بين ثلاثة: أمَّا أعمى البصر والبصيرة، وأمَّا جاهل معاند مكابر، وأمَّا متغافل عن هذه الحقيقة حتَّى لا «يفطس» غيظاً بالسكتة الدماغية! بل أكثر من ذلك، المعادلة الماسية القديمة المتمثِّلة بالجيش والشعب والمقاومة تغيرت لأنَّه لم يكن لها معنى من الناحية التراتبية، وكان يجب أنْ تكون على الشكل التالي: المقاومة والشعب والجيش، لأن الجيش بدون مقاومة وشعب يحمياه لا يَقدر على فعل أي شيء فعدده وقوته ودعمه يأتي من النَّاس وقدراته تتعزز بالمقاومة التي حررت وحمت لبنان وردعت العدو الإسرائيلي وسحبت منه قرار الحرب والسلام بعد أنْ كان يعربد ويصول ويجول في عُقر دارنا وفي تاريخنا والمستقبل.
ولكن بعد معركة تحرير الحدود اللبنانية السوريَّة من الإرهابيين، أصبحت المعادلة هي التالية: المقاومة والشعب والجيشين اللبناني والسوري، يتبعهما الجيش والحشد العراقيين والجيش اليمني ولجانه الشعبية الحوثية. هذه بالضبط معادلة النصر وهؤلاء هم مفاتيح العزة والكرامة والشرف والإباء.
بالعودة الى معركة الجرود التي أطلقها الجيش اللبناني بالتوازي مع معركة المقاومة في القَلَمون الغربي من الناحية السوريَّة وبالتعاون التام والمتكافل مع القيادة السوريَّة، هل كانت الانتصارات هذه لتتم لولا محاصرة «داعش» من عدة جهات؟ ولو افترضنا أنَّ الجيش اللبناني فتح جبهة واحدة فقط من جانب الحدود اللبنانية ضد أقوى وأشرس واعتى مرتزقة انتحاريين مجربين من التكفيريِّين دوخوا أقوى جيشين في المنطقة في العراق وسوريا إلى أن تمكَّن هذان الجيشان أخيراً بمساعدة حلفائهما من كشف تكتيكاتهم وأساليبهم الحربية بعد خمس سنوات من المعارك الطاحنة، هل كان الجيش اللبناني سينتصر عليهم في معركة تتضمن وجود مساحة شاسعة من الأرض ومفتوحة لهم على الجانب السوري؟
وإذا كان الأمر بهذه السهولة كما يصورها سعد الحريري الذي زار عرسال وتنشق هواء الحرية التي نسمتها المقاومة، وبضيافة المجرم المطلوب للعدالة علي الحجيري، فلماذا انتظر الجيش اللبناني حتَّى اليوم لتحرير جرود القاع وبعلبك وبعد معركة الجرود الأولى؟ ومع احترامنا الشديد للجيش الذي كان ضحية القرار السياسي لوحوش المال والفساد، ماذا كان يفعل خلال العهد الخشبي؟ بل كيف تمكَّنت جبهة «النُصرة» الإرهابية وتوأمها الخوارجي «داعش» من الهجوم على الجيش في عرسال واعتقال عسكريين رهائن و«ضبضتهم كالجلابيط» وذبح بعضهم من دون السماح للجيش بتجريد حملة عسكرية تطهيرية لتحرير عسكرييه واستعادة كرامته التي مرغها بالتراب الحكم الخشبي طيلة هذه المدة؟
بل لماذا منعت كتلة «المستقبل» الجيش اللبناني من القيام بتحرير جرود عرسال طالما تظهِر كل هذا الغرام المفاجيء به اليوم؟ ولماذا هتكت عرض وزير الدفاع السابق فايز غصن الذي حذَّر، بناءاً على معلومات من الجيش والاستخبارات، بأن عرسال «تعج» بإرهابيي «القاعدة»؟! وماذا عن مقتل الشيخين على حاجز الجيش وقيام فرقة «حصب الله» بإذلال العسكريين الذين دافعوا عنا نفسهم يومها ضد شيخين مدججين بالسلاح في سيارتهما؟
اليوم كل ادعاء جوقة بني سعود بولائها وشغفها المزيف بالجيش اللبناني ليس كرمى لعيون الجيش ولا حباً به بل كرهاً بالمقاومة، ظنَّاً من هذه الجوقة ان المقاومة يضيرها هذا الالتفاف الشعبي حول الجيش وهي التي حمته برموش العيون ومهدت له طريق الانتصار في عملية «فجر الجرود» عبر معركة «إن عدتم عدنا»؟ ثم من هم بالضبط جنود الجيش اللبناني؟ هل سمع الموتورون بالشقيقين عبَّاس من صور، واحد منهم شهيد في المقاومة والآخر شهيد للجيش؟ بالمقابل ماذا فعل هؤلاء المعادون للجيش اللبناني من ناحية تعزيزه عُدَّةً وعتاداً؟ هل هم فعلاً مع الجيش اللبناني عبر منعه من التسلّح بأسلحة متطورة عرضتها عليه الجمهورية الإسلامية في إيران مجاناً كما عرضت تزويد لبنان بالكهرباء بدل البواخر والفساد المستشري بين وحوش السياسة؟ كانت حجة رفض السلاح من إيران في السابق بسبب العقوبات الدولية المفروضة على طهران ولكنها رُفِعَت بعد الإتفاق النووي فماذا حصل بعدها؟ هل سارع زعماء الفساد لتجديد الطلب من إيران بدعم الجيش؟ هذا الجيش غير قادر على منع إسرائيل من اقتلاع شجرة على حدودنا بسبب امكانياته المحدودة بينما يتحدَّث كبار قادة تل أبيب وإعلاميّوها عن استهداف «ديمونا» وخطر ذلك وجودياً على تل أبيب!
لقد تجاهل المعادون وإعلامهم المرتزق وجود معركة القَلَمون الغربي على الجانب السوري، تماماً مثل الذي يتجاهل مشكلته متأملاً أن يؤدي هذا إلى اختفاء المشكلة! لكن المقاومة لن تختفِ بل أضحت أكبر من هؤلاء ومن أسيادهم ولم تعد معادلة داخلية فحسب بل إقليمية خصوصاً بعد خطاب الرئيس بشار الأسد الذي عبر فيه عن امتنان حكومته لتضحيات حلفائه في محور المقاومة وعلى نافوخه المقاومة! إلا أنَّ قدر هذه المقاومة أن تصبر على الضيم ولو كانت في دولة أخرى من دول العالم لأصبحت أهم من الوطن الذي ضحت لأجله بدم أبنائها الزكي وأخلاقهم التي شهدنا عينةً منها عندما خاطب أحد المقاومين «داعشياً» مجرماً وهو مستسلم الا يقلق على عائلته وأسرته التي هي في حفظ وصون المقاومة بينما خبرنا «حلم» و«حضارة» العقيدة الوهَّابية الداعشية وشعارها «بالذبح جئناكم» وهي اليوم تترك أشرارها لمصيرهم الأسود في الجرود.
كذلك بالتساوي مع تجاهل معركة المقاومة وسوريا، يجري تفجير مخيَّم «عين الحلوة» لتخفيف الضغط عن «داعش» والتذكير بوجود إرهابيين كقنابل موقوتة لم توافق الدولة اللبنانية على ترحيلهم مع التلي وعلى رأسهم المجرم شادي المولوي الذي نقله الصفدي بسيارته واستقبله الميقاتي في مكتبه نتيجة ضغط من جماعة «المستقبل».
لقد تساءل كثيرون عن معنى فداء وعطاء المقاومة في عرسال بعد كلام «المستقبل» وأشرف ريفي و«أبو عجينة» الذي ساوى بين الإرهابيين والمقاومة واعتبرها محتلة للجرود، ولماذا لا يهب أهل عرسال ويُسكِتوا هذا الفاجر المُتاجر «بالثورة» السوريَّة، كعربون جميل ووفاء للمقاومة وإعلان الانضمام إلى الإجماع الوطني الملتف حول المقاومة بعد تحرير جرود عرسال وترحيل طاعون «النُصرة» منها! وإلى متى ستصبر المقاومة وجمهورها المعطاء على تخرّصات جعجع ومعادلته «الجيش والشعب والدولة» وهو الذي دق أكبر الأسافين في كل عنصر من عناصر هذه المعادلة وخصوصاً الجيش اللبناني؟
كان على قيادة الجيش أنْ تمنع الضابط علي قانصو من الإعلان بأن لا تنسيق بين المقاومة ولا الجيش العربي السوري، فهذا عيب وخطير وأمرٌ مهين للجيش قبل غيره. وماذا سيكون موقف الجيش غداً عندما يتم الكشف مثلاً عن وجود تنسيق بأعلى المستويات بين البلدين؟ كل المعارك ضد عدو غادر لا تتم من دون تأمين عناصر النجاح والتوازن والتنسيق مع كل القوى الفاعلة على الأرض فكيف بمعركة دقيقة وخطيرة بهذا الحجم في الجرود؟
لقد تأخر لبنان كثيراً، خصوصاً المؤيدون منهم لسوريا الأسد، في العودة إلى الحضن السوري الذي بدأ يستقطب العالم الخارجي كله بدليل النجاح الباهر لمعرض دمشق الدولي، وعلى دمشق أن لا تسمح لسماسرة ومقاولي السياسة في لبنان أنْ يشاركوا في حملة إعمار سوريا الوشيكة وتكافيء من وقف فعلاً لا قولاً معها ومن حقَّق معها زمن المعادلة الرباعية: المقاومة والشعب والجيشين اللبناني والسوري! إن الغد لناظره قريب!
Leave a Reply