بديهية اكيدة في السياسة الاستراتيجية لدى الادارة الاميركية هي انها وفي لبنان تحديداً لن تسمح، اذا استطاعت، لحزب الله ان يكون له دوراً محورياً في العملية السياسية، يعني لن تسمح للمعارضة بالمشاركة لا في الحكومة ولا في اختيار رئيس الجمهورية «العتيد» الذي من المفترض ان يخلف الرئيس لحود. وذلك لاعتبارات اساسية ومهمة تتعلق بأمن اسرائيل القومي والوجودي من جهة، ومن جهة اخرى تتعلق بمصالح الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة على خلفية الصراع القائم بينها وبين ايران، محور الممانعة الاخير في الشرق، وربما في العالم. لان العكس يؤدي الى التسليم بالقوة الاستراتيجية الردعية، وربما الهجومية التي باتت تملكها المقاومة التي استطاعت قبل ان يضاف اليها عنصر المفاجأة الجديد، ان تثبت اقدامها في وجه اسرائيل وان تنازلها طيلة 43 يوماً في الجو والبر والبحر دون كلل او ملل. الى ان مرت سنة على منازلة تموز، وفيما اسرائيل لم تزل تعد العدة وتجهز جيشها وتعيد له بعضاً من معنوياته المحطمة، اعلن امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله اعلاناً لا يقل شأناً عن اعلان كوريا الشمالية امتلاكها السلاح النووي عام 2003، هو امتلاكه لسلاح فجائي يقيم التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل ويغير معادلة الحرب اذا حصلت، واذا لم تحصل الحرب سيغير المعادلة السياسية القائمة في المنطقة. بعبارة اخرى تحطيم المنظومة الامنية التفوقية التي سعت اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة والغرب لتكريسها عبر سلسلة حروب عسكرية وسياسية خيضت لسحق الحق العربي وترويض الفرد العربي ومنع اي امكانية لوجود دولة تتمتع بعناصر القوة والمواجهة في وجه اسرائيل.ولكن ما لم يكن يتوقعه احد حصل، وتحولت اضعف دولة في المنطقة الى حاوية لاقوى قوة عربية مقاومة عرفها العالم تقف في وجه اسرائيل، تقارعها، تصارعها وتقول لها: ها انت هنا، وها انا هنا اعدك بالويل والثبور اذا ما تجرأت واعتديت على لبنان…المشاركة الفعالة في الحكومة وفي رئاسة الجمهورية من قبل المعارضة تعني بالنسبة للاميركي انه اصبح لتلك القوة وجهة نظر داخل الدولة، اصبح لها في مكان ما تأثير على القرار، وربما اصبح لها القرار، ما يؤدي الى مواءمة العسكري مع السياسي مع الاستخدام المتبادل وبالتالي توفير آليات سياسية تثمر القوة العسكرية كما تعيد تثمير انتصار تموز بمفعول رجعي، وتتحول الدولة من حاوية للقوة الاستراتيجية الى قوة استراتيجية بحد ذاتها، تملك المشروعية السياسية الدولية. وهذا ما لن تسمح به ابداً الادارة الاميركية مهما كانت الاكلاف على لبنان والمنطقة وذلك للاعتبارات التالية:1- لن تقدم الادارة الاميركية لبنان على طبق من ذهب للايرانيين ومن دون اي ثمن، وهي اذا لم تستطع حسم الامر لصالحها فلن تمكن الاخرين من حسم الامر لصالحهم، وهي تفضل الفوضى على اي امر آخر لا يعطيها سلطة مطلقة في لبنان.2- المشروع الاميركي في المنطقة يرتكز على اعادة انتاج المنطقة وذلك لا يتم إلا من خلال ضرب كل حركات التحرر والمقاومة في المنطقة وتمهيد طريق السيطرة امام الكيان الصهيوني.3- اذا كان المشروع الايراني اصبح في مكان لم تعد تنفع معه الضربات المباشرة واذا كانت هذه الضربات بالاصل غير مقدور عليها، فإن ضرب حلفاء هذا المشروع من اسهل المتوفر امام الادارة الاميركية.4- بعد الوجهة التي سار فيها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وهي وجهة لا تبشر الادارة الاميركية بخير، اصبحت هذه الاخيرة اكثر تشدداً في الموضوع اللبناني لتعيد توازناً خسرته كما انها اصبحت اكثر تطيراً من التركيب الجيني السياسي للشيعة لتكتشف «انهم قوم لا يمكن الوثوق بهم».من هنا تعزز مقولة الغالب والمغلوب، لان الحل لن يكون إلا بهزيمة وانكسار احد الطرفين وإلا مراوحة بين الاضطراب والانفجار في ظل حكومتين حتماً ستتنازعان الملك وفي نهاية المطاف ستتصادمان.رئاسة الجمهورية وما يليها من تعيينات وعلى رأسها تعيين قائد جديد للجيش خلفاً للعماد ميشال سليمان شكلت حجر الزاوية في مشروع قوى 14 آذار، لانه ان حصل واستطاعت هذه القوى ان تمسك بورقتي الرئاسة وقيادة الجيش ستلجأ فوراً الى تضييق الخناق على سلاح المقاومة، والبدء بسداد اولى الفواتير المستحقة عبر ابطال مفاعيل السلاح السياسية، ثم ابطال مفاعيله الاستراتيجية وتركه عرضة للصدأ في مخازن وكهوف المقاومة. لان من شأن ذلك تغيير العقيدة القتالية للجيش واعادة تشكيل هيكليته وهرميته بشكل يؤدي الى خلق بيئة امنية سلبية معادية للمقاومة ومن ثم الشروع في حملة سياسية مركزة لنزع سلاحها، وهذا ما قالته قوى 14 آذار علناً من ان اولى مهام رئيس الجمهورية الجديد هو تطبيق 1701. هذا ما تفترضه قوى السلطة.اما من ناحية المعارضة فإن خياراتها محدودة جداً ودقيقة جداً، فليس امامها سوى تشكيل حكومة ثانية مصغرة برئاسة مسيحية على الارجح، لا تحكم بل تعطل حكم الاولى وتدفع باتجاه التسوية او الحسم، لان وفقاً لهذا السيناريو، تفترض المعارضة ان يلتزم الجيش جانب الحياد السياسي مع امساكه بالامن والقرار العسكري، فتصبح السلطة الحالية مكشوفة الظهر خالية اليدين ويصبح رئيس الحكومة اشبه برئيس بلدية، خاصة اذا اضفنا الى هذه الصورة مشهد الانشطار في الادارات العامة داخل ملاك الدولة.لن ينسى الاميركيون فعلة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ولن يدعوا مسألة تمرده تمر مرورالكرام على راعيه الايراني، واذا تعذر الرد عراقياً فإنه سيكون مدوياً في لبنان..
Leave a Reply