أثناء متابعتنا لخبر بثته قناة الجزيرة قبل أسابيع، حول مطالبة المعارضة العلمانية في تركيا، إلغاء الحزب الحاكم بسبب مخالفته لدستور البلاد العلماني الذي يحرم ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية، فاجأني أحد المغتربين بسؤال قال فيه.. هل يوجد لدينا في اليمن محكمة دستورية تنظر في مسائل الخلاف والمخالفات من قبل السلطة والقوى السياسية؟ أجبته بأنني في الحقيقة لا أعرف ذلك، لكنني أظن بعدم وجود محكمة كهذه، فطلب مني كتابة موضوع يحمل دعوى لإنشاء محكمة دستورية شبيهة بتلك التي تتواجد في الدول الديمقراطية، من أجل أن تكون مرجعية عليا لمراقبة التجاوزات وحل الخلاف بين القوى السياسية في الوطن.
أبديت إعجابي بالمقترح، ووعدته بتنفيذ طلبه بعد التأكد من الأمر، وذلك ما قمت به فعلا، إذ وجهت نفس السؤال للعديد من المطلعين الذين أكدوا عدم وجود محكمة كتلك، ولو كانت موجودة لما كانت العملية الديمقراطية ومؤسسات الدولة تحت سيطرة السيد الرئيس الذي يسيطر على مجلس النواب أيضا، مستخدما إياه كيف ما شاء منذ تاريخ وجوده، بإعتباره الدستور والحاكم والوطن.. الخ.
لا أدري إن كان أحد ما قد كتب عن موضوع كهذا، كما أنني لا أدري بالضبط ما هي الجهة الدستورية المخولة بحل الخلافات بين القوى السياسية في الوطن، وإنعدام الدراية بالنقطة الثانية ناتج عن تشابك وعبثية الوضع القانوني والدستوري في بلادنا، ولعل الحدث الدائر الآن في مجلس النواب، حول قانون الإنتخابات وتدخل الرئيس شخصيا لحل الخلاف القائم لدليل قاطع على غياب هيئة دستورية لفض الإشتباك وتنظيم العملية القانونية تحت إطار الدستور.
نعلم جميعا أن القانون معطل في بلادنا لأن السلطة تعمل تحت إطار الرئيس الذي تستند إليه، ضاربة بالوطن والدستور طول وعرض الحائط، لذلك يكون الحديث عن القانون في بلادنا حديثا لا جدوى منه،لكن الأوضاع لن تستمر في الركود، كما أن الفوضى لن تدوم، وسيأتي يوم نحتكم فيه جميعا لدستور الوطن الذي يجب علينا حمايته ودعوة الكل لتطبيقه، ونعتقد أن الوقت يلزمنا بسرعة البدء في ذلك، ولنبدأ من اليوم فيكفي تجاوزات وخروقات وعبث من أجل مصلحة الرئيس وحزبه،وإرضاء المعارضة وقادتها،إذ يجب أن يكون الوطن هو الأول والأخير في كل المواقف والحسابات.
الواضح اليوم أن اللقاء المشترك يبذل جهدا كبيرا من أجل تصحيح العملية السياسية والديمقراطية في البلاد،لكنه يصطدم دائما بعنجهية الحزب الحاكم، وذلك ما يجعل الرئيس مرجعا لفك الإصطدام وتخفيف العنجهية ولو مؤقتا، مع أن الرئيس لا يمكن أن يستجيب لطلب المشترك والقوى الوطنية إذ أنه ينتصر لنفسه وحزبه دوما وأبدا، والتاريخ والتجارب شاهدين على ذلك، فلماذا إذا لا تكون هنالك محكمة دستورية يحتكم إليها الجميع، ويقف أمامها الكل سواء حتى الرئيس نفسه يجب عليه الوقوف حال مخالفته وتجاوزه للدستور والقانون؟
وجود محكمة دستورية في اليمن ضرورة وطنية لا مفر منها كما نعتقد، ستعمل على منع المخالفات القانونية والتجاوزات الدستورية للسلطة والمعارضة، وسترغم الجميع على العمل في إطار دستور يخترق ويهمل اليوم لأن أحدا لا يحميه، وتلك الحماية مهمة المحكمة الدستورية التي ستعمل قوانينها على منع الرئيس من مخالفة الدستور بغرض تنفيذ خطة التوريث.
المحكمة الدستورية إن وجدت ستضبط المؤسسات الحكومية،وستفصل فيما بينها لتؤدي كل مؤسسة عملها بإستقلالية تامة وبعمل منظم، لأنها وعلى إعتبار أنها أعلى سلطة دستورية في البلاد ستمنع الخروقات والتجاوزات، وحكمها نهائيا فيما يحدث ويدور، ولأن الجميع سيسألون من هم أعضاء تلك المحكمة، فنرى أن يكون أعضاؤها قضاة على أعلى مستويات النزاهة والوطنية والعلم والكفاءة الأخلاقية والعملية وكذلك قوة الشخصية، حتى لا يتم التأثير عليهم من أحد،من الممكن إنتخابهم من قبل الشعب إنتخابا مباشرا بدون تأثير من السلطة والمعارضة.
المحكمة الدستورية فكرة في مكانها الصحيح، ندعو الجميع إلى مناقشتها من أجل ضبط واقع بلادنا الدستوري، الذي يؤكد حاجتنا الشديدة لتلك المحكمة ولعلها ستكون أفضل من الهيئات التي يتم خلقها لإرضاء القوى الدولية تارة، ولحسابات داخلية تارة أخرى، وللعلم أن تركيا ليست الوحيدة التي تحتكم إليها القوى السياسية أمام محكمة كهذه، فكل الدول الديمقراطية تمتلك هيئات دستورية تمارس عملها الدستوري وتفرضه على الجميع، كالولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر المحكمة الدستورية العليا أعلى هيئة دستورية في البلاد، تمنع تجاوز الدستور وتحافظ على نظام البلد وإستقراره من خلال أحكامها النافذة على الصغير والكبير، رئيس ومرؤوس، تماما مثل بقية القوانين في أميركا لذلك وصلت اليوم إلى ما وصلت إليه.
aalmatheel@yahoo.com
Leave a Reply