حسن خليفة – «صدى الوطن»
بالنسبة للعديد من النساء المسلمات فـي أميركا، يُعتبر ارتداء الحجاب جزءاً أساسياً من هويتهن الدينية كعلامة من علامات البلوغ والرشد وتطبيق تعاليم الله، غير أن الكثير من الأسر الأميركية المسلمة تحرص على دفع بناتها على ارتداء الحجاب بمجرد بلوغهن سن التسع سنوات.
وفـي حين يرى كثيرون، فـي الحجاب، رمزاً للقوة والتمكين، يقول بعض نساء الجالية ممن ارتدين الحجاب سابقاً فـي سن مبكرة إنه قد يكون من «السّابق لأوانه وربما ضار».
قصة «زهراء»
تقول «زهراء» (٢٥ عاماً) -فضّلت عدم الكشف عن هويتها- إنها ارتدت الحجاب عندما بلغت سن التاسعة بناءً على فرض فرضته عليها إدارة مدرسة إسلامية خاصة.
زهراء تذكر ذلك اليوم «المحبط»، حين أقامت لها المدرسة حفلاً لها ولزميلاتها بمناسبة بلوغهن سن الرشد وارتدائهن الحجاب. وتؤكد ان ارتداء الحجاب لم يرق لها البتة منذ تلك اللحظة. ومع مرور السنوات، سألتها مرةً إحدى صديقاتها فـي مدرستها الثانوية عن معاني ارتداء الحجاب، فأدركت زهراء حينها انها غير قادرة على تقديم أية تفسيرات لصديقتها، بل أنها لم تجد لنفسها تفسيراً مقنعاً.
وعندما بلغت سن ١٩ عاماً، قررت زهراء خلع حجابها سراً ومن دون علم أهلها، لكن مع انكشاف الخبر بدأ بعض أصدقائها ينظرون اليها نظرة سلبية حتى أن أهلها هددوها بأنهم سيتبرأون منها، حسب قولها.
اليوم، زهراء تطلق شعرها الفضفاض من دون حجاب فيما لا يزال والداها غير مقتنعين.
تعتقد زهراء أن «الآباء يجب ألا يجبرون بناتهن على ارتداء الحجاب، ولكن فقط بتنويرهن حول معناه وترك القرار لهن».
وأردفت «أن الحجاب كان يجعلها تحس باليأس، مما أدى إلى شعورها بالاكتئاب فـي سن مبكرة، وجعلها تشعر بانها محصورة ومحجوزة فـي شيء لم تؤمن به».
ومضت تقول «كنت فقط أفعل ذلك (أتحجب) لإرضاء والدَي، ولم يكن للأمر علاقة بالإيمان بالله» مؤكدة أن قرارها مكنها من استعادة نفسها والتصرف على طبيعتها.
لمن القرار؟
من جهتها، أشارت منيرة قاسم، المشرفة على برنامج ضحايا الجريمة والتعذيب وسوء المعاملة فـي مركز «أكسس»، الى أن «العائلات من ثقافات وجاليات مختلفة يقترحون على بناتهن ارتداء الحجاب عند بلوغهن. وهذا ليس أمراً سيئاً بحد ذاته».
ولفتت قاسم الى انه عندما يتم ذلك بشكل صحيح فلن تكون له آثار سلبية على الأطفال، مؤكدة أنها من خلال عملها لم تر أي آثار نفسية سلبية على الصبيات المحجبات، طالما أن الأسرة كانت تراعي النمو النفسي للبنت وخيارها الشخصي فـي مسألة ارتداء الحجاب».
واستدركت قاسم برأيها «ان طفلة تبلغ من العمر ٧ أو ٩ سنوات تُعتَبَر صغيرة جداً لمثل هذا الالتزام الديني. اذ فـي هذا السن، ترغب معظم الفتيات ركوب الدراجات وبلورة هواياتهن». وتنصح قاسم الأهالي الذين يودون أن ترتدي بناتهم الحجاب بأن يبدأوا بمناقشة الموضوع معهن قبل أي شيء وأن يترك القرار فـي النهاية لهن. مؤكدة «أن الشابات المسلمات اللواتي يتلقين تعليماً ثقافـياً عن أهمية الحجاب هن أكثر ارتباطا بدينهن» مقارنة بالشابات اللواتي يرتدين الحجاب عن غير اقتناع.
قصة «هبة»
هبة، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الأخير، قالت لـ«صدى الوطن» إنها وضعت الحجاب فـي عمر ثماني سنوات ولمدة ١٥ عاماً.
وقالت إنها اضطرت لذلك لأن جميع البنات فـي عائلتها محجبات ولم يكن هناك مجال لرفض الموضوع أو حتى مناقشته، وأوضحت إن الحجاب يؤكد هويتها الإسلامية وهو مصدر فخر وسعادة للمرأة.
تقول هبة إنها فـي طفولتها كانت نشيطة وحيوية جداً، لكنها أصبحت أكثر انطواءاً بعد أن ارتدت الحجاب، لأن عدداً قليلاً جداً من زميلاتها فـي المدرسة يفعلن ذلك، فشعرت بعدم الانتماء.
«كثيراً ما تمنيت أن اكون فقط مثل غيري من الفتيات» شددت هبة، وتابعت تقول «كنت أبكي من عدم وجود أصدقاء فكانت والدتي تواسيني بالقول ان علي ان اكون فخورة ومبتهجة بهويتي، وإن الذين يحكمون علي بسبب الحجاب لا يستحقون صداقتي». «على أي حال، ذلك لم يساعد حقيقةً بازالة الشعور بالعزلة».
هبة تنتقد بشدة الفرضية القائلة بضرورة ارتداء البنات للحجاب لمنع جذب الجنس الآخر، وتعتبرها نظرية «مدمِّرة»، مشيرة الى أن حرص والديها على شراء الملبوسات الشرعية جعلها تبدو وكأنها تخفـي شيئاً قبيحاً أو سراً قذراً، بدلاً من أن يبدو عليها أنها تحمي شيئاً ثميناً.
أنا قررت ..
أفصحت فاطمة السيِّد وهي طالبة تبلغ من العمر ٢٣ عاماً، أنها أخذت على عاتقها مسؤولية ارتداء الحجاب فـي سن السادسة معترفةً بأن هذه السن مبكرة للغاية» بالنسبة للفتاة لارتداء الحجاب.
غير انها فـي نهاية المطاف قررت من تلقاء نفسها أن تستمر به مع ان والديها لا يريدانها حتى ان تلبسه، خوفاً من عدم تفهمها تماماً لمعنى الحجاب.
وأضافت السيِّد انها اثبتت ان والديها كانا على خطأ، ولم تأسف على تمسكها به، وان الحجاب كان بالنسبة لها نعمة ورحلة مشجعة.
وأكدت ان «الحجاب سمح لي بكسب احترام البالغين، مما جعلني أشعر بالقدرة ومنحني التأقلم المناسب وسمح لي أن انمو بشكل أقوى. لقد ساعدني على كسب ثقة كنت بحاجة لها عندما انتقلت إلى منطقة لم تتقبل الحجاب كثيراً».
وانتهت إلى «أن الحجاب ليس مرحلة انتقالية صعبة للبنات، طالما أنهن محاطات بشبكة دعم ومساندة».
لا إكراه فـي الحجاب
من ناحيته، أدلى الشيخ محمد علي الهي، مرشد «دار الحكمة الاسلامية» فـي ديربورن هايتس، بأن «الحجاب هو اعتراف بنضج الفتاة واستعدادها لممارسة تعاليم دينها بجدية» لكنه فـي النهاية قرار شخصي -تماماً مثل الصلاة- داعياً الأهالي الى تعريف بناتهم على الحجاب فـي سن مبكرة حتى لا يصدمن بالأمر عند بلوغهن سنّ النضوج.
وأشار الى «ضرورة عدم إكراه الفتيات، ولكن تذكيرهن بأن التقوى والحجاب هما عاملان مهمان للفتيات لحمايتهن من كل المخاطر والتهديدات».
وأضاف «أن الحجاب يجب أن يكون جزءا من التربية الجنسية، خصوصاً فـي سن مبكرة اذا أخذنا بعين الاعتبار تأثير وسائل الإعلام والمجتمع العلماني، الذي غالباً ما يثبط التواضع والاحتشام».
ومع ذلك، ينبغي على المسلمات اعتبار الحجاب بانه وجد «للحماية لا للقمع».
وخلص إلى القول «الحل يكمن فـي إيجاد التوازن بين الثقافة والهوية الدينية، لضمان عدم رفض المحجبات داخل المجتمع العلماني فـي أميركا».
Leave a Reply