حسن خليفة – «صدى الوطن»
فـي الرابع والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي تسبب تدافع الحجاج وهم فـي طريقهم لتأدية منسك رمي الجمرات بمنى، قرب مكة المكرمة، بمقتل وإصابة مئات الأشخاص الذين توجهوا إلى الأراضي المقدسة لتأدية فريضة الحج.
وقد حولت الحادثة الأليمة، أول أيام عيد الأضحى المنصرم إلى يوم كئيب فـي حياة المسلمين الذين رابهم موقف السلطات السعودية وتلكؤها فـي الكشف عن أسباب وظروف وقوع المأساة، فضلاً عن تقديمها لإحصائيات غير دقيقة حول عدد الضحايا والمصابين والمفقودين، فبينما أشارت الرواية الرسمية السعودية إلى مقتل 769 شخصاً وإصابة حوالي 700 آخرين، كشفت وكالة أسوشيتدس برس عن مقتل ما يزيد عن 2121 شخصاً على الأقل.
ووصفت الحادثة التي تسببت بتوتر سياسي بين السعودية وإيران بأنها حادثة الحج الأكثر مأساوية منذ ربع قرن، حيث تسبب تدافع مماثل فـي العام 1990 بمقتل حوالي 1426 شخصاً معظمهم من الآسيويين.
وقد التقت صحيفة «صدى الوطن» بعدد من الحجاج العرب القاطنين فـي منطقة ديترويت، للوقوف على مشاهداتهم وسماع رواياتهم لمعرفة حقيقة ما جرى، وطبيعة الظروف التي تسببت فـي الحادثة المروعة.
وفـي هذا الإطار، عبر الحاج جميل (اسم مستعار) الذي شهد حادثة التدافع عن مشاعر الهلع والخوف التي انتابته جراء مشهد الزحام والفوضى فـي صفوف الحجيج وهم فـي طريقهم إلى رمي الجمرات.
وقال: «كنت أتصبب عرقا وأشعر بعطش شديد بسبب الحرارة القائظة وأنا بين آلاف الأشخاص المتوجهين إلى مشعر منى لرمي الجمرات، وفجأة رأيت بعض الأشخاص الذين الذين يصرخون بفرق الطوارئ المتواجدة فـي المكان طلبا للإغاثة والنجدة».
وأضاف بالقول: «لقد فهمت أن شيئا ما خطيرا يحدث عندما رأيت الكثير من الأشخاص وهم يحاولون القفز فوق السور العالي، كما رأيت علامات الفزع والرعب وهي ترتسم على وجوه الناس نتيجة الزحام الخانق والتدافع الشديد، فقمت على الفور بالاتصال بالشرطة السعودية.. لكنهم لم يفعلوا أي شيء».
من ناحيته، قال الحاج وائل (الذي فضل عدم الكشف عن إسم عائلته) لقد كنت فـي قلب الزحام.. فقد توجهت مع مجموعتي لرمي الجمرات فـي الساعة السابعة والنصف من صبيحة ذلك اليوم، وعند منتصف الجسر بدأنا نشعر بالضغط والتدافع الشديد، وكان بيننا بعض الحجيج من العجزة الذين يستخدمون الكراسي المدولبة.
وأضاف بالقول: «بالإضافة إلى ذلك كانت بعض النسوة اللواتي بدأن يصرخن بصوت عال بسبب الزحام والحر الشديد، وكان الجميع يتصببون عرقاً».
وقال: «حتى ذلك الوقت كان باستطاعة الناس أن يتحركوا ويتقدموا ببطء، ومن ناحيتي قمت بالانفصال عن مجموعتي وابتعدت عنهم حوالي 200 قدم، وفـي تلك اللحظة بدأ الازدحام الشديد ولم يعد بإمكان الناس أن مواصلة مسيرهم.
وبعد ساعة ونصف تمكن الحاج وائل من الابتعاد عن مخيمه لمسافة ميل واحد، وقال إنه لم يتمكن من السير أطول من تلك المسافة بسبب الإعياء الشديد.
وتابع «لقد رأيت الكثير من الناس العالقين على الجسر وهم يحاولون مغادرة المكان عبر البوابات، ولكن -ولكونها مقفلة- بدأ الناس يحاولون تسلقها وأخذوا يستعملون ثياب الإحرام كحبال لتساعدهم على تجاوز البوابات».
وقال «عندما رأيت ذلك قلت فـي نفسي يجب علي أن أغادر المكان بأية طريقة، لأنه إذا سقط شخص ما وسط ذلك الزحام فمن المستحيل إنقاذه». وأضاف «لقد توجهت بالدعاء إلى الله.. فقد انتابني شعور صاعق بأنني لن أنجو وأنني سأموت بسبب العطش الشديد أو بسبب نوبة قلبية».
ولكن الحاج وائل استطاع أخيراً أن يشق طريقه بين الحشود، وتمكن من الخروج من الزحام عبر إحدى البوابات المفتوحة ليجد نفسه حافـي القدمين ومتعبا ومشوشا بشكل لا يوصف. وقام بعدها بالدخول إلى خيمة للحجاج التونسيين الذين قدموا له الماء ليروي عطشه الشديد، بينما كانت جثامين الحجاج تنقل عبر سيارات الإسعاف.
بدوره، كان الحاج اسماعيل مع آلاف الحجيج الذين يتلمسون طريقهم إلى مشعر منى فـيما الشمس تسوط وجهوهم بأشعتها الحارقة، وعند نقطة محددة بدأ الهياج والصراخ والتدافع دون معرفة الأسباب.
وقال لقد رأيت بعض الأشخاص وهم يسقطون بين الأقدام التي تدوسهم، وظلت الفوضى تعم المكان حتى الساعة 11 ظهرا عندما قام المسؤولون بفتح البوابات. وأكد: «عندما فتحوا البوابات كان الوقت قد فات على تفادي المأساة».
وأضاف: عندما غادرت الجموع وتم إخلاء المكان رأيت الكثير من الجثث التي كانت فـي معظمها جثثا لنساء وشيوخ لم يتمكنوا بطبيعة الحال من تسلق السور والنجاة بأرواحهم كما فعل الكثيرون.
وقال «كان المشهد مؤلما للغاية إذ كان باستطاعك أن ترى الجثث وهي مكدسة فوق بعضها البعض وكان من الواضح أنهم قضوا اختناقا».
وتابع: «لقد شعرت بإرهاق شديد وكدت أفقد وعيي.. لم أعد أشعر بأطرافـي وكنت بحاجة ماسة للماء».
أما أغرب ما شاهده اسماعيل فـي تلك اللحظات فهو وجود طائرتين حوامتين أو ثلاث تجوب سماء المكان، وكان باستطاعة تلك الحوامات أن تقوم بالكثير من أجل إنقاذ بعض الأرواح، «كأن تقوم طواقمها برمي بعض الحبال لمساعدة العالقين على تجاوز السور، أو أن يقوموا على الأقل برمي عبوات الماء، لكنهم لم يفعلوا أي شيء من ذلك. فـي الحقيقة لم يفعلوا أي شيء على الإطلاق».
وأظهرت حصيلة خاصة بوكالة «أسوشييتد برس»، نشرت الاثنين الماضي، أن عدد ضحايا مأساة التدافع فـي منى، بلغت 2110 قتلى، استناداً الى تقارير رسمية صادرة عن دول فقدت رعايا لها أثناء أدائهم مناسك الحج.
فـيما لا تزال السلطات السعودية متكتمة على أسباب المأساة
ومنذ الحصيلة الرسمية (769 قتيلاً) التي أعلنتها السلطات السعودية فـي 26 أيلول الماضي، بعد يومين من المأساة، لم تصدر الرياض أي حصيلة أو أرقاماً أخرى لعدد القتلى والمصابين والمفقودين أو حتى بياناً عن أسباب المأساة المروعة.
Leave a Reply