تفاهم معراب الذي أُبرم بين «التيار الوطني الحر» ممثلاً برئيسه ميشال عون، وحزب «القوات اللبنانية» برئيسه سمير جعجع، قبل نحو عامين، كان تفاهم الضرورة، بين تنظيمين خاضا «حرب إلغاء» بينهما في العام 1990، عندما كان العماد عون رئيساً للحكومة العسكرية في القصر الجمهوري، وجعجع رئيساً للقوات، حيث تقاتلا لمن تكون «الأرض في المنطقة الشرقية»، للشرعية التي يمثلها عون، أو للميليشيات التي انحصرت في «القوات اللبنانية»، قبل أن ينقسم الفريقان، بين مَن هو مع اتفاق الطائف، ومَن هو ضده.
الحاجة إلى التفاهم
جاء تفاهم معراب ٢٠١٦ في لحظة سياسية كانت فيها رئاسة الجمهورية شاغرة منذ حوالي عامين، بعد أن فشل جعجع في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وهو الذي فرض على حلفائه في «14 آذار» تبني ترشيحه قبل أن ينسحب من السباق الرئاسي الذي بقي فيه العماد عون مدعوماً من «حزب الله»، وقد تعطّلت جلسات الانتخاب، بمقاطعة نواب 8 آذار لها إلا إذا انتخب عون، حيث حاول الرئيس سعد الحريري فتح كوة في جدار الرئاسة بترشيح النائب سليمان فرنجية الذي لم يكن الخيار الأول عند «حزب الله»، فيما لاقى ترشيحه تأييد الرئيس نبيه برّي ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط وبعض القوى المسيحية، مما أغاظ «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، فبادر كل من النائب إبراهيم كنعان ومسؤول الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم رياشي، وهما صديقان، إلى فتح حوار لترميم العلاقة بين الخصمين السياسيين.
بدأت الفكرة بـ«مزحة» بينهما –كما يروي الرجلان– لعلها تنجح بإلغاء العداوة التاريخية بين الطرفين، وتحوّلت إلى لقاءات واجتماعات بعد أن نقلها الرجلان الآتيان إلى السياسة من خلفية «مخيبرية» –نسبة إلى النائب الراحل ألبير مخيبر– إلى كل من العماد عون والدكتور جعجع اللذين منحاها موافقتهما ووضعت على سكة التنفيذ رداً على دعم الحريري ترشيح فرنجية.
في تلك اللحظة، التقت مصالح «التيار» و«القوات» على منع وصول فرنجية، إذ أن أكثر المتضررين من انتخاب فرنجية، هو جعجع الذي ينافسه على النفوذ في الشمال، فيما لاتزال مجزرة إهدن ماثلة بمقتل طوني فرنجية وعائلته و35 مواطناً على يد «القوات اللبنانية» بقيادة جعجع، رداً على منع «تيار المردة» لتمدد «القوات الللبنانية» شمالاً خلال الحرب الأهلية.
إذن، جمع عون وجعجع تفاهم معراب ضد وصول فرنجية، كما جمعهما في السابق، الوقوف ضد اتفاق الرئيس حافظ الأسد والموفد الأميركي ريتشارد مورفي على انتخاب النائب مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية، ثم عادا وافترقا وخاضا «حرب إلغاء».
السباق الرئاسي
اليوم، يعود كل من «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» إلى خوض حرب إلغاء سياسية هذه المرة، تمهيداً نحو رئاسة الجمهورية في العام 2022، لكن الرهان دائماً على صحة رئيس الجمهورية الذي كشف أن استهداف باسيل ليس إلا ضمن «السباق الرئاسي» بأبطاله المعروفين –جعجع وفرنجية إضافة إلى باسيل الذي ينفي ذلك ويؤكد أنه من المبكر الحديث عن الرئاسة وهو ما يردده أيضاً فرنجية وجعجع، إلا أن هاجس الموارنة في لبنان، يبقى أبداً رئاسة الجمهورية.
وفي حين أن فرنجية مطمئن إلى أنه سيكون خيار خط المقاومة الذي انتصر، عند حلول موعد الاستحقاق الرئاسي المرتبط دائماً بالتطورات الإقليمية والدولية وموازين القوى الداخلية اللبنانية، في حين أن جعجع يرى بأنه سلّف عون الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وأنه هو المرشح الطبيعي لخلافته، لأن حزبه هو الثاني في التمثيل المسيحي، في حين يعتبر باسيل أن تياره حاز على العدد الأكبر من الأصوات وله الكتلة المسيحية الأكبر وبالتالي فإن أحقية رئاسة الجمهورية له، وفق قاعدة الرئاسة للأقوى.
الصراع على التمثيل
لكن انتخابات رئاسة الجمهورية مازالت بعيدة، إذا ما لم يطرأ أي مكروه يصيب العماد عون، وبالتالي لن يتم انتخاب رئيس الجمهورية المقبل عبر المجلس الحالي، حيث تسبق الاستحقاق، انتخابات نيابية في أيار (مايو) 2022، ولا أحد يمكنه التنبؤ بالنتائج التي قد تتبدل كلياً، كما أنها قد تحصل وفق قانون انتخاب مختلف بعد تجربة الانتخابات السابقة التي رأى فيها بعض الخبراء الانتخابيين والقوى السياسية، تشويهاً للديمقراطية وتكريساً للطائفية.
وإذا ما حصل تغيير في القانون وتوزيع الدوائر واعتماد صوتين تفضيليين، فإن النتيجة قد تتبدّل كلياً، ويصبح التمثيل مختلفاً ولا يمكن لأي طرف الإدعاء بأنه هو صاحب الحصرية التمثيلية لأية طائفة، إذ يدور الصراع بين «الثنائي المسيحي»، على مَن يمثل الشريحة المسيحية، حيث يشير «التيار الحر» إلى أنه يمثل 55 بالمئة، و«القوات اللبنانية» 31 بالمئة، وهو ما يجب أن ينعكس على التمثيل في الحكومة، بحيث لا يحق «للقوات» إلا بثلاثة وزراء وفق باسيل، الذي يطالب «للتيار» بسبعة وزراء ولرئيس الجمهورية بأربعة وزراء، وهو ما رفع من حدة الخلاف على تفاهم معراب الذي تضمن تقاسم المقاعد داخل الحكومة، وهو ما رفضه «التيار» الذي يتحدث عن نتائج الانتخابات، وبأن حجم القوات هو 3 وزراء، وقد يصل لـ4 مقاعد وزارية بينها منصب نائب رئيس الحكومة الذي يتنازل عنه رئيس الجمهورية للمرة الثانية، وهنا بدأ الحديث عن أن التفاهم سقط ولم يعد قابلاً للاستمرار سياسياً.
«القوات» أقوى؟
وفيما يعتبر «التيار الوطني الحر» أنه الأقوى مسيحياً، وله التمثيل الأساسي داخل الطائفة المسيحية بكل مذاهبها، فإن «القوات» ترد بأنها هي التي تتقدم داخل «المجتمع المسيحي» وتعبر عن وجدانه ومطالبه، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات النيابية التي رفعت عدد كتلتها النيابية من ثمانية إلى خمسة عشر، وكان العدد 16، أي ضعف عدد نوابها السابقين، في وقت حافظ «التيار الوطني الحر» على عدد نوابه مع زيادة عدد حلفائه في «تكتل لبنان القوي»، إلا أن «القوات» تشير إلى انتصاراتها الخارقة في الجامعات والنقابات، إذ كل عام تحصد في الانتخابات الطلابية والنقابية المزيد من المقاعد وهو ما يؤشر إلى ازدياد شعبيتها على حساب «التيار الوطني الحر».
لكن في الواقع السياسي، لم يعد لجعجع من يسانده في مفاوضات تأليف الحكومة، بحسب تطورات الأسبوع الماضي وانطلاق عجلة التأليف بجدية. فوليد جنبلاط حل «العقدة الدرزية» في بعبدا، وسعد الحريري تخلى عن شروط معراب لصالح فرض تشكيلة حكومية ليست فيها ثوابت جعجع، لا بعدد المقاعد الوزارية ولا بـ«وزن» الحقائب.
هل تستمر «المصالحة»؟
تحت تفاهم معراب، عقدت ما يسمى بـ«المصالحة المسيحية»، وهي عملياً مصالحة بين طرفين تحاربا طويلاً على النفوذ في المناطق المسيحية، وهي بدأت تهتز وتنذر بصدامات اجتماعية مثل الجامعات حيث يعود النزاع بقوة بين طلاب الفريقين، وهو ما قد ينعكس على الساحة المسيحية التي يقلقها عودة حرب الإلغاء ولو كانت سياسية وليست عسكرية بين القوتين الأكبر اللتين فشلتا في تكوين ثنائي بينهما على غرار «الثنائي الشيعي» الذي شهد في أواخر الثمانينات تقاتلاً بين حركة «أمل» و«حزب الله» في صراع على مَن يُمسك بالقرار الشيعي كما بالمقاومة، إلى أن انتهى الصراع إلى تفاهم سياسي كرّس تحالفاً بينهما عماده المقاومة ضد العدو الإسرائيلي والعلاقة الاستراتيجية مع سوريا، وهو ما تترجم مراراً في الانتخابات البلدية والنيابية، وكذلك في توزيع المقاعد الوزارية مناصفة بينهما في الحكومة، وهو النموذج الذي لم يستطع «الثنائي المسيحي» تحقيقه، فعادت أشباح «حرب الإلغاء» لتظهر في خطاب رئيس «التيار الوطني الحر»، الذي أعلن في ذكرى معركة 13 تشرين الأول التي أنهت تمرّد العماد عون عام 1990، بأن «القوات اللبنانية» تخوض حرب 13 تشرين ضد العهد وتعمل على إفشاله وتشويه صورته.
فهل بدأت «حرب الإلغاء السياسية» بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية»؟.
Leave a Reply