وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
تسارعت خلال الأسبوع الماضي التطورات الميدانية على الساحة اليمنية، وسط تقدم واسع لـ«أنصار الله» في محافظات عديدة، أبرزها مأرب والحديدة الاستراتيجيتين وسط وغربي البلاد.
وبالتزامن مع تقدم الحوثيين وقوات حكومة صنعاء في مأرب واقترابهم من السيطرة على المدينة، تمكنت الجماعة خلال الأيام الماضية من إخضاع مناطق حيوية، في محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، بعد انسحاب مفاجئ للقوات الموالية لحكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً.
وانسحبت القوات المشتركة الموالية لحكومة هادي من مدينة الحديدة ومن مديريتي الدريهمي وبيت الفقيه وأجزاء من مديرية التحيتا، علماً بأن القوات المنسحبة تتلقى دعما مالياً وعسكرياً من دولة الإمارات.
وقد ترتبت على تلك الانسحابات، تغيرات كبيرة بخطوط التماس في المحافظة، وسط مساعِ دولية وأممية متكررة لخفض التصعيد.
وينفذ «التحالف العربي» بقيادة السعودية، منذ آذار (مارس) 2015، عمليات عسكرية في اليمن، دعما لحكومة الرئيس هادي في مواجهة الحوثيين وحلفائهم الذين يسيطرون على محافظات عديدة، بينها العاصمة صنعاء.
ومنذ بداية شباط (فبراير) الماضي، كثف الحوثيون هجماتهم في مأرب للسيطرة عليها، كونها أهم معاقل التحالف في وسط البلاد، إضافة إلى تمتعها بثروات من النفط والغاز واحتوائها على محطة كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالكهرباء.
معركة مأرب
وواصل «أنصار الله» خلال الأسبوع الماضي، تقدمهم إلى مدينة مأرب في ما يسمونه «معركة الأيام الأخيرة»، مستندين إلى دعم قبلي في المحافظة، وقد شهدت الساعات الماضية (قبل إعداد هذا التقرير) أشرس المعارك في محيط مأرب، وتركزت المواجهات في مناطق الفلج والروضة وسد مأرب وسلسلة جبال البلق الأوسط والشرقي، وتمكنت القوات المهاجمة من السيطرة على مواقع استراتيجية في هذه المناطق والتي تُعد المدخل الجنوبي للمدينة.
ونجح الحوثيون في تجاوز المساحات المفتوحة والتضاريس الوعرة التي تفصلهم عن مدينة مأرب، الأمر الذي أتاح لهم نقل المعركة إلى الضاحية الجنوبية للمدينة، فاتحين بذلك، المسار الأقرب لدخول مركز المحافظة الواقعة في وسط البلاد، بعد أن تقدموا لمسافة حوالي خمسة كيلومترات رغم القصف الجوي الكثيف الذي نفذته قوات «التحالف».
وعلى الرغم من كل التحشيد الذي عملت عليه «قوات التحالف» المدعوم سعودياً لمنع سقوط الجوبة في أيدي «أنصار الله»، تمكن هؤلاء من السيطرة عليها، مما دفع الرياض إلى حشد المسلحين المنسحبين منها –ومعظمهم من السلفيين المنتمين إلى تنظيمي «داعش» و«القاعدة» الإرهابيين، إضافة إلى آخرين استقدمتهم من محافظة ظهران الجنوب عند الحدود الجنوبية للمملكة– ودفعت بهم باتجاه ضواحي مدينة مأرب سعياً إلى كسب الوقت وتأخير سقوط المدينة الذي بات يبدو حتمياً ومحسوماً من الناحية العسكرية.
لكن يبدو أن هذه التعزيزات لا قيمة عسكرية لها في ظل الوضع الميداني القائم، فالحوثيون حققوا خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، تقدّماً عسكرياً جديداً تمثّل في سيطرتهم على مناطق غرب البلْق الشرقي وجنوبه وغرب الفلج، وتأمين مناطق واسعة وحاكمة أنهت آمال قوات هادي، وحزب الإصلاح بالعودة إلى منطقة العمود الاستراتيجية أو استعادة جزء مما خسروه في معركة البوّابة الجنوبية لمركز المحافظة. وتأكيداً لسيطرتهم، ظهر عدد من قيادات حركة «أنصار الله»، ظهر الثلاثاء الماضي، في منطقة لا تبعد سوى كيلومترين عن نقطة الفلج التي تتوسّط البلقين الأوسط والشرقي، وهو ما أثبت أن جميع المناطق الخلفية للنقطة المذكورة أصبحت في أيديهم.
ونشر الإعلام الحربي التابع لحكومة الإنقاذ الوطني، مشاهد المواجهات في جبهة جنوب مأرب، والتي أظهرت سقوط عدد من السلاسل الجبلية والمناطق التي كانت تتحصّن فيها قوات هادي وميليشيات «الإصلاح» في المناطق الفاصلة ما بين آخر الجوبة وجنوب مدينة مأرب.
وبات الحوثيون يسيطرون على 12 مديرية من بين 14 في محافظة مأرب، ولم يتبقَ في أيدي قوات التحالف سوى مديريتي المدينة والوادي.
وإثباتاً لما تحدثوا عنه في وسائل الإعلام، بثت عدسة الإعلام الحربي التابعة للحوثيين يوم الإثنين الماضي، مشاهد حيّة لتقدم وحدات الجيش واللجان الشعبية من عدة مسارات في مديرية الجوبة بمحافظة مأرب وتحرير مناطق جديدة.
وفي إطار المساعي التي يبذلها الحوثيون إلى جانب الوجهاء والفعاليات الشعبية بهدف تسليم ما تبقى من مدينة مأرب من دون قتال وحقناً للدماء، فقد توجه وفد كبير من مشايخ قبيلة مراد ووجهائها في محافظة مأرب، إلى مديرية بني مطر في محافظة صنعاء، وكان في استقبالهم العديد من المسؤولين التابعين لحكومة صنعاء وعلى رأسهم وزير التعليم العالي والبحث العلمي حسين حازب، إلى جانب وزير الإعلام ضيف الله الشامي، الذي ثمّن مواقف قبائل مديرية جبل مراد في الوقوف إلى جانب الجيش واللجان الشعبية. وأكد الوفد بدوره دعمه ووقوفه إلى جانب الجيش واللجان الشعبية في «معركة تحرير بقية مناطق محافظة مأرب والمحافظات المحتلة».
وفي سياق الضغط على الرياض، أكدت مصادر إعلامية موثوقة في اليومين الماضيين عن استهداف القوة الصاروخية التابعة للجيش واللجان الشعبية مقر إقامة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة نيوم، بالتزامن مع ما كانت قد نقلته وكالة «واس» السعودية حول إحباط هجوم بطائرة مسيّرة استهدف مطار أبها الدولي، جنوبي المملكة.
وقد أثبت الحوثيون سابقاً قدرتهم على التوغل في العمق السعودي، وهو أمر إذا ما عاد وتكرر، فقد يخلط الأوراق ويؤدي إلى قلب الطاولة فوق رأس الرياض وحلفائها وإغراقها حد الاختناق في المستنقع اليمني.
في المقابل، وبعد أن باتت الهزيمة في مأرب أمراً واقعاً، يبدو أن الرياض ومن معها يبحثون عن نقطة ارتكاز جديدة لهم على أرض اليمن للتعويض عن الهزائم المتلاحقة، والتحركات كلها تشي بأن مدينة شبوة ستكون الوجهة الجديدة للمعركة، وهي المدينة التي يسيطر عليها حزب «الإصلاح» والغنية بالنفط.
وفي سياق متصل، أكدت مصادر عسكرية ميدانية أن قوات التحالف قامت بإخلاء العديد من المعسكرات ونقاط التمركز التي كانت قد أنشأتها في المناطق التي تسيطر عليها قوات هادي وحزب الإصلاح، وأنها سحبت خلال الأيام الماضية عدداً كبيراً من قواتها من محافظة حضرموت وجزيرة سقطرى باتجاه مأرب، سعياً منها إلى التصعيد في معركة مأرب، وهو ما قد يدفع الحوثيين إلى التخلي عن الهدنة غير المعلنة في منطقة الحدود الجنوبية السعودية، حيث كانوا سابقاً قد توغلوا فيها وصولاً إلى منطقة الدرب غرب أبها، ودخلوا جيزان ونجران، وقد أرسلوا إلى من يعنيهم الأمر إشارات تفيد بربطهم التوقف عن المعركة هناك بوقف الحرب على بلدهم ورفع الحصار.
إعدام أسرى
في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، أقدمت القوات الموالية للتحالف السعودي على ارتكاب جريمة بشعة، تمثلت في إعدام عشرة أسرى، من الجيش اليمني واللجان الشعبية، في الساحل الغربي، رمياً بالرصاص، ومثلت بجثثهم وقامت بتصوير الجريمة المروّعة وبثها، على نحو يُحاكي أسلوب تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين، ويثبت في الوقت عينه اشتراكهما في القتال ضد «أنصار الله» إلى جانب قوات «التحالف».
ولتأكيد المؤكد، بثّ تنظيم «القاعدة» الإرهابي في وقت لاحق، تسجيلاً مصوراً لزعيم التنظيم في جزيرة العرب خالد باطرفي، للمرة الأولى منذ عام، ومنذ إعلان الأمم المتحدة عن اعتقاله في محافظة المهرة شرق اليمن في عملية نفذت في تشرين الأول (أكتوبر) 2020.
واعترف باطرفي في التسجيل بمشاركة تنظيم «القاعدة» في الحرب ضد «أنصار الله» على 11 جبهة مؤكداً أن دور تنظيمه في قتال الحوثيين «ظاهر ولا يمكن أن ينكره أحد».
وقد كشف رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى في اليمن عبد القادر المرتضى، هويات الأسرى الذين أُعدموا، ليتبيّن أن خمسة منهم هم من أبناء محافظة الحديدة وأن أربعة آخرين هم من أبناء محافظة حجة، فيما كان هناك أسير واحد من محافظة المحويت.
ونددت وزارة الخارجية في حكومة صنعاء بإعدام الأسرى من الجيش واللجان الشعبية، والتمثيل بجثثهم في الساحل الغربي.
وفي بيان صدر عنها الإثنين الماضي، اعتبرت الوزارة هذا الفعل المشين، جريمة حرب مكتملة الأركان، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ولاسيما اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب لعام 1949، التي تحرّم تعريض الأسرى لأي نوع من أنواع الاعتداء أو التعذيب، وتوجب معاملتهم معاملة إنسانية. كما أدانت منظمات وهيئات رسمية وحزبية وجماهيرية عديدة جريمة الإعدام.
وأودت الحرب المستمرة، منذ نحو سبع سنوات، بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم قرابة 30 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، يوم الثلاثاء الفائت، أن 75 بالمئة من أطفال اليمن يعانون من سوء التغذية المزمن، مشيرةً في تغريدة على «تويتر» إلى أن نحو 16 مليون يمني من أصل 30 مليوناً، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
Leave a Reply