واشنطن
على وقع التقلبات الحادة في أسواق الأسهم الأميركية والعالمية، دخلت الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر فرض رسوم جمركية على الواردات من جميع بلدان العام، منعطفاً جديداً، خلال الأسبوع الماضي، بتركّز المواجهة بين الولايات المتحدة والصين بشكل خاص، إثر إعلان ترامب عن مضاعفة الرسوم الجمركية على بكين إلى 145 بالمئة، مقابل تعليق العمل بالرسوم الجمركية المرتفعة –لمدة 90 يوماً– على أكثر من 75 دولة أبدت رغبتها بالتفاوض مع واشنطن، مع بالإبقاء على التعريفة الأساسية المخفضة على جميع تلك البلدان بنسبة 10 بالمئة.
وبعد الهبوط الحر للبورصة الأميركية عشية دخول «الرسوم المتبادلة» حيز التنفيذ، جاءت الخطوة التراجعية من قبل ترامب، بتعليق الرسوم الزائدة عن 10 بالمئة على 56 دولة إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، لتعوض معظم خسائر الأسهم الأميركية، حيث وصف الرئيس الأميركي، يوم الأربعاء الماضي بأنه «يوم عظيم» بسبب الانتعاشة القوية للأسواق المالية، مستدركاً بأن البلاد قد تواجه صعوبات في المرحلة الانتقالية التي يقودها «لتحرير الاقتصاد الأميركي» و«جعل العالم يعامل الولايات المتحدة بإنصاف».
وأكد ترامب أن المستثمرين يشعرون بالرضا إزاء سياساته التي جعلت «الجميع يريدون التوصل إلى اتفاق»، وحل المواضيع قيد النقاش المتعلقة بالتجارة والحواجز التجارية والتعريفات الجمركية والتلاعب بالعملة والتعريفات غير النقدية.
وجاء تعافي البورصة يوم الأربعاء الماضي، عقب تعليق الرسوم الجمركية المرتفعة على عشرات الدول، والاكتفاء بتطبيق حد أدنى أساسي يبلغ 10 بالمئة، لمدة 90 يوماً، باستثناء الصين والرسوم السابقة التي فرضها على كندا والمكسيك وجميع وارادات السيارات الأجنبية وقطعها، وكذاك وارادات الصلب والألمنيوم.
وعند إغلاق جلسة الأربعاء الماضي، ارتفع مؤشر «داو جونز» الصناعي بقرابة 3 آلاف نقطة، وقفز مؤشر «أس آند بي 500» لأكبر 500 شركة أميركية، بنحو 9.5 بالمئة و«ناسداك» التكنولوجي–المركب بأكثر من 12 بالمئة، عقب إعلان ترامب. ومع ذلك، عادت المؤشرات الثلاثة إلى التراجع مجدداً خلال تعاملات الخميس المنصرم، في ظل ارتفاع حاد في مؤشر الخوف في بورصة وول ستريت، الذي يقيس التقلبات على المدى القصير.
وصعد مقياس «مؤشر الخوف في وول ستريت» (فيكس) الذي يقيس التقلبات في سوق الأسهم الأميركية بشكل حاد بلغ 55.2 بالمئة ليصل إلى 52.18 نقطة.
وجاء الارتفاع الكبير بعدما قال مسؤول في البيت الأبيض، إن إجمالي معدل الرسوم الجمركية المفروض على السلع الصينية وصل إلى 145 بالمئة، بعد الزيادة الأخيرة التي أقرها الرئيس ترامب بحق الواردات الصينية، عقب سياسة التحدي التي اعتمدتها بكين بوجه واشنطن.
مواجهة مع الصين
قال البيت الأبيض، الخميس الماضي، إن إجمالي معدل التعريفات الجمركية المفروض على السلع الصينية وصل إلى 145 بالمئة، بعد الزيادة الأخيرة التي أقرها ترامب رداً على بكين التي فرضت رسوماً جمركية انتقامية بنسبة 84 بالمئة على السلع الأميركية.
وأمر الرئيس الأميركي، الأربعاء الماضي، بزيادة الرسوم الجمركية على الصين إلى 125 بالمئة تضاف إلى رسوم بنسبة 20 بالمئة فرضها ترامب سابقاً على السلع الصينية لأسباب تتعلق بتهريب مخدر الفنتانيل الفتاك.
وقال ترامب إنه قرر زيادة التعريفات المفروضة على الصين لأنها لا تحترم الأسواق العالمية، مستدركاً في تصريحات لاحقة بأن الصين تريد التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، وأنه يتوقع التوصل إلى اتفاق جيد في نهاية المطاف.
وأضاف أن الصين استغلت الولايات المتحدة في الماضي، لكنه أكد أنه قادر على التوصل إلى تفاهم مع الرئيس شي جين بينغ.
وكان ترامب قد رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 54 بالمئة قبل أن يرفعها مجدداً 104 بالمئة ثم 125 بالمئة بسبب إصرار الصين على المعاملة بالمثل، عبر رفع التعريفات على المنتجات الأميركية إلى 34 بالمئة ثم 84 بالمئة، متعهدة بمواصلة «القتال» ضد السياسات الحمائية.
وقالت بكين إن لديها «العزم والأدوات» لمواصلة المواجهة إذا استمر ترامب في استهداف السلع الصينية.
وصرّح ترامب في مؤتمر صحفي الأحد الماضي: «علينا أن نحل مشكلة العجز التجاري، لدينا عجز بقيمة تريليون دولار مع الصين… وإذا لم نحل هذه المشكلة فلن أعقد أي صفقة»، ما يقلل من احتمالات التوصل إلى حل سريع.
وبينما تحتدم الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أوضح وزير الخزانة الأميركي سكوت بسينت، أن قرار ترامب بخفض التعريفات الجمركية على بقية بلدان العالم إلى 10 بالمئة، لا يعود إلى الانهيار الكبير في أسواق الأسهم، بل إلى رغبة تلك البلدان بالتفاوض.
وتلقت الأسواق العالمية ضربة قوية كما خسرت أسواق الأسهم تريليونات الدولارات خلال الأسبوع الماضي وهبطت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات بينما تخارج مستثمرون من سندات الخزانة الأميركية والدولار، وهما من أصول الملاذ الآمن.
وقال بسينت: «نرحب بكل دولة في العالم ترغب في التفاوض، وسنخفض التعريفة الجمركية الأساسية إلى 10 بالمئة بالنسبة لهم، وسنرفعها على الصين بسبب إصرارها على التصعيد»، مشيراً إلى أن ترامب وافق على مهلة التسعين يوماً لأنه يريد أن يكون منخرطاً بشكل شخصي في المحادثات، حيث سيجري تصميم كل صفقة على حدة، ما سيستغرق وقتاً.
وأضاف بسينت أن كندا والمكسيك مُدرجتان ضمن الدول التي ستُفرض عليها ضريبة بنسبة 10 بالمئة على الواردات لمدة 90 يوماً، فضلاً عن الرسوم التي فُرضت في وقت سابق على البلدين بسبب الهجرة وتهريب المخدرات.
كذلك، كان الاتحاد الأوروبي قد أعلن فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على مجموعة من الواردات الأميركية رداً على رسوم ترامب، غير أن بروكسل عادت وعلقت تلك الرسوم لمدة 90 يوماً بعد إقدام ترامب على الخطوة نفسها، علماً أن الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة يواجه رسوماً جمركية أميركية بنسبة 20 بالمئة على معظم المنتجات ورسوماً أعلى على السيارات والصلب.
مخاوف أميركية
يؤكد ترامب أن الحرب التجارية ستؤتي ثمارها في الولايات المتحدة، لكن «هذا الأمر لن يكون سهلاً»، داعياً إلى «الصمود»، وذلك غداة التصعيد الصيني وتراجع أسواق المال العالمية.
ويرى ترامب أن الصين ستدفع ثمناً أكبر بكثير من الولايات المتحدة في حال استمرار المواجهة التجارية، مؤكداً أن سياسته التي وصفها بأنه «ثورة اقتصادية» ستنجح في نهاية المطاف بإعادة الوظائف والشركات إلى أميركا.
وقال فيل فلين، كبير المحللين في مجموعة «برايس فيوتشرز»: «وصلنا إلى نقطة تحول في الصراع التجاري إذ يمنح ترامب الدول التي أبدت رغبتها في العمل على اتفاق للتخلص من الرسوم الجمركية بعض الوقت لتسوية الأمر»، مضيفاً بأن «ما يفعله ترامب هو عزل الصين اقتصادياً».
من جانبه، حذر جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك «جاي. بي. مورغان» من أن الرسوم الجمركية الأميركية ستؤدي على الأرجح إلى ركود اقتصادي وتخلف عن سداد الديون.
ولتفادي ذلك، دعا ترامب، رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، إلى خفض أسعار الفائدة دون تأخر، والتوقف عن ممارسة الألاعيب السياسية. إلا أن الأخير يرى أنه «ليس من الواضح في الوقت الحالي ما هو المسار المناسب للسياسة النقدية، و«يتعين علينا الانتظار لنرى كيف ستسير الأمور قبل أن نتمكن من ذلك».
Leave a Reply