عقيدة الروبوتات: دروس من الحرب الأخيرة
عباس الحاج احمد
ضابط في وحدة البيانات، يجلس أمام ثمانية شاشات، يحرك بها مئات الدرونات وآلاف الروبوتات الانتحارية. يستطيع أن يسقط دولة دون بذل قطرة دم أو عرق واحدة. هكذا هي صورة المستقبل العسكري القريب للجيوش.
أما الآن، وفي شرقنا الأوسط العزيز، وبعيداً عن كل حسابات الهزيمة والانتصار، أظهرت الحرب الإسرائيلية الاخيرة، على لبنان وغزة، فجوة تكنولوجية واسعة أظهرت التقدم الهائل في تقنيات البرمجة، الحوسبة الكمومية، الدرونات، والروبوتات لدى جيش الاحتلال المدعوم من الولايات المتحدة، على «حزب الله» و«حماس». الجيش الذي راكم خبراته بعد تقرير لجنة فينوغراد الذي فصل مكامن الفشل في حرب تموز ٢٠٠٦، بنقد ذاتي تراكمي وبخرق استخباراتي كبير وببناء علاقات استراتيجية مع كبرى شركات التكنولوجيا.
لطالما شكل البحث العلمي، الباب الأبرز للتطور، بمنطق الشك والنقد والدراسة المبنية على الصرامة والتعلم من الاخطاء، وبمنظار: «رؤية الواقع كما هو قدر الإمكان». وهنا في هذا المقال، أضع بين أيديكم معلومات مبنية على رؤية موضوعية بعيدة عن أية آراء شخصية أو عواطف منحازة، لنقترب من رؤية واقعنا، قدر الإمكان.
منذ نشأته، كان الجيش الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على الابتكار التكنولوجي لتعزيز قدراته العسكرية. وفي السنوات الأخيرة، أصبح للذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية Quantum Computing دوراً متزايداً في بناء الاستراتيجيات العسكرية. في حين أن «حزب الله» و«حماس» لا يمتلكان نفس القدرات التكنولوجية.
البرمجة والذكاء الاصطناعي
يستخدم الجيش الإسرائيلي تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات العسكرية، بما في ذلك تحليل البيانات الاستخباراتية، تحديد الأهداف، وتحسين استراتيجيات الهجوم والدفاع. على سبيل المثال، تعتمد الأنظمة مثل «القبة الحديدية» على الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الصواريخ القادمة واعتراضها في وقت قياسي. هذا النظام قادر على تحديد الأهداف بدقة متناهية، مما يضمن تقليل الأضرار ويزيد من فعالية الدفاعات الجوية التي تمكنت صواريخ ومسيرات المقاومة من اختراقها بشكل محدود.
الحوسبة الكمومية
الحوسبة الكمومية هي مجال يتعامل مع معالجة البيانات بطرق لا تستطيع الحواسيب التقليدية التنافس معها. في مجال الجيش، يُتوقع أن تُحدث الحوسبة الكمومية طفرة في تحليل البيانات الضخمة، تحديد التهديدات، والتنبؤ بالحركات المستقبلية للعدو. بينما لا يزال هذا المجال في مرحلة البحث والتطوير، فإن الجيش الإسرائيلي يضع استثمارات كبيرة في هذا القطاع لضمان تفوقه الاستراتيجي في المستقبل.
الدرونات والطائرات بدون طيار
أحد أبرز التقنيات التي ساهمت في تفوق الجيش الإسرائيلي على حزب الله وحماس هي الطائرات بدون طيار UAVs. تُستخدم الدرونات الإسرائيلية في مختلف الجوانب العسكرية، بما في ذلك الاستخبارات، الاستطلاع، الهجمات الجوية، وحتى نقل الإمدادات.
تُستخدم الطائرات الإسرائيلية بدون طيار لمراقبة التحركات العسكرية لـ«حزب الله» و«حماس»، بالإضافة إلى تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف استراتيجية. يتم التحكم في هذه الطائرات باستخدام تقنيات متقدمة من البرمجة والذكاء الاصطناعي، مما يسمح بتنفيذ عمليات دقيقة في بيئات معقدة مثل المدن المكتظة.
من ناحية أخرى، تمتلك إسرائيل طائرات بدون طيار مزودة بأسلحة موجهة بدقة، والتي يتم استخدامها في تنفيذ هجمات دقيقة ضد أهداف على الأرض. هذه الطائرات تعمل بشكل مستقل أو تحت إشراف مباشر من قبل المراقبين العسكريين. وقد أثبتت فعاليتها في مواجهة البنية التحتية العسكرية لـ«حزب الله» و«حماس»، مما منح الجيش الإسرائيلي نقطة قوة إضافية في ساحة المعركة.
الروبوتات والتقنيات الذاتية
يمكن الاستنتاج أن الروبوتات العسكرية أصبحت جزءاً أساسياً من العمليات العسكرية الحديثة. وفي إسرائيل، هناك تقدم كبير في استخدام هذه الروبوتات في مجالات مثل التفجير وإزالة الألغام، فضلاً عن استخدام الذخيرة الحيّة.
وتتمتع هذه الروبوتات بقدرة على التحرك في بيئات خطرة وتنفيذ المهام دون الحاجة لتعرض الجنود للخطر، حيث يمكن للروبوتات التعامل مع المهام المعقدة مثل إزالة الألغام أو اختراق المناطق المحصنة. هذا يسمح لجيش الاحتلال بمواصلة العمليات العسكرية بأقل فاتورة بشرية ممكنة.
من المتوقع أن يكون للروبوتات القتالية دور كبير في المستقبل، حيث يمكنها القيام بهجمات دقيقة، إلقاء القنابل، أو تدمير أهداف معينة. هذه التكنولوجيا تساهم في الحد من الحاجة إلى الجنود البشر في خطوط الجبهة، وتقلل من الخسائر البشرية.
قدرات الحرب السيبرانية
في العصر الحديث، أصبح الهجوم الإلكتروني والحرب السيبرانية جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية العسكرية. إذ يمتلك الجيش الإسرائيلي قوة ضخمة في مجال الحرب السيبرانية، حيث يقوم بتطوير برامج متقدمة للهجوم والدفاع في الفضاء الإلكتروني.
ويتم استخدام الحرب السيبرانية لتدمير شبكات الاتصال، تعطيل أنظمة الأسلحة، وحتى التأثير على العمليات العسكرية من خلال اختراق أنظمتها.
تكتيك وتخطيط تكنولوجي
إحدى ميزات الجيش الإسرائيلي هي قدرته على استخدام التكنولوجيا لتحسين التخطيط العسكري والتكتيك في ساحة المعركة. يعتمد الجيش الإسرائيلي على تقنيات تحليل البيانات، التعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي لإنشاء سيناريوهات متعددة وتحديد التكتيك الأمثل بناءً على المتغيرات الحية.
على سبيل المثال، تستخدم إسرائيل الأنظمة الذكية لتحليل المعلومات الاستخباراتية من مختلف المصادر مثل الأقمار الصناعية، أجهزة الاستشعار والمخابرات البشرية، مما يمكنها من اتخاذ قرارات دقيقة وسريعة في خضم المعركة.
مع هذا التطور الهائل للعمل العسكري عبر الذكاء الاصطناعي وتسارع تقنيات رصد المعلومات وتحليل البيانات، أصبحت كل الطرق التقليدية، عسكرية كانت أو مدنية، تخطيطية كانت أو ميدانية، أمام نقطة تحول وجودية، في حال لم تُقدَّر أهمية حفظ الدماء والانتقال إلى «عقيدة الروبوتات».
Leave a Reply