مريم شهاب
ما يحدث هذه الأيام في وطننا العظيم، الولايات المتحدة الأميركية، بعد مقتل جورج فلويد أثناء اعتقاله من قبل شرطة مينيابوليس، أدّى إلى فوضى عارمة وحالة ذعر لم يكن لها داعٍ قط. فمن قاموا بتكسير المحلات والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة ليسوا إلا عصابات فوضوية تتبع الفاسدين في هرم السلطة ممن يستغلون أقل حدث في دورة المأساة البشرية، لتحويل كل شيء إلى عبث وطغيان وفتنة على الأبواب مثل ساحرات شكسبير. لعل أكثر ما يبث الخوف في قلوب العقلاء في مجتمعنا، هو بعض الإعلام الأميركي، المرئي منه والمخفي، ممن يحترفون صب الماء الملوّث بسموم العنصرية على زهور الإلفة بين الشعب الأميركي بكل مكوناته، حتى تذبل وتموت. إنهم تجار العنصرية.
بهدوء نقول، إن الشرطي الذي قتل المرحوم جورج فلويد هو مجرم، ليس وحده وحسب، بل أيضاً كل من كان حوله بمن فيهم من صوّر الحادث المؤلم، كلهم مخطئون. لم يعترض منهم أحد ولم يتقدم منهم أحد ليردع الشرطي اللئيم عن خنق فلويد بركبته لأكثر من ثماني دقائق كان فيها الضحية يختنق ويستغيث، وما من مجيب.
نشر الفيديو وتداوله بين الناس أدى إلى تجييش فئة كبيرة من الأميركيين الذين لا يعرفون الفارق بين الحرية والفوضى، وأكثرهم من طلاب الجامعات السذج المأخوذين بالأفكار الثورية الفاشلة.
الشرطي القاتل وقع في الخطيئة، ويجب أن يتحمل وزر خطئه وحده، لا أن تفضي جريمته إلى شبه كارثة اجتماعية من خلال نبش تاريخ العنصرية البغيضة بين البيض والسود من أجل إغراق شوارع المدن الأميركية في فوضى عارمة يطل منها الإعلام البائس، ليقول لنا إن الرئيس ترامب هو من يستحق العقاب والتأنيب والتعنيف والسخرية والإهانات والنكران والتحقير، وإلا فأنت عنصري. أما ترامب الذي أراد الإسراع في فتح الاقتصاد الأميركي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أزمة فيروس كورونا الذي يبدو أنه لا يصيب المتظاهرين، فيجد نفسه أمام كارثة جديدة ستؤدى حتماً إلى استمرار الإغلاق لأمد أطول بينما تغرق شوارع المدن الرئيسية بالفوضى والظلام.
في العام 1955 قررت روزا باركس الجلوس على المقعد الأمامي في حافلة عامة، مع أنه لم يكن يسمح للسود سوى بالجلوس في المقاعد الخلفية. احتجاجها السلمي هذا، حولها إلى «أم الحقوق المدنية» في زمن اللامساواة والتكبر والتمييز العرقي، ولكن شتان بين ما فعلته العظيمة روزا باركس وما يفعله المخربون الفوضويون تحت غطاء مكافحة العنصرية.
من خلال عملي بالإسكان العام، التقيت الكثيرين ممن ارتضوا العيش على الهامش، وبما أن المجتمع الأميركي هو مجتمع متكافل، يحصلون من دافعي الضرائب على مساعدات شهرية وقسائم الطعام ومساكن بإيجار مدعوم. ورغم ذلك يتصرفون وكأنهم فوق القانون، يدوسونه ولا يحترمونه. وعندما تسألهم أو تحذرهم، يحتجون ويتذكرون… حتى جاء أحدهم مرة ًإلى المكتب، حاملاً جوازه الأميركي ومردداً بنود الدستور التي تكفل المساواة والحرية.
تعيسة وبائسة الحرية التي تؤدي إلى الفوضى. الحرية قيادة مثل أي إدارة أخرى. الحرية مسؤولية، الحرية واجبات قبل أن تكون حقوق. الحرية يخنقها الانحطاط والأوبئة. ألا يكفي وباء كورونا وطاحونة الفساد والردح السياسي المستمر بين الجمهوريين والديمقراطيين؟
من يريد أن يدخل اليأس إلى نفوس العقلاء والحكماء، الذين –والحمدلله– مازالوا كثيرين، وبعون الله قادرين على ضبط الجنون ومنع صب الزيت على النار؟
Leave a Reply