منذ أن وصلت الى هذه الولاية في بداية شهرجون قادماً من ولاية تنسي وذلك لوجود أكبر جالية عربية في المهجرعلى مستوى دول أوروبا وأميركا، وكنت أتلمس الطريق لمعرفة الجوانب المضيئة في شخصية هذه الجالية بكل تنوعاتها الفكرية وأيدلوجياتها وإنجازاتها وطموحاتها، ذلك التعطش للمعرفة نابع من أمرين:ألاًول: هو أن أي قادم من الشرق لهذا البلد سواء للإقامة أوللبقاء مدة طويلة ثم العودة، يشعر بإنتمائه لجاليته ويأمل أن يكون عضواً فاعلاً في محيط الجالية، الأمر الثاني: خلفية السمعة الطيبة التي أشتهرت بها هذه الجالية وهي على إفتراض أن يكون لها موقعاً مهماً في التأثير النسبي على مراكز القوى وصنّاع القرار في هذا البلد الذي يتمتع بقوة هائلة ويتحكم في رسم سياسات معظم دول العالم، فكلما كانت المسافة للجالية الكريمة قريبة من الساسة في المؤسسات الرسمية والعلاقة مبنية على المصداقية فإنها سوف تقلل من أتخاذ قرارات قد تضر بمجتمعاتنا وشعوبنا كما حصل في أفغانستان والعراق.
قادني هذا البحث لمعرفة مساحة الحرية الممنوحة للجالية في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، هذه الحرية التي حٌجمت وقُننت وسلب منها الكثير بعد 11 سبتمبر، مع ذلك تبقى هي الأفضل من جميع وسائل الإعلام في مجتمعاتنا الخاضعة تماماً الى الحكام والأنظمة والتي تقوم برسم سياسة الصحف والإذاعات والمحطات الفضائية، وعندما تتمرد صحيفة أو محطة فضائية وتشق عصى الطاعة فإنها لن تكون محل رضا الحكومات بل ستثير غضبهم كما حصل لفضائية الجزيرة القطرية، وسوف نسلط الضوء على منبر من منابرنا الإعلامية المسموعة والتي يستمع اليها المئات من أبناء الجالية، إنها الإذاعة العربية التي تغطي ولاية ميشيغن حيث الناطقين بالعربية، والكلام هنا عن برنامج الحوار المفتوح الذي يتناول قضايا وعناوين كثيرة، لكن ما يهمنا هي تلك المساحة من حرية التعبير غير المقنن الذي يتناول بالتعريض أو التجريح بالأديان والمذاهب والمقدسات والأشخاص، ولن أبرهن على ذلك هنا ويكفي أن يستمع المراقب ما يجري من حوار بين أتباع المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي، مع أن الطرفين تحت خيمة سيدنا المسيح عليه السلام الذي قال عنه سبحانه وعن أمه العذراء عليها السلام كلاما عظيما في سورة مريم: من الآية 30الى الآية 34 حيث يقول سبحانه: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31 وبرأ بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32 وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33 ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34. هذا الرجل المقدس العظيم الذي جعل مباركاً أين ما كان! يعني في كل مكان وزمان ألا يتألم الأنسان حينما يسمع من يقلل من شأنه بحجة حرية التعبير، أما الحوارات في القضايا السياسية فلا تخلو من أستخدام عبارات لا توجد إلا في قواميس أولاد الشوارع يوصف بها زعماء دول ورموز أقوام يعف اللسان عن ذكرها مع التأكيد في كل الشرائع السماوية بعدم إستخدام أساليب السب والشتم والتهوين، الإيمان بدين معين لايعنى أن يلغي كل منا الآخر، بل لابدّ لنا من التعايش، فمسألة التصارع واللجوء إلى وسيلة السباب والشتائم بسبب الانتماء الديني أمر مرفوض، يرفضه العقل و الشرع، فالله تعالى يقول في الآية الكريمة: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فهذه الآية تشير إلى منطق عقلائي، فعندما تتعرض لمقدسات الآخرين سيستثيرهم هذا الأمر، فيسبوا مقدساتك بجهل منهم، وورد في الحديث الشريف (عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به : واللجوء إلى أسلوب السب والشتم للمخالف أمر يرفضه الإسلام، لأنه، أولاً: سيولّد ردّة فعل تكون سببًا في التعرّض لمقدسات ومعتقدات ذلك الطرف، وثانيًا: لأنه لا يوصل إلى نتيجة غير التباغض والتشاحن، ويجعل الطرف الآخر أكثر تعصبا لمذهبه ومعتقده ولأننا لسنا في معرض الإنتقاد وإنما تقيم الحالة فينبغي أولاً: أن لا نبخس الناس أشيائهم، ونثني على إنجاز قام به أفراد أو مؤسسات في أين مجال من مجالات التنمية البشرية التي تصب في النهاية لمصلحة أبناء الجالية.الثاني: مراعات الالتزام بأخلاقيات مهنة الصحافة ودور الاعلام في أسلوب المعالجة والحوار أو عدم المساس بالقيّم والمباديء والدخول في سجالات عقيمة لا طائل منها والسؤال الذي يحتاج الى إجابة منصفه، هو هل إستفادة الجالية الكريمة من أوجواء الحرية وفضائها أم أنها تعاملت مع هذا لمفهوم بعقلية شرقية؟ قبل الإجابة على هذا السؤال دعونا نناقش الفهم لمصطلح الحرية عند النخب من أصحاب الفكر بمختلف إتجاهاتهم، فالواقع أن هناك فرقاً بين الحرية كعقيدة إجتماعية ، تؤدي إلى التوفيق بين الحقوق والواجبات، وبين الحرية (كمنهج فردي) يقوم على أسس فلسفية.تتمثل الحرية كعقيدة إجتماعية في حرية الناس في إختيارهم لنوع الحياة التي يحبونها, متنافية تماما مع الديكتاتورية والتسلط والإمعان في أحادية الفكر والقفز على مشروعية التعدد واختلاف الرأي، وارتبط مفهوم الحرية كمنهج فردي بالنخبة من أهل المعرفة والرشد والثقافة الذين وجدوا في أنفسهم القدرة العقلية على الإكتشاف والإبتكار والنقد بلا قيد وقادهم ذلك بالضرورة إلى الكفاح من أجل نشر أفكارهم ومعتقداتهم, وقادتهم تلك الحرية الى التضحية بالغالي والنفيس.أما بالنسبة للإسلام فـــقـــد طرح مفهوماً للحرية خاصاً به و هو مفهوم (الحرية الذي يعني تسليم الفرد للقانون والنظام الإلهيين لان دور القانون هو دور تنظيمي يبيح لكافة أبناء المجتمع ممارسة حريتهم دون ان تصطدم بحريات الآخرين فالحرية في الإسلام هي حرية مربوطة بالخضوع لله وعليه يتجلى الفرق بين الاثنين في طبيعة القانون ففي الحالة الغربية يكون القانون موضوعاً من قبل الإنسان و في حالة النظام الإسلامي فان القانون هو قانون موضوع من قبل الله والإنسان مجرد ناقل أو مطبق لذلك القانون، غير ان التطورات التي وقعت في المجتمع الإسلامي أسفرت عن تغيير في المفاهيم الأصلية التي انطوى عليها الإسلام كنظام فالمجتمع الإسلامي سيطر عليه نظام تيوقراطي حاول أن يركز مفهوم الجبر و هو يعادل سلب الاختيار عن الإنسان و لكن ينسبه إلى الله عزّ وجل.أما جواب السؤال السابق فالإستفتاء يعطي هذه النتيجة, بأننا كشرقيين قد اعتدنا على التعامل مع القيّم والمفاهيم والمصطلحات وحتى العلاقات بطريقة فيها الكثير من الغموض والتناقضات والعقد. أيضاَ علاقتنا بالثقافة تمتاز بسيكولوجية مزاجية فيها الكثير من النرجسية المضنية والتطرف غير المحسوب .. ولاشك بأن الأغلبية العظمى من أبناء الجالية ينحدر من بيئة اجتماعية لازالت النزعة العشائرية التي اكتسبوها منها تؤثر في مجمل تصرفاتهم وأهوائهم بكل الاتجاهات. بيد أن النقد، الحاجة الجدلية، الذي يجب أن لا نمارسه من باب الفشل أو النجاح، أنما من باب الاختصاص والالتزام الحضاري، يكاد أن يكون مشلولاً، رغم أنه يشكل العامل الأساس للإصلاح على المستوى التربوي والثقافي والسياسي، الذي يقود الى إدراك ما ينبغي أن يهم المواطن العربي. لكن هل بإمكان القائمين على وسائل الإعلام إدراك هذه المسؤولية قبل أن يتحدثوا عن حقهم في التعبير عن الرأي.
Leave a Reply