قبل 2400 عام، كتب المؤرخ اليوناني هيردوت، الملقب بأبي التاريخ: “من ليبيا يأتي الجديد”. ولكن هذه الأيام تأتي من ليبيا أخبار القتل الجماعي وجرائم الإبادة وإقياءات الجنون والغطرسة، ولكن الجديد الليبي مايزال جديداً وطازجاً: جديد الثوار والأحرار والمقاومين والمحررين.
أظن أننا، نحن العرب، ظلمنا لعقود طويلة أشقاءنا في الجزء الإفريقي من الوطن العربي الكبير، ولم نتواصل معهم بالشكل اللائق، أو المطلوب، لأسباب كثيرة، ذاتية وموضوعية، من دون أن ينفي ذلك المسؤولية التي تقع على عاتق العرب في الجزء الآسيوي.
الثورات العربية الثلاث جاءت من الجناح العربي الإفريقي.. بما يشكل ذلك من مفاجأة للجميع، ولنا نحن العرب بشكل خاص. تونس ثم مصر ثم ليبيا.. والجزائر والمغرب ليستا بعيدتين عن المناخ الثوري الذي يهب الآن على.. افريقيا العربية.
لافتة ومذهلة تلك العبارة التي أطلقها ذات يوم المخرج والناقد الفرنسي جان لوك غودار، حين قال: “افريقيا هي القارة الوحيدة التي بإمكانها أن تهزم أميركا بفضل ما تزخر به من حكايات مغايرة تماما”. ونحن لا ننتظر بالطبع هزيمة أميركا، ولكن الحقيقة.. أن العرب الإفريقيين، بفضل “حكاياتهم المغايرة” تفوقوا على العرب الآسيويين.. الذين بدأوا بـ”استعارة” أيام الغضب، وتغيير أسماء الساحات الوطنية، لتصبح كل ميادين المدن والعواصم العربية “ساحات تحرير”.
“أيام غضب” افريقية، انتقلت كالعدوى لتصبغ “الأيام” الآسيوية بالغضب على إيقاع الطبول والحناجر والدم الإفريقي. كان العرب الإفريقيون يسطرون الملاحم ويسقطون عروش الطغاة، وكنا نحن نراقب بكل اللهفة والدمع والقشعريرة والغيرة.. والندم. نعم. الندم. خرج معظم العرب في “أيام غضب” وخرج العراقيون في “يوم ندم”!.
لقد خرج المارد من القمقم وانتهى الأمر. (ومارد القمقم في حكاية “علاء الدين والمصباح السحري” بملامح افريقية بالمناسبة)، ولكنه لم يخرج بلمسة سحرية، ولم يخرج ليلبي رغبات وأحلام سيده، بل من أجل أحلامه الخاصة. خرج ليتذوق طعم الحرية والعدالة. وما من قوة قادرة بعد الآن على إدخاله إلى جوف القمقم المظلم والضيق.
ولا يهم إذا لم تنتصر الثورات في بقية أقطار الوطن العربي الأخرى، أو إذا لم تقلب أنظمة الحكم. في البحرين واليمن وسورية والسعودية والأردن والكويت. لا يهم إطلاقاً. لأن الوطن العربي أصبح بأكمله منصة للحرية والزمن العربي بأكمله صار زماناً للحرية.
كتب جبران خليل جبران أيضاً: “يقولون.. إذا رأيت عبداً نائماً فلا توقظه ودعه يحلم بالحرية، وأقول لهم: إذا رأيتُ عبداً نائماً أيقظته وحدثته عن الحرية”.
عرب في افريقيا يعيدون الاعتبار لمعنى “الشعب” ولكلمة “الجماهير” التي انقرض معناها، وعرب في آسيا يستعيرون الشرارة المقدسة ويبجلونها ويمدونها بالدم، وعرب في أميركا.. يتابعون ويناصرون، ولكن الكثيرين منهم.. يعيشون ويتصرفون كمن “نجا بجلده”!
ثمة حرية الآن.. بالنهكة الليبية!
Leave a Reply