على الرغم من الضغوط المباشرة وغير المباشرة التي تُمارس على «حزب الله» لدفعه إلى التخلي عن مطلبه بالحصول على وزارة الصحة في الحكومة المقبلة، إلا أن «الحزب» لا يزال مصراً على تسلم هذه الحقيبة الحيوية، بل أن محاولات ثنيه عن توليها قادته إلى التمسك بها أكثر من أي وقت مضى ورفض المساومة عليها.
ويحذر المعترضون على منح «الصحة» إلى «حزب الله» من أن الوزارة ستصبح محاصرة إذا آلت مقاليدها إليه، لأن هناك دولاً ومؤسسات دولية ستقاطعها وتمتنع عن التعاون معها امتداداً لسياسة عزل «الحزب» والتضييق عليه، ربطا بتصنيفه منظمة إرهابية، الأمر الذي سينعكس سلباً على مشاريع ومساعدات صحية، وفق ما ينبه أصحاب الاعتراضات.
وقد أدت السفارة الأميركية في لبنان دوراً، خلف الكواليس، في التنبيه إلى محاذير إسناد حقيبة الصحة إلى «الحزب»، وهي لا تكف عن «الهمس» في الأروقة السياسية بضرورة السعي إلى تجنب حصول هذا الأمر، لتفادي تداعياته على لبنان والقطاع الصحي وفقاً لما تروّج في إطار «الحرب الناعمة» ضد «الحزب».
الأمر حُسم؟
في المقابل، يعتبر «الحزب» أن ترويج مثل هذه المخاوف إنما يرمي إلى شن حرب نفسية عليه، حتى يتهيب من استلام الوزارة وبالتالي يبادر إلى التخلي عنها، مشدداً على أن هذه التسريبات الخبيثة ليست مقنعة ولا تستند إلى معطيات صلبة، إذ أن المجتمع الدولي يتعامل في العادة ببراغماتية مع الواقع، وفي حال قرر الأميركيون مقاطعة وزارة الصحة، فإن هناك بدائل ستملأ الفراغ، مع العلم بأن مجالات التعاون بين واشنطن ووزارة الصحة هي ضيقة أصلاً.
ويستشهد أصحاب هذا الرأي في الحزب، بما حصل مع «الأونروا» التي قررت الولايات المتحدة حجب مساهمتها المالية عنها، فما كان من الاوروبيين إلا أن قرروا زيادة مساهماتهم.
ويلفت «الحزب» إلى أن مصالح الدول والمؤسسات الدولية ستدفعها إلى إبداء مرونة مع خيار إسناد وزارة الصحة إليه، وليس أدل على ذلك، برأيه، من أن جمعيات أميركية سبق أن عرضت التعاون مع بلديات واتحادات بلديات محسوبة عليه، لكن العرض جوبه بالرفض.
ويؤكد العارفون ببواطن الأمور أن الرئيس نبيه بري، وبعد التشاور مع قيادة «حزب الله»، اتفق مع الرئيس المكلف سعد الحريري عقب الأيام الأولى لتكليفه بتشكيل الحكومة، على أن تؤول حقيبة الصحة إلى الحزب، وهو لم يمانع من ذلك حينها، وبالتالي فإن هذه الحقيبة أصبحت بحكم «المحجوزة للحزب» منذ تلك اللحظة، علماً أن قوى أخرى سعت لاحقاً إلى انتزاعها، مثل «الحزب التقدمي الاشتراكي»، لكنها تبلغت بأن الأمر قد حُسم.
إلا أن اللافت للانتباه، كان تعمد الحريري خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة إعطاء إشارة إلى أن مصير «الصحة» لا يزال قابلاً للأخذ والرد بحجة ضرورة مراعاة المصلحة الوطنية والتدقيق في الانعكاسات التي قد تترتب على نيل «الحزب» تلك الحقيبة وسط الحصار المضروب عليه والعقوبات المتخذة بحقه، قبل أن يستدرك الرئيس المكلف ويؤكد أنه شخصياً لا يمانع في إعطائها إلى «حزب الله».
حملة منظمة
يشدد «الحزب» على أن قرار منحه وزارة الصحة هو شأن لبناني داخلي وقرار سيادي، لا يحق لأية دولة خارجية التدخل فيه، مشيراً إلى أن التشويش على حقه في استلام تلك الحقيبة لا ينفصل عن الحملة الخارجية الموجهة ضده بغرض محاصرته، وكذلك بهدف إحراج الحريري وحكومته المقبلة ووضعهما تحت الضغط السياسي والنفسي، وهو لن يسمح لهذه الحملة المتعددة الأبعاد في تحقيق أغراضها.
كما يشعر الحزب بأن هناك محاولة لتحريض الرأي العام اللبناني عليه من خلال تشويه الحقائق، وإيهامه بأن تولي «الحزب» للوزارة سيضر المواطن في صحته ودوائه، وصولاً إلى تدفيعه ثمن صراع لا علاقة له به.
ويعتقد «الحزب» أن البعض يسعى إلى التمويه على العقد الحقيقية الكامنة خلف التأخير في تشكيل الحكومة، عبر افتعال عقدة شيعية وهمية للتلطي خلفها وتحميل اصحابها الافتراضيين مسؤولية تعثر الولادة الحكومية.
ولدى «الحزب» قناعة بأن الحملة المنظمة التي يتعرض لها ليست سوى محاولة للتعويض عن عدم قدرة أعدائه على مواجهته عسكرياً، من خلال محاولة خرق بيئته الحاضنة وعمقه الداخلي، ودفع اللبنانيين إلى الشعور بأنه تحول إلى عامل عدم استقرار، وبات يشكل عبئاً عليهم وتهديداً لهم، سواء عبر الزعم بنشره صواريخ قرب أحياء سكنية ومرافق حيوية كما فعل بنيامين نتنياهو، أو من خلال إيذاء مصالح رجال أعمال يجري تلبيسهم تهمة دعم «الحزب» من دون أن تكون لهم صلة به كما فعلت الإدارة الأميركية من خلال العقوبات الأخيرة، أو بواسطة التمليح إلى أن علبة الدواء ستصبح في خطر إذا أصبحت برسم حارة حريك وفق تسريبات السفارة الأميركية في لبنان.
ورداً على كل هذا الضخ المسموم، يبدو «حزب الله» عازماً على تقديم تجربة نوعية في وزارة الصحة، تلبي احتياجات اللبنانيين من جهة وتثبت مصداقيته في مكافحة الفساد واعتماد النزاهة في التعاطي مع الشأن العام. ويؤكد المعنيون في الحزب أنه مهما اشتدت الضغوط والعقوبات فإن مناعة «حزب الله» لا تضعف واحتضان الناس للمقاومة لا يتزعزع.
Leave a Reply