مع الذكرى الـ17 لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، نجح «حزب الله» عبر مقاومته في تحرير كامل المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية، من الجماعات الإرهابية التكفيرية، حتى بات الشريط الممتد من الزبداني وجبال القلمون وقارة، حزاماً آمناً للبنان، ولم تعد البلدات والقرى البقاعية الواقعة عند السلسلة الشرقية لحدوده مع سوريا، معرضة للقصف أو الاشتباكات، كما لإرسال السيارات المفخخة منها، التي كانت تجهز في أماكن خاصة لاسيما في القلمون.. فأعلن «حزب الله» عشية عيد المقاومة والتحرير تسليم مواقعه الحدودية للجيش اللبناني لإنجاز مهمة تطهيرها من الإرهاب.
ويعتبر لبنان اليوم الجبهة الهادئة مع سوريا، بعد أن بدأ طرد المجموعات المسلحة التي كانت تتمركز في ريفي حمص ودمشق، وقد بوشر بتطهير المناطق القريبة من الحدود مع لبنان، في مطلع عام 2013، عندما انخرط «حزب الله» إلى جانب الجيش السوري، في معارك ضد المجموعات الإرهابية في بلدة القصيّر في ريف حمص، وهي الأقرب إلى الحدود مع لبنان لجهة بلدة القاع، ومدينة الهرمل، كما أنها على تماس مع 13 بلدة داخل الأراضي السورية يسكنها مواطنون لبنانيون، ولم يتم ترسيمها مع لبنان عند تعيين حدود «سايكس–بيكو» في العام 1916.
في ربيع 2013، أعلن الجيش السوري وحلفاؤه، عن سقوط القصير، بعد معارك دامت أسابيع، مما فتح طريق حمص–دمشق، والتي استكملت فيما بعد بتحرير مناطق أخرى في القلمون والزبداني، مما غيّر من وجهة المعركة العسكرية، وتأثرت فيها مناطق أخرى، إذ بدأت تتساقط المواقع العسكرية للجماعات الإرهابية في الغوطتين الشرقية والغربية، وفي مناطق مضايا وفيجة وعربين وقارة والقلمون، والزبداني، وقبل ذلك معلولا وصيدنايا، مما دفع بالمسلحين إلى أن يطلبوا وقف إطلاق النار، والانسحاب مع عائلاتهم إلى مناطق أخرى تخضع لهم، وكانت وجهتهم في الغالب إلى إدلب وريفها، حيث سُجّل ترحيل عشرات آلاف المسلحين، وإجراء مصالحات.
هذه الانتصارات التي حققها الجيش السوري مع حلفائه وتحديداً «حزب الله»، فرضت وجود مناطق آمنة مجاورة للبنان، في حين كان فريق سياسي من قوى «14 آذار»، يسأل عن جدوى قتال «حزب الله» في سوريا، حيث بات الصراع إقليمياً ودولياً، باعتبار أن التدخل في سوريا يناقض مبدأ «النأي بالنفس» الذي قررته الحكومة اللبنانية، و«حزب الله» يشارك فيها، كما لا يلتقي مع «إعلان بعبدا» الذي أقرته طاولة الحوار في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وكان «حزب الله» مشاركاً فيها أيضاً.
حيث يجب أن يكون
رد «حزب الله» في حينه على مَن كان يسأله حول قتاله في سوريا، وتوريط لبنان في حربها، ونقل المعركة إليه، ويطالبونه بالعودة منها، بأن قراره اتّخذه بنفسه، ولن يحمّل لبنان تبعاته، ولن تكون الحرب على أرضه، وهي ستحصل لو لم يذهب مقاتلو «حزب الله» يواجهون الجماعات الإرهابية، بحرب استباقية تمنع تمددهم إلى لبنان، وهم على مسافة كيلومترات قليلة من البلدات والقرى في بعلبك والهرمل وكل البقاع الشمالي، كما أنهم متمركزون في بلدة لبنانية هي عرسال، يفترض تحريرها منهم من قبل الجيش اللبناني الذي غدرت به هذه الجماعات واستولت على بعض مواقعه وخطفت من جنوده، وقتلت عشرين ضابطاً وجندياً، واحتلت مخفر الدرك في البلدة وخطفت 19 من عناصره أعادت بعضهم وقتلت أفراداً منهم.
فوجود «حزب الله» في المناطق السورية الحدودية مع لبنان، هو الذي ساهم في درء الخطر الإرهابي عنه، وهذا ما أكّد عليه مسؤولون لبنانيون، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قبل انتخابه وبعده، واعترف قياديون حزبيون وسياسيون وكلهم من حلفاء المقاومة، بأن «حزب الله» الذي تكبّد حوالي 1700 شهيد في سوريا وآلاف الجرحى، وزج في المعركة آلاف المقاتلين، له الفضل في أن يوقف تمدد الإرهابيين نحو لبنان، ومنع السيطرة عليه، وإلحاقه بـ«الدولة الإسلامية» التي أقامها في أجزاء من سوريا والعراق، حيث أفشل «حزب الله» هذا المشروع التكفيري، الذي عجزت عنه دول كبرى، وهو ما ترك السيد نصرالله، يُعلن في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال القيادي في «حزب الله» مصطفى بدرالدين، عن أن الحدود باتت آمنة، ويمكن للجيش اللبناني أن ينتشر فيها ويؤمن حمايتها، حيث لم يلجأ إلى حفل تسلم وتسليم، لأن ما قام به هو واجبه، وتنفيذاً لشعار أعلنه سابقاً السيد نصرالله، إنه حيث «يجب أن نكون سنكون»، فلم يخضع «حزب الله» لابتزاز ومواقف أطراف سياسية في لبنان، هي ضد المقاومة ومع العلاقة مع العدو الإسرائيلي، إضافة إلى أنها تفضّل المجموعات الإرهابية ودعمتها تحت مسمى «الثورة السورية» على النظام السوري المدني والذي يدعم المقاومة.
فتحرير المناطق السورية عند الحدود مع لبنان من الإرهابيين، يوازي تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، وكلاهما ينطلقان من خلفيات دينية، لإقامة كل من الجماعات التكفيرية «دولته» أو «خلافته الإسلامية»، والصهاينة دولتهم المزعومة إسرائيل، أو «الدولة اليهودية» القائمة على الدين، وقد نشأت كل من الدولتين المزعومتين على القتل والإجرام والمجازر وطرد السكان.
مسؤولية الجيش
ومع الانسحاب الفعلي لمقاتلي «حزب الله» من جرود السلسلة الشرقية، لم يعد من مبرر للجيش اللبناني من أن لا يقوم بواجبه في تطهير المنطقة، ويعمل على تحرير عرسال وجرودها من المسلحين، وقد مضى على الهجوم الغادر على مواقع الجيش نحو ثلاث سنوات، حيث ينقص الجيش، القرار السياسي من الحكومة التي تلكأت برئاسة تمام سلام عن ذلك، بحجة مذهبية، لأن عرسال بلدة سنّية، وبدأ الترويج في حينه بأن ما سيقوم به الجيش هو نيابة عن «حزب الله»، وشنّت حملة تحريض على الجيش، الذي استعاض عن الهجوم بعمليات محددة، ضد المجموعات المسلحة، وتمكّن خلال ثلاث سنوات، من زيادة عديده بأفواج مدرّبة ومقاتلة، وألوية مدرّعة، مما مكّنه من إحرازه تقدماً ميدانياً له على مواقع المسلحين ومحاصرتهم، وقطع طرق الإمداد عنهم، إلا من بعض الثغرات والمنافذ التي توصلهم إلى سوريا، حيث المسافة على طول الحدود تقدر بحوالي 375 كلم.
وخلال عام نجح الجيش عبر حصوله على المعلومات عن تحركات المسلحين، وتركيب أبراج مراقبة، والاستحصال على مناظير حديثة ومنها ليلية، من قتل واعتقال وخطف عناصر إرهابية، ومنها مَن هو متورط في القتال ضده وقتل من عناصره وضباطه أو خطف جنود، حيث اعتقل عمر حميّد قاتل الضابط ريمون بشعلاني والرقيب خالد زهرمان، وهو ما أربك حركة المسلحين ومَن كان يدعمهم من داخل بلدة عرسال، حيث ولّى زمن علي الحجيري (أبو عجينة) الذي كان رئيساً للبلدية والمدعوم من «تيار المستقبل»، والشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية) خاطف الدركيين، وانقلبت عرسال عليهم، واستعاد الأهالي المبادرة وأعادوا القرار المخطوف إليهم، بعد انتخاب بلدية جديدة ووصول رئيس لها باسل الحجيري مع أعضاء يناهضون المجموعات الإرهابية، ويطالبون الدولة بأن تحرّر بلدتهم من المسلحين الذين حرموهم الأمن ومنعوهم عن أرزاقهم وهم في غالبيتهم يعملون في الزراعة، وأوقفوا العمل في مقالعهم للحجارة وكساراتهم، وحاولوا عزلهم عن محيطهم المجاور وفي أكثريته من الطائفة الشيعية، لإيقاع فتنة سنّيّة – شيعية، فشلوا في حصولها، ونجح «حزب الله» مع فعاليات المنطقة وعشائرها في عدم الوقوع فيها والانزلاق إليها.
ولم يعد سوى عرسال وجرودها من السلسلة الشرقية تشكل بؤرة، وصفها وزير الداخلية نهاد المشنوق بأنها محتلة من قبل تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، حيث فتح السيد نصرالله ثغرة في جدار الحل للمسلحين الذي لا أفق أمامهم، وكل الطرق مسدودة عليهم، وأن ما عليهم ان يفعلوه هو ما فعله مسلحون مثلهم في سوريا، عندما فاوضوا النظام السوري للخروج من مناطقهم، وهو ما حصل في العديد من المناطق، ويمكن لمسلحي عرسال وجرودها أن يقرروا الخروج قبل أن تسقط مهل الحل، ويوفرون بذلك معركة عسكرية عليهم وعلى عائلاتهم.
فالحل السياسي قدّمه السيد نصرالله، وتعهّد أن يجري اتصالات مع النظام السوري الذي أقفل رئيس الحكومة سعد الحريري –ووزراء معه– طرق الحوار مع النظام لحل أزمة تهمّ لبنان أكثر من القيادة السورية، ويمكن تكليف وزراء في الحكومة حلفاء لسوريا، القيام باتصالات لحل وجود المسلحين في عرسال التي يضغط أهلها لخروجهم منها.
فالمناطق الآمنة في سوريا، والقريبة من الحدود اللبنانية التي أقامها «حزب الله» وفرت الأمن للبقاع خصوصا ولبنان عموماً، وهو ما يجب أن يفتح الباب لخروج المسلحين كما عشرات آلاف النازحين السوريين، وأن تساهم دول تصنّف صديقة للبنان بذلك.
Leave a Reply