وست بلومفيلد – بحسرة وألم تابع أبناء الجالية العراقية الأسبوع الماضي التطورات الخطيرة التي أصابت بلدهم الجريح بعد الإندفاعة العنيفة لمقاتلي ما يسمى بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الذين تمكنوا من السيطرة بسهولة على أجزاء واسعة من شمال غرب وغرب البلاد تمتد من محافظة نينوى شمالاً، وحتى تخوم بغداد جنوباً، ما تسبب بتهجير مئات الآلاف من سكان المنطقة التي تضم طيفاً متنوعاً من الأقليات.
وقد خيم الحزن واليأس على أبناء الجالية العراقية في منطقة ديترويت بمختلف شرائحها، لكن فداحة المشهد كان لها التأثير البالغ على أبناء الجاليات الكلدانية والشورية والسريانية لعدم قدرتهم على فعل شيء لمساعدة أهلهم الباقين في العراق رغم كل الويلات وحملات الإرهاب التي تعرضوا لها من أجل مغادرة ديارهم والهجرة الى الدول الغربية.
وقد تجمهر العراقيون يوم الخميس ١٢ حزيران (يونيو) في عدد من كنائس المنطقة من بينها كنيسة «القديس توماس» بمدينة وست بلومفيلد، وكنيسة «القديس جورج» الكلدانية في بلدة شيلبي تاونشيب من أجل الصلاة والدعاء لمئات الآلاف من أبناء العراق الذين شردوا وهجروا من بيوتهم خلال الأسبوع الماضي تحت سطوة تقدم المقاتلين المتشددين وسيطرتهم على مناطق واسعة من البلاد.
وفي محاولة لتقديم أقصى المساعدات للمسيحيين في العراق قامت الجمعية الخيرية المعروفة باسم «تبنى مهجراً» بإنشاء مشروع «نجدة الموصل» هذا الأسبوع والذي سيجمع مساعدات مالية وعينية فورية لتلبية حاجات أساسية كالطعام والماء والمأوى للأهالي والعائلات المشردة.
وسادت أجواء القلق في القداسين وسط مخاوف حقيقية من أن يؤدي العنف المستجد في العراق إلى حملة تهجير جديدة تطال ما تبقى من المسيحيين هناك.
والمعروف أن آلاف المسيحيين العراقيين اضطروا الى مغادرة مدنهم وقراهم بسبب الفوضى التي أصابت البلاد منذ الغزو الأميركي وحل الجيش العراقي عام ٢٠٠٣، وما تبع ذلك من توتر طائفي وحملات اضطهاد ديني مارستها جماعات متشددة.
واليوم يسكن في العراق ما بين ٣٠٠ و٥٠٠ ألف مسيحي فقط، من أصل ٣٦ مليون عراقي، ويتركز معظمم في الجزء الشمالي من البلاد وهي المنطقة التي غزاها تنظيم «داعش» المرتبط بتنظيم «القاعدة» والذي يسيطر على معظم شرق سوريا وغرب العراق.
وقد نشرت الأسبوع الماضي على المواقع الإلكترونية عريضة بعنوان «أنقذوا مسيحيي العراق» تطمح إلى جمع العدد اللازم من التواقيع من أجل رفعها الى أعضاء الكونغرس والرئيس باراك أوباما.
وتفيد رسالة توضيحية حول العريضة «بضرورة وواجب» حماية الكلدان والآشوريين والسريان في بلدهم الأصلي.
ومن جانبه، بعث الأب نجيب ميخائيل -من الموصل- رسالة طلب قراءتها أمام الجالية الكلدانية في ديترويت، حيث قال «أكتب إليكم في هذا الوضع العنيف الذي يهب على الموصل وهو وضع حرج وجهنمي حيث أن سكان المدينة هجروا منازلهم وهربوا إلى القرى المجاورة وهم ينامون في العراء من دون أكل أو شرب».
ولاحظ الأب ميخائيل في رسالته التي قرئت في كنيسة وست بلومفيلد، وجود عمليات تصفية جسدية للأطفال والكبار وأن جثثهم تركت في الشوارع وفي المنازل بالمئات من دون شفقة أو رحمة وأن قوات الجيش هجروا مواقعهم في المدينة وهربوا مع المحافظ كما أن القوات الكردية «البشمركة» قامت بوضع حواجز لمنع تدفق اللاجئين إلى إقليم كردستان.
وأضاف «أنا أؤمن أنه من الأفضل لي أن أبقى هنا مع شعبي وفي بلدي وأريد أن أساعد الناس خصوصاً المعوقين منهم والذين لا بيوت لهم ومساندة العائلات الواقعة في مشاكل. ليست مشاكل مادية بالتحديد بل قد يكونوا بحاجة إلى توجيه وتمكين وتعزيز لإيمانهم نحن هنا نشد عضد بعضنا فنمشي سوية ونقع سوية، نحمل الصليب ونحمل الكنيسة ونعانقهما ونعاني معاً وإذا متنا نكون شهداء. إن الوضع مأساوي لكن يحدونا الأمل. الأمر ليس سهلاً لنا لنقول بأن إنقاذنا حاصل إلا أن إيماننا موجود لا يتزعزع ونحن غير محميين من أحد ولا نملك إلا صلواتنا ونحن بحاجة إلى صلواتكم وأنا أؤمن بقوة الصلاة وقدرتها على تغيير عقول البشر إني أسألكم باسم كل المسيحيين في العراق أن تصلوا لنا».
تنظيم «داعش» يجتاح مدن العراق ويهدد بغداد.. والمالكي يدعو العراقيين لحمل السلاح ضد الإرهاب
بغداد – صخر نصر، وكالات
فجأة عاد العراق الى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط والعالم، ليطغى على ملفات إقليمية ودولية ساخنة من سوريا الى أوكرانياً مروراً بالمحادثات النووية الأميركية-الإيرانية في جنيف وقمة روحاني-أردوغان في تركيا.
التطورات الدراماتيكية في العراق بدأت بقرار مفاجئ من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) بشن هجوم شامل بهدف إسقاط الدولة العراقية واستباحة عاصمتها، وسط لحظة التقاء اميركية-ايرانية بشأن الخطر الداهم الذي يمثله «داعش». أما في العمق، فيظهر واضحاً أن مسارعة واشنطن وأنقرة إلى إعلان عزمهما التدخل ضد «داعش» ليست سوى مسعى لقطع الطريق على تدخل إيراني حاسم في نينوى وجوارها، بعد إعلان الرئيس حسن روحاني عزم حكومته على التدخل، تحت عنوان «مكافحة الإرهاب في المنطقة والعالم».
وفيما لا تزال ردة فعل إيران على «غزوة داعش» غير واضحة، كان الرئيس الاميركي باراك اوباما يتحدث عن عمل عسكري «فوري» يجب القيام به في العراق، من دون إرسال قوات ميدانية، وهو ما فسّر على انه لجوء اميركي محتمل الى الغارات الجوية أو الضربات الصاروخية لمنع تقدم «داعش» نحو العاصمة العراقية، وادراك اميركي -ولو متأخر- بفداحة المشهد العراقي، وربما الإقليمي، اذ قال اوباما صراحة إن «الرهان هنا هو ضمان أن لا يستقر الجهاديون بشكل دائم في العراق أو في سوريا أيضاً».
انهيار سريع
بعد التصريحات اليومية للجيش العراقي والصور التي كان يعرضها خلال الأسابيع والأشهر الماضية عن ملاحقة الارهابيين ودك معاقلهم في غرب البلاد، ظهر الواقع مختلفاً تماماً، حيث تمكن مسلحو «داعش» في ساعات قليلة من السيطرة على الموصل ثاني أكبر مدن العراق وأكملوا طريقهم الى مدن وبلدات أخرى حتى تخوم بغداد، وسط هروب القيادات الأمنية وترك الأرض للمسلحين.
وأثار الانهيار المريب للجيش العراقي أمام المد «الداعشي» تساؤلات عدة عن سبب تبخّر أكثر من 600 ألف عنصر يكونون الجيش، ومصير المبالغ الطائلة التي صُرفت على تدريبه وتجهيزه، في وقت عزا فيه خبراء عسكريون ضعف الجيش إلى غياب العقيدة الواحدة داخله
وتوالت الأحداث خلال أيام الأسبوع ليسيطر «داعش» والتنظيمات المتحالفة معه مثل «جيش النقشبندية»، على مدن وبلدات عديدة في شمال وغرب البلاد أبرزها مدينة تكريت، فيما كانت لافتة تحركات البشمركة الكردية التي سيطرت على مدينة كركوك مع انسحاب الجيش العراقي منها، فإضافة إلى رمزية المدينة بالنسبة لإقليم كردستان، فإنّ كركوك مدينة غنية بالنفط، وتقع في المحافظة المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان، ويسكنها خليط من الكرد والتركمان والعرب والمسيحيين..
ويبدو حسب التطورات الميدانية أنّ الأمور تتجه نحو «ستاتيكو» ميداني، إلا في حال أطلق الجيش العراقي والفرق العسكرية المؤيدة له عملية يستعيد من خلالها زمام المبادرة، أو في حال ذهاب تنظيم «داعش» باتجاه مهاجمة بغداد بشكل مباشر بعدما فرض سيطرة واضحة على عدد من النقاط الممتدة من الموصل شمالاً وحتى مدينة سامراء ذات الرمزية الدينية في الجنوب، واقتراب الاشتباكات من مناطق محيطة من العاصمة العراقية.
وسيطرت مجموعات من المسلحين، الخميس الماضي، على ناحيتي السعدية وجلولاء الرئيسيتين في محافظة ديالى العراقية، وبذلك تكون محافظة بغداد ومحيطها الشمالي قد أصبحت في حالة حصار من الغرب حيث محافظة الأنبار، ومن الوسط عبر محافظة صلاح الدين، ومن الشرق عبر ديالى.
أفاد مصدر مطّلع في محافظة نينوى أن مروحيتين عائدتين لتنظيم «داعش» تجوبان سماء المحافظة. وقال إن مسلحي «داعش» ينفذون طلعات جوية في سماء مدينة نينوى بمروحيتين، إحداهما قتالية والأخرى ناقلة للجنود مزودة بأسلحة وبإمكانها تنفيذ مهام قتالية أيضاً، مرجّحاً أن يكونوا قد استولوا على المروحيتين من مطار الموصل. وأضاف أن التنظيم نفّذ استعراضاً في منطقتي المنصة والمصارف في مدينة الموصل، بمختلف الآليات والأسلحة المتوسطة والثقيلة.
في غضون ذلك، قالت الشرطة إن عناصر من «داعش» حاصروا أكبر مصفاة نفط عراقية في بلدة بيجي شمال البلاد أمس. ودخل هؤلاء إلى بيجي أول مرة الثلاثاء، واقتربوا من المصفاة، لكنهم تراجعوا في وقت لاحق إلى القرى المجاورة، بعد أن توصلوا إلى اتفاق مع زعماء العشائر المحلية. وقال شاهد عيان آخر يقيم في منزل قرب المصفاة إن المتشددين كانوا يستقلون أكثر من 50 سيارة.
الأحداث في الموصل انطلقت مباشرةً بعد يومٍ واحدٍ من محاولةٍ فاشلةٍ لداعش للسيطرة على مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، أيضاً تزامنت المعارك مع استمرار الاشتباكات المشابهة التي يخوضها الجيش العراقي ضد مسلحي داعش في مدينتي الفلوجة والرمادي ضمن محافظة الأنبار منذ أشهر.
ومن نينوى دق مسلحو «داعش» أبواب محافظة صلاح الدين بعد سيطرتهم على مبانٍ حكومية في مدينة الشرقاط شمال تكريت.
وفي تسجيلٍ صوتي نشر على موقع «يوتيوب» للمتحدث باسم «داعش»، أبو محمد العدناني، دعا المسلحين إلى مواصلة الإنتشار مشيراً إلى ان المعركة لم تحتدم بعد ولكنها ستحتدم في بغداد وكربلاء، طالباً منهم أن يكونوا على أهبة الإستعداد.
ومع استمرار تقدم «داعش» في الشرق السوري على حساب المجموعات المسلحة الأخرى تتوسع رقعة سيطرتها لتشمل الرقة وأجزاء من دير الزور في سوريا ونينوى والأنبار في العراق.
من جانبه، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المواطنين العراقيين وأبناء العشائر إلى حمل السلاح ضد الإرهاب، معتبراً أنه يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الوضع الأمني في البلاد، وعلى رأس هذه الإجراءات إعلان حالة الطوارئ.
وخلال كلمة ألقاها الثلاثاء الماضي أعلن المالكي أن الحكومة اتخذت قراراً بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ومحاسبة المقصرين في نينوى، كما دعا دول الجوار للتعاون مع العراق وقطع طرق إمداد الجماعات الإرهابية.
وقال المالكي إن الجيش العراقي سيسترجع محافظة نينوى بقوة السلاح، مؤكداً انه لن يتوانى عن محاسبة المسؤولين المقصرين في الجيش، مشيراً في نفس الوقت إلى عزم السلطات العراقية على بناء جيش من المتطوعين إلى جانب الجيش النظامي.
ودعا المالكي الشعب إلى التوحد في ظل ما أسماها «الظروف الدقيقة التي تمر فيها البلاد»، مشدداً على ضرورة تناسي الخلافات في اللحظة الراهنة. وقال «ينبغي لأهل نينوى ألا يستسلموا لإرادة الارهاب وكلنا معكم».ووصف المالكي ما حصل في الموصل بالمؤامرة التي تشكل خطراً على كل العراق وليس على طرف معين. وأردف قائلاً «إن بلاده تستند للمواقف الدولية الداعمة لحربها ضد الإرهاب».
وبدورها، أعلنت منظمة الهجرة الدولية في بيان لها أن أكثر من 500 ألف شخص من المدنيين اضطروا للنزوح من الموصل والمنطقة المحيطة بعد هجوم «داعش» الذي سيطر يوم الثلاثاء الماضي على مدينة الموصل.
من جانبه، اكتفى مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي بإدانة كل الأعمال الإرهابية التي يشهدها العراق. وعلى مدى ساعتين عقد اعضاء المجلس مشاورات مغلقة في نيويورك، استمعوا خلالها بالخصوص الى عرض بشأن الوضع في العراق من المبعوث الاممي الى هناك، نيكولاي مالدينوف، الذي تحدث اليهم عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة.
وفي ختام الاجتماع عبر المجلس بإجماع اعضائه عن دعمه الكامل للحكومة والشعب العراقيين في تصديهما لـ«داعش». وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين إن الأزمة الحالية قد تكون نقطة بداية أخرى من أجل حوار وطني يناقش جميع القضايا العالقة.
وأضاف تشوركين أنه من الضروري الآن أن يتوصل الفرقاء السياسيون في العراق إلى توافق عاجل من أجل محاربة فعالة للإرهاب.
من ناحيتها، أعربت الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي عن خيبة أملها من رد القوات العراقية على التقدم السريع للمتشددين الذين اجتاحوا مدنا عراقية على مدى الأيام القليلة الماضية.
وقالت جين بساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية «إن أحداث الأيام الماضية نذير خطر.. يوجد خلل هيكلي واضح ونحن محبطون من الخطوات التي اتخذها عدد من قوات الأمن». وأكدت موقف الرئىس أوباما الذي قال إنه يدرس جميع الخيارات، عدا إرسال قوات أميركية إلى العراق.
وبدوره، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال اتصال أجراه بالمالكي أن ايران ستبذل كافة الجهود على الساحة الدولية والإقليمية لمنع تصدير الإرهاب إلى العراق. وشدد على أن ايران لن تسمح للأطراف الداعمة للإرهاب أن تضرب أمن واستقرارالعراق، وأعرب عن أسفه للجرائم التي ارتكبت في حق الشعب العراقي من قبل الجماعات التكفيرية كما وصفها، مؤكداً على ضرورة محاربة الإرهاب ومواجهته.
Leave a Reply