وليد مرمر – «صدى الوطن»
قبل أسابيع، عندما وصل إلى بيروت مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى المبعوث الأميركي ديفيد شنكر خلفاً لديفيد ساترفيلد لمتابعة ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، كان يحمل إلى المسؤولين اللبنانيين رسالة واضحة وحاسمة: لديكم ستة أشهر للموافقة النهائية على ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل… وإلا…!
مهلة الستة أشهر تنتهي في مطلع شهر آذار (مارس) القادم.
يروى أن السفيرة الأميركية السابقة أبلغت الوزير السابق نهاد المشنوق لدى استثنائه من حكومة العهد الثانية أن «لا تهتم فإن هذه الحكومة لن تدوم حتى الصيف»!
ويقال أيضاً إنه لدى زيارته الأخيرة للإمارات العربية المتحدة، سمع الرئيس سعد الحريري ما مضمونه أن حجم الضغوطات كبير جداً والكارثة القادمة لن يتحملها لبنان إلا إذا تم تنفيذ كل الشروط الدولية!
ونقل عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لدى سؤاله عن الأزمة اللبنانية أن اللبنانيين سيأتون مهرولين إلينا في شهر مارس.
لا شك أن لبنان يمر في أزمة قد تعصف بكل الثوابت السياسية والأمنية القائمة منذ عقود. والمشروع الأميركي–الإسرائيلي–الإماراتي يمتد من إيران والعراق إلى لبنان مروراً بسوريا. ويوم الخميس الماضي. أكد الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» في العراق أن هذا المشروع الثلاثي يعمد إلى استغلال المظاهرات للتخريب لافتا إلى أن أحد أسباب استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي هو رفضه طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسليمه جزءاً من النفط العراقي مقابل إعادة إعمار العراق.
فماذا يريد الثلاثي الأميركي–الإسرائيلي–الإماراتي من لبنان مقابل رفع الضغوط السياسية والاقتصادية والمالية؟
لقد ابتدأت الأزمة اللبنانية بمظاهرات عفوية في أيامها الأولى لاقت تأييد معظم الشعب اللبناني. ثم ما لبثت أن أصبحت مجرد حوادث شغب تهدف إلى الفوضى والتخريب وقطع الطرقات، كما استعمل في شكل غير مسبوق كم هائل من السباب والشتائم، وقوبلت كل الحلول المطروحة بغوغائية وفوضائية، إضافة إلى غياب الرؤية والقيادة وعدم وجود مشروع واضح. وبذلك خسرت «الثورة» غطاءها الشعبي سيما بعد تقاطع كل مطالبها لاحقاً، وبشكل مريب، مع المطالب الأميركية! وبذلك انحصرت المطالب بإيعاز أميركي واضح بمطلبين اثنين: حكومة تكنوقراط خالصة تضرب بعرض الحائط ننائج الانتخابات الأخيرة، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة لتجريد الأكثرية الحالية من قوتها.
في الأسابيع الفائتة، حاولت قوى الأكثرية جاهدة إقناع الرئيس الحريري بقبول إعادة تكليفه مكتفية بتمثيل ضئيل لها في الحكومة المرتقبة لا يتجاوز مقعداً عن كل مكون سياسي بلا حقيبة. على أن تكون الوزارات المتبقية من حصة التكنوقراط. لكن الرئيس الحريري رفض بشكل قاطع ترؤس أية حكومة تضم سياسيين!
بهذا، اتضح المشهد ولم يعد ثمة أي لبس فيه: المطلوب تسليم البلد لمجموعة من «الاختصاصيين» يسميهم البنك الدولي ليقيموا الاتفاقات ويخصخصوا ما تبقى لدى الدولة من قطاعات حيوية…
هذا فحوى ما تسرب حول تسلم الحريري من البنك الدولي للائحة بأسماء 18 وزيراً للاختيار منها، على أن تعمل الحكومة الجديدة، التي ستُعطى امتيازات تشريعية من دون الرجوع لمجلس النواب، على إقرار الاتفاقات المصيرية في هذه الحقبة وأهمها توسيع مهمة «اليونيفيل» لتشمل الوصاية على المطار والمرفأ والمعابر الحدودية مع سوريا ومصرف لبنان. كما وستقوم هذه الحكومة بخصخصة القطاعات الوحيدة التي تدر أموالاً على الدولة كالاتصالات والطاقة. كما وسيكون كذلك على حكومة التكنوقراط توطين الفلسطينيين والسوريين تطبيقاً لـ«صفقة القرن» ولإحداث تغيير ديموغرافي يعطي الطائفة السنية الأكثرية العددية.
وأخيراً، سيكون من مهام الحكومة المطلوبة إجراء انتخابات نيابية مبكرة لتغيير الأكثرية الحالية المحسوبة على محور المقاومة.
المواجهة
نظراً لكل هذه المعطيات الخطيرة، كان لا بد أن تعمد القوى السياسية المناهضة للمشاريع التخريبية إلى سحب البساط من تحت أرجل المتربصين والمصطادين في الماء العكر في الداخل والخارج. فعمدت الأكثرية النيابية نهار الخميس الماضي إلى تسمية الدكتور حسان دياب لتشكيل الحكومة المقبلة. وقد حاز الدكتور دياب على 69 صوتاً فيما حاز مرشح أميركا–الإمارات–إسرائيل–الحراك، نواف سلام، على 13 صوتاً فقط فيما امتنع 42 نائباً عن تسمية أحد لرئاسة الحكومة.
الكتل التي سمت دياب، كانت كتلة «الوفاء للمقاومة»، و«التنمية والتحرير»، و«تكتل لبنان القوي» و«القومي»، أما كتلة «المستقبل» التي يرأسها الحريري وكتلة «القوات اللبنانية» فامتنعتا عن تسمية أحد.
دياب، الذي يبلغ من العمر 60 عاماً، تولى حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة نجيب ميقاتي في لبنان في الفترة ما بين عامي 2011 و2014 وهو يعمل حالياً نائباً لرئيس الجامعة الأميركية في بيروت للبرامج الخارجية الإقليمية، كما شغل منصب العميد المؤسس لكلية الهندسة، والرئيس المؤسس بين عامي 2004–2006 في «جامعة ظفار» في مدينة مسقط بسلطنة عمان. ويحمل دياب شهادة البكالوريوس في الاتصالات، ودرجة الماجستير في هندسة نظم الكومبيوتر، والدكتوراه في هندسة الكمبيوتر، التي حصل عليها في عام 1985.
وقد صرح الرئيس المكلف عقب تسميته لتشكيل الحكومة قائلاً: «سأعمل جاهداً لتشكيل الحكومة في أسرع وقت بالتشاور مع رؤساء الحكومات السابقين والكتل النيابية والنواب وسأتوسع بالمشاورات لتشمل القوى السياسية والأحزاب والحراك. إن المرحلة دقيقة جداً وحساسة وتتطلب جهد وتضافر كل القوى السياسية لأننا نواجه أزمة وطنية لا تسمح بترف المعارك الشخصية بل بالدعوة إلى وحدة وطنية تحصل للبلد وتعطي دفعاً لعملية الإنقاذ التي يجب أن تكون أولوية للخروج من حالة الشك إلى اليقين وإستعادة ثقة الشعب». وأضاف دياب «من موقعي كمستقل أتوجه إلى الشعب بصدق وشفافية لأؤكد أن هذه الانتفاضة أعادت تصويب الحياة السياسية، أنتم مصدر السلطات فعلاً لا قولاً. على مدى 64 يوماً استمعت إلى أصواتكم التي تعبر عن وجع وغضب من استفحال الفساد، وهذه الانتفاضة تمثلني وتمثل كل من يرغب بدولة العدالة والقانون. هذه الأصوات يجب أن تبقى جرس إنذار وأن اللبنانيين لن يسمحوا بالعودة إلى ما قبل 17 تشرين، وبناء المستقبل لا يكون إلا بالتفاعل مع مطالب الشعب».
ورغم أن دياب قد قارب الحراك بشفافية ومحاباة ظاهرة إلا أنه وفي رده على أحد الصحافيين لم يستبعد تأليف حكومة تكنوسياسية وهو ما ترفضه المنظمات غير الحكومية المنخرطة في الحراك والمدعومة أميركياً.
وبالفعل، سارع الحراك إلى محاولة حرق اسم دياب عبر التفتيش عبثاً ومن دون جدوى عن أي شيء في تاريخه ممكن أن يشي بأنه كان قريباً من الفساد. كما سارعت القواعد «المستقبلية» للنزول إلى الشارع وقطع الطرقات استنكاراً لتسمية دياب وتأييداً للحريري الذي عزف عن الترشح رغم كل التنازلات التي قدمتها له أطراف ما كان يعرف بـ«8 آذار».
ماذا بعد؟
يعتقد البعض أن الرئيس المكلف لن ينجح في تأليف الحكومة بأي شكل من الأشكال وهو سوف يصطدم بعقبات التمثيل الطائفي والبيان الوزاري وغيرها من العقد السياسية. لكن دياب قد أكد بأنه لن يعتذر بأي شكل من الأشكال وأنه سيقدم التشكيلة الحكومية إلى المجلس النيابي في وقت قياسي.
حتى اللحظة امتنعت الولايات المتحدة عن التعليق سلباً أو إيجاباً على تسمية دياب. وفيما يعتبر البعض أن خيار دياب هو خيار مواجهة إلا إن الواقع بأنه جاء كـ«ضربة معلم»، ذلك أن الأكثرية النيابية قد سمت دياب وهو شخصية مستقلة وعلى مسافة واحدة من كل الأطراف وهي لم تسم أحداً من نواب «8 آذار» أو حتى المقربين منهم. وهي تتوجه إلى تأليف حكومة تكنوقراط مصنوعة في لبنان وليس في الخارج.
لقد اختار الحريري أن يرضخ للشروط الأميركية ولم يكن رجل دولة في هذا الوقت العصيب من تاريخ لبنان. لذلك كان على القوى السياسية التي تمثل الأكثرية أن تختار أحد أمرين كلاهما مرّ: إما النزول عند رغبة الأميركي وتسليم أمر لبنان لحكومة ذل وعار يشكلها صندوق النقد الدولي ويصفق لها الحراك، أو القيام بالواجب الوطني وتأليف حكومة إنقاذية غير استفزازية يكون على عاتقها الخروج من الأزمة الراهنة.
هو تحدٍّ سيكون في غاية الصعوبة، إن قرر المجتمع الدولي مقاطعة الحكومة الجديدة أو حتى مواجهتها!
Leave a Reply