لم تكد تمضي بضعة أيام على استقالة عضوة مجلس ديربورن التربوي إيرين واتس لدواعٍ عائلية، حتى فاجأ زميلها في المجلس، حسين بري، المنطقة التعليمية، بتقديم استقالته دون أي مقدمات ودون إبداء أية أعذار موجبة، أو حتى ملفقة، لتبرير قراره الذي جاء في وقت حساس للغاية، متجاهلاً بذلك، أبسط مبادئ المسؤولية والمناقبية.
بري كان قد أعلن في بدايات الشهر الجاري عن ترشحه لخوض انتخابات مجلس شيوخ ولاية ميشيغن في العام القادم، عن «الدائرة الثانية» التي تضم كامل مدينتي ديربورن وديربورن هايتس وأجزاء من مدينتي ديترويت وآلن بارك.
وإذ يبدو من المعقول –وإن لم يكن من المقنع تماماً– أن يتذرع الرجل بحملته الانتخابية الطموحة لتبرير تخليه عن مسؤولياته في المجلس التربوي، إلا أن بري لم يكلّف خاطره حتى بذكر ذلك، غير آبهٍ بتساؤلات الناخبين في المنطقة التعليمية قبل أيام قليلة من عودة أبنائهم إلى المدارس، واضعاً المجلس الذي يشرف على مدارس ديربورن وكلية هنري فورد، في عنق الزجاجة، من خلال استقالة اثنين من أعضائه السبعة في غضون بضعة أيام فقط.
ومن شأن انخفاض عدد الأعضاء إلى خمسة أن يعقد من عملية ملء المقعدين الشاغرين، فضلاً عن أن المجلس قد يضطر قريباً إلى تعيين مشرف عام جديد على مدارس ديربورن في حال تم اختيار المشرف الحالي الدكتور غلين ماليكو لإدارة المدارس العامة في عموم ولاية ميشيغن.
ومن المثير للاستغراب فعلاً أن يلجأ بري إلى مثل هذه الخطوة غير المدروسة، والتي تظهر لامبالاة واضحة تجاه ناخبي المنطقة التعليمية التي تخدم زهاء عشرين ألف طالب معظمهم من العرب الأميركيين، رغم أنه للمفارقة، هو بأشد الحاجة لأصوات هؤلاء في حال كان يرغب فعلاً بالمنافسة الجدية في سباق مجلس شيوخ الولاية ضمن انتخابات العام 2026.
هكذا، استقال بري من منصبه في وقت يواجه فيه المجلس العديد من الاستحقاقات الهامة والملحة، وفي مقدمتها اختيار عضو بديل لواتس خلال مهلة أقصاها 30 يوماً، مضيفاً بذلك عبئاً غير متوقع لتعيين عضو ثانٍ من قبل زملائه الخمسة المتبقين الذين وجدوا أنفسهم في «حيص بيص» أمام المعضلة الجديدة، مما دفعهم إلى إعادة تفحص اللوائح الداخلية للمجلس واستشارة المنظمات التربوية، بالإضافة إلى طلب المساعدة من محامي المنطقة التعليمية لإيجاد الطريقة الدستورية المناسبة لملء المقعدين الشاغرين.
ويحدّد النظام الداخلي مهلة 30 يوماً لملء أي مقعد شاغر نتيجة استقالة أو وفاة أحد أعضاء المجلس المنتخبين، وذلك لحين إجراء أول انتخابات قادمة، والتي تصادف في هذه الدورة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2026. ولكن ما أن فتح المجلس باب التقدم لطلبات الراغبين بملء المقعد الشاغر بسبب استقالة واتس، حتى اضطر لفتح الباب مجدداً أمام الراغبين بملء مقعد بري.
وفي الأحوال الطبيعية، يتم اختيار العضو البديل عبر التصويت، وبأغلبية الأعضاء الستة بعد مقابلة جميع المتقدمين، وفي حال تعادل الأصوات تتم إعادة التصويت مرة أخرى، وفي حال عدم كسر التعادل تحال عملية التعيين إلى المجلس التربوي بمقاطعة وين (ريسا).
ولكن استقالة بري أنتجت وضعاً غير مسبوق، مثيرة العديد من الأسئلة المشروعة حول آليات اختيار البديلين الأول والثاني. فهل يتعين على المجلس أولاً اختيار عضو بديل لواتس، ومن ثم إشراكه في عملية انتخاب العضو البديل عن بري؟ وهل يجب اختيار البديلين عبر عمليتين منفصلتين أم عبر عملية واحدة؟ وما هو نصاب الأغلبية المؤهلة لاختيار كلا البديلين؟ هل هو ثلاثة من أصل خمسة أصوات، أم أربعة من أصل ستة أصوات؟ ومثل هذه التساؤلات كلفت أعضاء المجلس الخمسة الحاليين الكثير من الجهد والوقت الذي أفضى أخيراً إلى قرار المجلس بأن يتم تعيين كلا البديلين (عن واتس وبري) ضمن عملية واحدة عبر التصويت بأغلبية ثلاثة من أصل الأعضاء الخمسة المتبقين حالياً في المجلس، وهم: عادل معزب وعامر زهر وجمال الجهمي وباتريك دامبروزيو وماري بتليشكوف.
وكان بالإمكان تفادي كل هذه المعمعة، لو أن بري كلف نفسه وأجّل قرار استقالته لمدة أسبوعين على أكثر تقدير، لاسيما وأنه مازال أمامه متسع من الوقت للتفرغ لحملته الانتخابية المزعومة لتمثيل منطقة ديربورن في مجلس شيوخ الولاية. ولكن يبدو أن الرجل الذي انتخب ثلاث مرات لعضوية مجلس ديربورن التربوي كان على عجلة من أمره.. ربما فقط، لتكبيد زملائه هذه المهمة الشاقة!
استحقاقات المجلس التعلdمي لا تتوقف عند تعيين العضوين البديلين خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، وإنما تتضمن أيضاً استحقاقات أكثر أهمية وأثقل مسؤولية خلال الفترة القادمة، من بينها اختيار رئيس جديد لكلية هنري فورد خلفاً للرئيس السابق راسل كافالونا، وكذلك التحضير لإعداد وطرح سندات دين في الانتخابات القادمة، لتعزيز موارد المنطقة التعليمية التي تشرف على جميع المدارس العامة في ديربورن وأجزاء من ديربورن هايتس، فضلاً عن احتمالية اختيار مشرف عام جديد لمدارس ديربورن في حال تنحي ماليكو.
وإلى جانب حساسية تعيين رئيس جديد لكلية هنري فورد التي تضم أكثر من عشرة آلاف طالب، والتي تزيد ميزانيتها التشغيلية على مئة مليون دولار سنوياً، يواجه أعضاء المجلس تحدياً آخر يحتاج إلى أعضاء من ذوي الخبرة لإعداد المقترح الضريبي الذي لم يتوصل المجلس بعد إلى تحديد حجم المبلغ التي سيسعى إلى اقتراضه، مما يهدد فرص عرض الاستفتاء من أصله.
وقد يكون أمام المجلس استحقاق إضافي يكاد يكون الأكثر أهمية في حال شغور منصب المشرف العام على مدارس ديربورن، إذ اختار المجلس التربوي بولاية ميشيغن الدكتور غلين ماليكو من بين ثلاثة مرشحين نهائيين لشغل منصب المشرف على مدارس الولاية.
وإذا ما تم اختيار ماليكو لتولي مهام الإشراف على التعليم العام بالولاية بحلول 26 أغسطس الجاري، وهو الأمر الأكثر ترجيحاً، فيتوجب عندئذ على مجلس ديربورن التربوي إيجاد بديل له في أسرع وقت ممكن، مع بداية السنة الدراسية الجديدة.
يبدو من الواضح أن بري قد نحّى جميع هذه المسؤوليات عن عاتقه باستقالته المفاجئة، ملقياً كل العبء على زملائه دون حتى تقديم أي تبرير لخطوته المفاجئة التي جاءت بأثر فوري، حتى ولو من باب احترام الزمالة كما فعلت إيرين واتس التي تركت منصبها بكل احترام ومراعاة لمشاعر وثقة ناخبيها، حين بررت الاستقالة بمغادرتها للعيش مع عائلتها في منطقة أخرى، حيث تقتضي لوائح مجلس ديربورن التربوي أن يكون الأعضاء من سكان المنطقة التعليمية.
ولا يصح أي كلام في المشهد المعقد الذي سببه بري باستقالته الأخيرة، سوى ترديد المثل الشعبي القائل: «جيتك يا عبد المعين تعين، لقيتك يا عبد المعين تنعان!»، والأنكى أن العضو اللبناني الوحيد في مجلس ديربورن التربوي يطرح نفسه كمرشح محتمل لتمثيل المجتمع المحلي كسناتور تحت قبة الكابيتول في لانسنغ، في حين أن تجاربه الانتخابية السابقة –خارج إطار المجلس التربوي– منيت بفشل ذريع سواء في سباق مجلس نواب ميشيغن عام 2012 حين جمع 1,725 صوتاً، أو سباق رئاسة بلدية ديربورن في عام 2021 حين لم يتخط رصيده 821 صوتاً فقط لا غير.
«صدى الوطن»
Leave a Reply