لم أكن أعرف الفارق بين حشيشة الكيف و”الماريجوانا” حتى وقعت في خطأ التوصيف خلال عملي على ترجمة أحدث أخبار ولاية ميشيغن عن إجازة الاستخدام الطبي لنبتة الماريجوانا من قبل المرضى “المؤهلين”. كنت قد ظننت أن الاستخدام العلاجي للماريجوانا يوفر لصاحبه ميزتين: الكيف وتسكين الأوجاع. لكن على ما يبدو، والعهدة على العارفين، أن الماريجوانا لا تمتلك كل خصائص حشيشة الكيف وبالتالي وجب علي التفريق والتصحيح خدمة للموضوعية العلمية أولاً ودفعاً لأي التباس أو اتهام بـ”الجهل” في هذه المسالة “الحساسة” التي أثارت من الغموض أكثر مما قدمت من الإيضاح في متن القانون الجديد الذي شرعت ولاية ميشيغن بتطبيقه بعدما أقره الناخبون في نوفمبر الماضي بنسبة عالية (٦٣ بالمئة).
الملفت في القانون الجديد أنه يندرج ضمن ما يعرف بمعادلة “لا تسال.. لا تخبر” المعمول بها في الولاية وهو ما يعادل بالعربية “لا مين شاف ولا مين دري” ووبمعنى أوضح: مسموح لك أن تخطئ شرط عدم المجاهرة بخطئك! فسلطات الولاية دعت الراغبين بالتحشيش لأسباب “علاجية” إلى الحصول على بطاقات هوية خاصة (ة) بمستخدمي الماريجوانا ورسم الحصول عليها ١٠٠ دولار.
وتقديري أن حكومة الولاية التي تعاني من عجز هائل في الميزانية يتهددها بالإفلاس ستجد في الإقبال على هذه البطاقات مورداً للخزينة لا يستهان به. إذا ما عرفنا أن استخدام الماريجوانا لن يقتصر على المرضى المحتاجين إلى تسكين أوجاعهم، فالمرجح أن كثرة من المتمارضين سوف يسعون إلى الاستفادة من هذه الفرصة لـ”تكييف” أوضاعهم والمجاهرة بسلوك كانوا يخفونه سابقاً.
لكن مهلاً: من يقول إن استخدام الماريجوانا أصبح مباحاً بموجب بطاقة تعريف أو ترخيص فهو مخطئ نظرياً على الأقل، لأن القانون الفدرالي أعلى وله أولوية على ما عداه.
يقال إن السلطات الفدرالية تغض الطرف عن مستخدمي الماريجوانا “لأسباب عملية” والمقصود هنا هو التطبيق الخجول للمقولة الميكافيلية: “الغاية تبرر الوسيلة”، فالغاية التي يتوخاها سكان ميشيغن وأقرانهم في اثنتي عشرة ولاية أخرى ساروا على هذه الدرب قبلاً هي تخفيف معاناة وتسكين أوجاع مرضى ميؤوس منهم أو مصابين بأمراض خطيرة لكن هذه الوسيلة تصطدم بالنصوص الفدرالية الواضحة في تصنيف تلك المادة في خانة المخدرات المراقبة والقابلة لإساءة الاستعمال.
ثمة مشكلة أخرى: الحصول على “بطاقة هوية التحشيش” يستلزم رسالة (ليس وصفة!) من الطبيب تقترح أن صاحب العلاقة بحاجة لها. غير أن أغلبية الأطباء يمتنعون عن كتابة الرسائل لمرضاهم لأسباب أخلاقية مهنية حتى يثبت أن جدوى الاستخدام تفوق مضاره.
ثمة نقطة أخرى جديرة بالاهتمام في القانون الجديد مفادها أن “الحشاشين المرخصين” عليهم تدبر أنفسهم في الحصول على النبتة التي لن تهديهم الحكومة إلى مصادرها أو توفرها لهم. ولذلك وجد القيمون على تطبيق القانون أن يعينوا وكلاء لبيع الأغراس للراغبين ليتسنى لهم إبتياعها أو زراعتها في حدائقهم الخاصة (الخلفية طبعاً) وقد لا يكون مستهجناً أن يستعيض أصحاب المنازل في قادم السنوات عن زراعة البندورة والقثى والنعناع بزراعة الماريجوانا..
وفي مجتمع الجالية العربية المصابة بلوثة النراجيل (الأراكيل) يخشى أن تتقدم الماريجوانا على “المعسل” الذي ينتظر أن تشهد أسعاره ارتفاعاً صاروخياً في الفترة القريبة القادمة وأن يغري إقتناؤها هواة النراجيل من المراهقين والمراهقات بعد الاستحصال على “تراخيص” ورسائل توصية من أطباء بلا ضمائر مهنية.
الأزمة الاقتصادية في الولاية وفي أميركا عموماً تتسبب بالأرق للكثيرين والهروب من الضغوط المعيشية قد يدفع إلى السعي وراء “بطاقة هوية جديدة”!.
هل من المجازفة القول إن مجتمعاً برمته قد يتحول إلى جيش من “الحشاشين المرخصين”؟ ربما. لكن مشهد أبناء وبنات الجيل الصاعد في مقاهي النراجيل المتكاثرة كالفطر على جوانب الشوارع في مدينة العرب لا يطمئن على الإطلاق.
لنتخيل هذا المشهد: شبان وفتيات يتحلقون حول نراجيلهم ومن أعناقهم تتدلى “رُخَصهم” الجديدة!
في حال كهذه، من يحتاج إلى رخصة قيادة؟
Leave a Reply