لم أكتب يوماً دفاعاً عن أحد أو مديحاً لأحدٍ، إلَّا أن مصطفى العمري في كتابه «إشكاليَّة الدين في أنمطة المجتمع» يستحق أن تكسر له هذه القاعدة، وبكل طيبة خاطر.
في البدء، أحب أن أنبِّه إلى أنه –وبنفس المقدار الذي لا يحتاج فيه الأستاذ العمري إلى ثنائي– لا أحتاج أنا أيضاً للثناء عليه. فشجرة عائلتينا لا تلتقيان مع أي جد.
وما يحركني.. هو الغيظ من صمت الأموات الذي يحيط بكتاب الأستاذ مصطفى العمري في جاليتنا العربية، ولولا كلمة بمجلس هنا وكتابة على استحياء هناك، لوصل الأمر إلى حد التواطؤ ضده، وكأن الكاتب لم يرمِ بحصاته في بحيرتنا الثقافيّة الدينية والاجتماعية الراكدة منذ رحيل أستاذه محمد الجابري وغيره من العلماء المتنورين الذين أبلوا بلاءً محموداً في مواجهة الخرافات في مجتمع إسلامي شلَّه النفاق والتكسب على مبدأ «يا بخت من نفّع واستنفع»، وشلّته الوصايات على جوهر الدين، والسكاكين المشحوذة وساحات المحاكم، وأُمِّية بعض رجال الدين.
كذلك.. شلَّته وعطلته مجالس العزاء والنواح ودروشات المتطفلين في الفتاوى لتكبيل المؤمنين في سلاسل من الجهل والشعوذات وغياب الانتباه عن قضايا المجتمع المصيرية، التي انتهت بأن طواها الساسة تحت آباطهم، واحتكرها بعض المتدينين الذين يجيدون قلب الطاولات فوق الرؤوس وتصفية الحسابات الشخصيَّة أكثر من إجادتهم للحوار، مبتعدين عن هموم الإنسان المسلم ومشاغله الملحَّة وأحلامه المشروعة في حياة متوازنة تليق بالآدميين.
بغض النظر عن حكمك على ما كتبه العمري في كتابه، يبقى من المجحف ألا يلقى الإشادة التي يستحقها، وإن كنت منصفاً ستقر بأنه لم يسبقه أحد في الاقتراب الشديد والشجاع من التابو، من تصوير العلاقة بين الإنسان والله، بعد عتقها من الموروث البالي، الذي يطغى فيه الخرافي على المعقول والكذب على الحقيقة.
والقاريء الواعي، لا بدّ أن يقدِّر شجاعة العمري لفرط ما نعانيه من التحسس تجاه الكتابات النقديَّة لإشكاليَّة الدين والمجتمع، إشكاليَّة العقل واللاعقل. ويستنتج أنه ماذا بقي من خطاب ديني عبر قرون مضت؟
خطاب لم يستنهض فينا شيئاً آخر غير روح المذهبيَّة والعصبيَّة الجاهلية التي جاء الدين لمواجهتها. جاهلية وعصبية أدتا إلى تراكم من الإخفاقات والكوارث بلغت ذروتها في ظهور عصابات التطرف الطائفية وبطريقة شدتنا إلى جاهليتنا الأولى في حروب بيننا وخراب أوطاننا ووصلت نيران التطرف الديني إلى البلاد التي سعينا إليها ونعيش فيها.
مع أنني من النوع الذي لا يعقد الآمال على شخصٍ واحد، إلا أنه لا بد لي من أن أتساءل: إلى أي حد سيتعافى مجتمعنا، لو قرأنا واستوعبنا “إشكالية الدين وأنمطة المجتمع”؟
Leave a Reply