غزة تحاصر الموت، أو الموت يحاصرها، غزة في ظلام دامس، لو اتّقدت شموع الدنيا سوف لن تنير شوارعها الملطخة بالدم، حواريها كانت بالأمس يلهو فيها الأطفال، هطلت عليهم عناقيد الغضب فتحولت ملهاتهم لمآسي يعيشونها حتى آخر العمر، لا أحد يدري هل أطفال غزة قدرهم أن يموتوا صغارا أم احرارا؟ لا فرق المهم أن يلعب الكبار وأن يحتفظوا بكراسيهم المذهبة وأن تبقى على رؤوسهم تيجان مرصعة باللؤلؤ والألماس!يا أطفال غزة الميامين لا تقنطوا ولا تحزنوا فالنصر قادم لا محالة، بالأمس زعماء أمتكم العربية ابتاعوا أسلحة أميركية بعشرات المليارات، ستؤهل جيوش العرب لتلقين إسرائيل درسا ويجعلونها تكفّ يدها عنكم، اطمأنوا هم لم ينسوكم، فقط هم يكدسون الأسلحة منذ ثلاثين سنة إستعدادا لمعركة فاصلة، وقد وصل حجم مشترياتهم منها حتى الآن ألف وخمسمائة مليار دولار، وسيأتي يوم لهذه الجيوش لتحرركم وتحرر الأقصى، مثلما حرره صلاح الدين، فهذا أيها الأعزاء حرر القدس من الصليبيين بعد أن عاثوا فيها فسادا سبعة وثمانين عاما، دخلها وهو يحمل في يد منبرا للمسجد الأقصى وكفنا في اليد الأخرى وحين سئل قال «إذا انتصرنا فهذا منبر أضعه في الأقصى، وإن استشهدت فهذا كفني». لله درّ العرب كم هم مجرمون بحق الفلسطينيين عموما وأهل غزة على وجه الخصوص، كيف يرون مدينة عربية، هي آخر معاقل المقاومة الفلسطينية، يذبح أهلها ويموتون جوعا وعطشا وبردا، وهم في قصورهم على الأرائك متكئون ومع الغانيات لاهون وبالمليارات يعبثون، هؤلاء إن لم تحاسبهم شعوبهم، وتزلزل أركان حكمهم، وتقطع رؤوسهم رميا بالرصاص أو المشنقة، لن يفلتوا من عقاب مليك مقتدر سيحاسبهم حسابا عسيرا. البعض ممن يعتبرون أنفسهم «مثقفين» في العالم العربي يطلّون علينا عبر الشاشات الفضائية ويسدوا نصائحهم الغبراء للشعب الفلسطيني: أن أوقفوا قصف المستوطنات الإسرائيلية بالصواريخ. وحينها ترفع إسرائيل عنكم الحصار وتوقف هجومها عليكم وتدميركم وقتل أطفالكم.هؤلاء لا أدري بأي منطق يتحدثون، وأي تجربة في الدنيا يستقون منها خبراتهم، فإسرائيل على مدى العشرين سنة الماضية لم تنسحب من أرض احتلتها إلا بالقوة، ودليل ذلك الجنوب اللبناني وقطاع غزة، فهي لم تنفع معها المفاوضات ولا الدبلوماسية ولا حتى الإستسلام، ثم إن المقاومة حق مشروع كفلته الشرائع الأرضية والسماوية، فكيف تطالبوا غزة والمقاومة الفلسطينية بالركوع، ولا زال أربعة ملايين فلسطيني يعيشون البؤس في مخيمات الشتات ولا زالت القدس يدنسّها الإسرائيليون والضفة الغربية مقطعة أوصالها ومتناثرة فيها مئات المستوطنات، بل كيف يفرج الكيان الصهيوني عن عشرة آلاف أسير في السجون.ولكن ماذا عسى الفلسطينيون أن يفعلوا والعدو الصهيوني يقفل عليهم من ثلاث جهات، وحرس الحدود المصري المكبّل بإتفاقات كامب ديفيد يصدّهم من الجهة الرابعة، فيما الأنظمة العربية صامتة ومتواطئة، والولايات المتحدة أسقطت قرارا في مجلس الأمن الأسبوع الماضي طالب إسرائيل برفع الحصار عن غزة خشية حدوث كارثة إنسانية.تدفق المئات أو الآلاف من الغزيين إلى رفح المصرية لإدخال أغذية وأدوية إلى القطاع المحاصر لن يكن هو الحل، والتظاهرات العارمة في العواصم العربية والإسلامية لن تجدي المحاصرين نفعا، والإتصالات الدبلوماسية لن توقف أولمرت وباراك عن خطتهما الهادفة إلى تركيع غزة، وهم ماضون فيها اسابيع وأشهرا لحين عودة جورج بوش إلى تل أبيب في مايو القادم، وحينها تكون الطريق أمامه ممهدة لفرض حل نهائي لعموم القضية الفلسطينية.فهل يا ترى تقبل قيادة المقاومة الفلسطينية والقوى الإقليمية المتحالفة معها أن تخسر قلعة صمود في عمق الأراضي المحتلة طالما كانت شوكة في حلق إسرائيل، أم أنها ستبادر إلى تفتيح جبهات إضافية للإشتباك تخرج غزة من محنتها، قد تطال الضفة الغربية والحدود المصرية والجنوب اللبناني وربما تفضي إلى حرب!
Leave a Reply