فـي الأسبوع الماضي، حضر النائب فـي ولاية ميشيغن الكلداني الأميركي كلينت كيستو ورجل الأعمال مارك عربو المؤتمر العام «للجنة الأميركية الإسرائيلية للعمل السياسي» (ايباك الإسرائيلية). لكنهما لم يستترا من هذه المعصية الإنسانية والأخلاقية، بل جاهرا بها وملأا صفحات وسائل التواصل الاجتماعي معبرين عن ولعهما بإسرائيل ودعوتهما لحماية المسيحيين العراقيين – أحيانا فـي البوست نفسه–كما لو ان هاتين القضيتين مرتبطتان ببعضهما البعض.
هذا العمل الأخرق مؤلم وخاطيء فـي الحسابات المبدئية ومسيء لتاريخ الجالية الكلدانية الوطني والسياسي، من قبل شخصين يدَّعيان تمثيل الجالية المسيحية العراقية.
ففـي حسابه على تويتر، تباهى المدعو مارك عربو فـي تغريدة له ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إنَّه «يجب على براثن إيران الإرهابية أن لا تستمر».
إذْ أنَّ مؤتمر «ايباك»، مثل عادته فـي كل سنة، كان مهرجان كراهية ضد إيران التي لديها مستشارون عسكريون فـي العراق يساعدون فعلاً لا قولاً فـي محاربة الإرهابيين التكفـيريين الذين يبيدون طائفة المسيحيين وغيرهم من الأقليات وحتى المسلمين. هذا ما تقوم به إيران ومحور المقاومة فـي لبنان وسوريا والعراق واليمن وكأن هذا المحور أصبح خط الدفاع الأمامي عن العالم وبالأخص المسيحيين ضد مجازر «داعش»، بينما كشف تقرير للأمم المتحدة فـي شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام ٢٠١٤، أن الجيش الإسرائيلي يقوم بمساعدة المتمردين السوريين، بما فـي ذلك «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة» بالقرب من مرتفعات الجولان السورية المحتلَّة. وتدور حالياً معركة طاحنة فـي القنيطرة بين الجيش السوري و«حزب الله» من جهة والتكفـيريين المسنودين من المحتل الاسرائيلي من جهة أخرى، من أجل ضمان عدم الحزام الأمني الإسرائيلي التكفـيري.
حتى ان الجنرال مارتن ديمبسي القائد المشترك للقوات الأميركية المسلحة اعترف الأسبوع الماضي امام لجنة الدفاع فـي الكونغرس الأميركي ان التدخل الإيراني ضد «داعش» فـي العراق قد يكون ايجابياً فـي الحرب على هذا التنظيم الإرهابي.
وتبقى إسرائيل أصل كل بلاء العالم العربي بشكلٍ عام، والعراق بكل مكوناته بشكلٍ خاص. فهي التي كانت تخاف شوكة الجيش العراقي، كما السوري بالأمس، وهي التي ضغطت على الولايات المتحدة لغزو العراق، مما جعل البلد ساحة مستباحة ومفتوحة للإرهابيين الذين يستهدفون المسيحيين وينكلون بهم اليوم. فلا توجد مصلحة بتاتاً لدى الدولة الصهيونية بإحلال السلام والتعايش السلمي بين جميع الطوائف الدينية فـي العالم العربي حتى لا يتوحد ضدها، كما لا مصلحة لها باستقرار العالم العربي لأن هذا يوقف ابتزازها للغرب ويمنع الحروب الإسرائيلية المتكرِّرة. إسرائيل لا تعتاش ولا تتغذى إلا بالحرب والعراق بشعبه وحضارته وأديانه كان من أكبر المنافسين للكيان المصطنع، كما أن تل أبيب يفصلها بلدان عن العراق وليست لديها القدرة أو النية لحماية المسيحيين العراقيين.
أضف الى ذلك وجود ٢٠٠ ألف مسيحي فلسطيني فـي الضفة الغربية يعيشون تحت الفصل العنصري القسري الإسرائيلي الذي صُمِّم لغلبة العنصر اليهودي على كل الطوائف الأخرى. وقد حوَّل الإحتلال الإسرائيلي بلدة بيت لحم، مهد السيد المسيح (ع)، إلى سجن مفتوح ويحيط بهذه المدينة المقدسة من ثلاث جهات جدار خرساني من الظلم. وفـي العام الماضي، قام قداسة البابا فرانسيس بالتوقف فجأةً خارج نطاق جدول عمله المقرر، أمام جدار الفصل العنصري وطفق يصلي بصمت أمام الحائط بمحاذاة عبارات جدارية مرشوشة (غرافـيتي) تدعو لتحرير فلسطين.
فـي عام ٢٠٠٩، وقّعتْ ١٣ كنيسة من الكنائس الفلسطينية وثيقة بعنوان «كايروس» تصف الاحتلال الإسرائيلي بأنه «خطيئة ضد الله»، داعية المسيحيين فـي العالم للعمل على وضع حد لهذا الاحتلال البغيض.
المآسي التي تواجه المسيحيين فـي العالم العربي هي أكثر مقارنة مع محنة الشعب الفلسطيني القابع تحت التعسف والظلم الصهيوني. وفـي حين أن اليهود الإسرائيليين والمسيحيين على حد سواء هم من الأقليات الدينية فـي الشرق الأوسط، الا أن المسيحيين العرب اندمجوا غالباً وساهموا فـي رفعة وعزة محيطهم الإسلامي العربي الأكبر. فقد قاد المسيحيون فـي الواقع بأنفسهم تقريباً النهضة الأدبية العربية التي أسهمت فـي بلورة فكرة القومية العربية. وعلى النقيض من ذلك يعيش الإسرائيليون معزولين عن بقية العالم العربي مع عدم وجود تفاعل بينهم وبين محيطهم الجغرافـي إلاّ من خلال الحرب والقتل والدمار.
هذان «النشيطان» الكلدانيان يتحدثان علناً ضد اضطهاد المسيحيين من قبل «داعش» بينما يؤيدان إسرائيل التي تقتلع الفلسطينيين – بما فـيهم المسيحيون- من أرضهم ومن منازلهم عن طريق القتل والتدمير والتهجير منذ عام ١٩٤٨.
وعندما يحضر أنصار لإسرائيل من الجالية الكلدانية مؤتمر «ايباك الإسرائيلية»، فهم يكونون قد تغاضوا عن نفس الوحشية التي تواجه شعبهم. كيستو وعربو يعرفان أن دعمهما لإسرائيل يتعارض مع المثل المسيحية ويضر بالعراق وبقضية الكلدان فـي جميع أنحاء العالم. ويشكلان معاً صوتين انتهازيين لا قيمة ولا وزن لهما على الأرض.
لقد غرد كريستو، خارج سربه، فـي حسابه على تويتر بالقول فـي مؤتمر «ايباك الإسرائيلية» الذي عُقد فـي واشنطن العاصمة، عملنا مع أعضاء الجالية اليهودية للمساعدة فـي دعم نشر الحرية فـي الشرق الأوسط. حرية التعبير والدين هما الضالتان المنشودتان!.
العمل مع المنظمات اليهودية المحلية بشأن القضايا التي تهم العرب والكلدان واليهود، مثل الحقوق المدنية والتمثيل العادل، من شأنه أنْ يساعد على توثيق التعاون بين الجاليات العرقية والدينية المتنوعة لتحقيق الأهداف المشتركة وهذا يُشجَّع عليه. ونحن فـي «صدى الوطن» أقمنا شراكة مع مطبوعة «أخبار ديترويت اليهودية» كجزء من العمل ضمن منظومة اتحاد «وسائل الإعلام الجديدة فـي ميشيغن». غير أن الأمر مع «ايباك الإسرائيلية» مختلف فهي ليست منظمة أهلية ولا مدنية بل هي جماعة ضغط «لوبي» يعمل فـي السياسة الخارجية للدفاع بجنون عن جرائم الكيان الصهيوني، حتى على حساب مصالح أميركا، وهو الكيان الذي ساهم فـي محنة المسيحيين العراقيين.
لقد حاول كيستو إهانة ذكائنا بالادعاء أنه أراد من خلال حضور مؤتمر «ايباك الإسرائيلية» فـي واشنطن الوقوف مع الجالية اليهودية ودعم الحرية الدينية، لكن هذا محض كذب وافتراء. الحقيقية التي لا لبس فـيها هي ان هذا المشرِّع المبتدىء من ميشيغن كان يقف مع الحكومة اليمينية المتطرفة فـي إسرائيل لدعم طموحاته الانتخابية وأجندته السياسية الخاصة، لا من اجل الحرية الدينية ولا يحزنون ولا حتى لصالح الكلدان الذين هم أكثر المتضررين من هذا الفِعل الشائن ومن ثمّ عليهم التبرؤ منه.
Leave a Reply