حسن خليفة – «صدى الوطن»
أثار القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل نحو أسبوعين، والقاضي بمنع استقبال المهاجرين واللاجئين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، الكثير من الالتباس والمواقف المتضاربة من قبل المسؤولين الحكوميين، على جميع المستويات ومن مختلف ألوان الطيف السياسي، لدرجة تركت العديد من المؤسسات الفدرالية -مثل «إدارة أمن المواصلات» (تي أس أي) و«إدارة الجمارك وحماية الحدود» (سي بي بي)- في حيرة من أمرها، مما تسبب في اضطراب الرحلات الجوية وإجراءات استقبال المسافرين في المطارات الأميركية والعالمية.
وبعد معارك قضائية أمام المحاكم الفدرالية، قضت محكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو مساء الخميس الماضي بمواصلة تعليق قرار ترامب التنفيذي، الذي يبدو أنه في طريقه إلى المحكمة الأميركية العليا للبت في القضية.
لكي نفهم حقيقة قرار حظر السفر الذي أثار كل ذلك الجدل في البلاد، كان من الضروري أن نبدأ بمواكبة تسلسل الأحداث وردود الأفعال التي رافقت صدور القرار الرئاسي وتداعياته:
حثيثيات القرار وتداعياته
في 27 كانون الثاني (يناير) الماضي، وقّع الرئيس دونالد ترامب قراراً تنفيذياً وصف بأنه ترجمة لوعوده الانتخابية بحظر دخول المسلمين، والتي أطلقها على خلفية الهجمات الإرهابية التي ضربت مدناً أوروبية وأميركية عديدة.
وتضمن قرار ترامب المثير للجدل، تعليقاً لبرنامج استقبال اللاجئين من جميع دول العالم، إضافة إلى منع استقبال مواطني سبع دول عربية وإسلامية (سوريا واليمن والعراق وإيران وليبيا والصومال والسودان) لمدة ٩٠ يوماً، مضافاً إلى ذلك أيضاً حظر استقبال اللاجئين السوريين تحديداً لأجل غير مسمى.
ويطلب أمر ترامب من «دائرة أمن المواصلات» (تي أس أي) و«إدارة الجمارك وحماية الحدود» (سي بي بي) ووزارة الأمن الداخلي (دي أتش أس) و«دائرة التجنيس وخدمات الهجرة الأميركية»، بتعليق استقبال المسافرين من مواطني الدول السبع، ريثما يتم التأكد من وضع آلية دقيقة لفحص هؤلاء أمنياً لاسيما وأن تلك الدول لا تزود الحكومة الأميركية بالوثائق المطلوبة للتأكد من هوية مواطنيها، بحسب ما جاء في متن قرار ترامب.
وتسبب قرار ترامب بموجة احتجاجات واسعة، خاصة وأنه تضمن إلغاء تأشيرات السفر للطلاب والعاملين وأقرباء مواطنين أميركيين، كما مُنع -وبشكل مفاجئ- مسافرون من أصحاب بطاقات الإقامة الدائمة (غرين كارد) من العودة إلى الولايات المتحدة لمجرد كونهم من مواطني الدول المحظورة، مما شكل تحدياً قانونياً لإدارة ترامب بسبب الضرر الذي لحق بحقوق أولئك.
ووفقا لبيانات وزارة العدل الأميركية الصادرة في 4 شباط (فبراير) الجاري، فقد منعت سلطات المطارات حول العالم حوالي 60 ألف مسافر من التوجه إلى الولايات المتحدة، كما تم إلغاء حوالي 100 ألف تأشيرة سفر.
معركة قضائية
وعمت الاحتجاجات المطارات الأميركية فور صدور قرار ترامب، تزامناً مع تحرك حقوقي واسع بغطاء سياسي وإعلامي وشعبي، تمكن من تعطيل الأمر الرئاسي باستصدار قرارات من محاكم فدرالية في أنحاء متفرقة من البلاد.
وتقدم المحامون بعشرات الدعاوى القضائية أمام المحاكم الفدرالية في المدن الكبرى مثل نيويورك وسان فرانسيسكو وسياتل وديترويت ومينيابوليس ولوس أنجليس وبوسطن.
كما أصدر كبرى شركات صناعة التكنولوجيا الأميركية بيانات منددة بقرار الحظر بدعوى أنه غير دستوري وأنه يضر بأعمالهم ويتهدد المدارس والاقتصاد الأميركي، فضلاً عن أنه يشرذم الأسر الأميركية ويشتتها.
ورفعت «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» (أي سي آر أل) دعوى قضائية أمام محكمة ديترويت الفدرالية باسم عدد من المتضررين من المواطنين وحاملي بطاقات الإقامة، تطالب باعتبار قرار الرئيس غير دستوري.
ونتيجة لذلك، رفع مسؤولون في ولايتي واشنطن ومينيسوتا دعاوى قضائية ضد إدارة ترامب لكبح جماح تنفيذ الحظر مؤقتا وتعليق بعض فقراته، وأطلقت تلك الدعاوى الشرارة لرفع دعاوى مشابهة في جميع أنحاء البلاد.
وأصدر القضاة الفدراليون قرارات بتجميد المرسوم الرئاسي بشكل مؤقت، ما أتاح سفر المحظورين بموجب قرار ترامب إلى الولايات المتحدة مؤقتاً.
الاستئناف
وبعد معارك قضائية متواصلة، أيدت محكمة الاستئناف الفدرالية التاسعة في سان فرانسيسكو مساء الخميس الماضي تعليق مرسوم ترامب، وذكرت رويترز أن القرار جاء بإجماع القضاة الثلاثة الذين تابعوا فصول الطعن في القضية.
رفضت محكمة الاستئناف الطعن الذي تقدمت به وزارة العدل بحكم القاضي جيمس روبارت الذي صدر مساء الجمعة الماضي في سياتل، وقالت إنها لن تُبطل قراره. وقالت المحكمة بإجماع هيئتها، إن الإدارة لم تثبت أن التهديد الإرهابي يُبرر الحظر. وورد في الحكم أن «الحكومة لم تشر إلى دليل على أن أي أجنبي من أي دولة من الوارد ذكرها في الأمر (التنفيذي) ارتكب هجوما إرهابيا في الولايات المتحدة».
كما رفضت المحكمة ما دفعت به الإدارة بأن للرئيس حرية التصرف بشأن سياسة الهجرة.
وجاء في الحكم أنه «بدلا من تقديم أدلة لتوضيح الحاجة للأمر التنفيذي، اتخذت الحكومة موقفاً مفاده أنه لا يجب أن نراجع قرارها على الإطلاق.. لا نتفق مع هذا، كما ورد أعلاه».
وأبدى ترامب معارضته للحكم عبر تغريدة، قبل أن يصدر بيانا صوتيا يصف فيه القرار بأنه مُسيّس.
وغرّد الرئيس معلقاً على قرار محكمة الاستئناف الفدرالية التاسعة قائلاً «نراكم في المحكمة، أمن بلادنا على المحك»، وفي بيان لها، قالت وزارة العدل، التي تولّت تمثيل البيت الأبيض أمام المحكمة، إنها «تراجع القرار وتبحث خياراتها».
في الوقت الحالي
حالياً، وبعد التطورات القضائية الأخيرة، فإن حاملي الإقامة الدائمة (غرين كارد) من مواطني الدول السبع باستطاعتهم السفر من الولايات المتحدة وإليها، بحسب أستاذ القانون في جامعة «ديترويت ميرسي» خالد بيضون.
وأضاف بيضون أن «قرار قاضي سياتل المكون من سبع صفحات حمل إشارات إيجابية من ضمنها المحاججات حول مخالفة الإجراءات القانونية، والحماية المتساوية، والتعديلين الأول والـ14 من الدستور الأميركي، كما أنه يشير إلى أن قرار الحظر متجذر في الفكرة التي تفيد بأن ترامب دعا إلى «حظر للمسلمين» منذ بداية حملته الانتخابية الرئاسية».
ووصف بيضون قرار قاضي سياتل «بأنه أكثر قرارات المحاكم جذباً للانتباه»، وقد نال فعلاً إجماع قضاة محكمة الاستئناف الفدرالية في سان فرانسيسكو، التي تقع ضمن نطاق عملها محكمة سياتل الفدرالية.
من ناحيته، أشار مدير السياسيات في «اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» في واشنطن (أي دي سي) عبد أيوب إلى أن أحكام التجميد المؤقت للمرسوم الرئاسي (تي آر أو) أعادت إجراءات السفر والهجرة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل صدور القرار بالنسبة لمواطني الدول السبع وكذلك اللاجئين، حسبما صرح لـ«صدى الوطن» كما يعيد العمل بـ60 ألف تأشيرة سفر تم إبطالها نتيجة القرار.
بدوره، أشار بيضون إلى أن بعض حاملي الإقامات الدائمة قد خضعوا للاستجواب والتدقيق الشديد، كما دفع عناصر «إدارة الجمارك وحماية الحدود» (سي بي بي) البعض منهم على التوقيع على استمارة آي-407 التي تتيح إبطال صلاحية بطاقات «الغرين كارد» التي يحملونها.
وأشارت مديرة «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» رولا عون إلى أن حظر السفر قد تسبب بفوضى في مجتمعات المهاجرين ولدى منظمات الحقوق المدنية، بسبب مسارعة الناس إلى معرفة تفاصيل القرار التنفيذي وسط كم هائل من الشائعات وسوء الفهم، وأضافت: «نحن نتعامل مع وضع غير مستقر بسبب فوضى الإجراءات الحكومية والقرارات القضائية الصادرة في أنحاء البلاد».
وأضافت إن الرابطة العربية الحقوقية قد تلقت عشرات المكالمات من العرب الأميركيين، خاصة من المقميين بشكل دائم، والسؤال عما إذا كان القرار التنيفذي يشملهم.
إجراءات احترازية
أصدرت المنظمات الحقوقية ومحامو الهجرة عدداً من التعليمات تمكن اللاجئين والمهاجرين من تلافي أية مخاطر قد يسببها لهم قرار حظر السفر، من بينها:
– بالنسبة للمسافرين خارج أميركا، خاصة مواطني الدول السبع الذين لديهم تأشيرة سفر، عليهم العودة إلى الولايات المتحدة بأسرع وقت ممكن.
– حاملو الإقامة الدائمة يمكنهم السفر، بدون مخاوف.
– عند تعرضكم للاستجواب ينبغي توخي الحذر، والرد بإجابات مختصرة على الأسئلة المتعلقة بالدين والسياسة، فالمعلومات المقدمة للسلطات سوف تحفظ لوقت طويل.
– إذا طلبت منكم هواتفكم النقالة وكلمات السر، اطلبوا إظهار إذن قضائي، مع أخذ العلم بأنه يسمح للسلطات بمصادرة الهاتف بانتظار الاستحصال على مذكرة التفتيش.
– ينصح المسافرون بعدم اصطحاب هواتفهم النقالة عبر المطارات، كما ينصح المسافرون بإزالة تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي من هواتفهم.
– عند العودة إلى الولايات المتحدة، ينصح بالسفر على الخطوط الجوية الأميركية لكونها الأقل تشديداً على المسافرين.
– بالنسبة للمؤهلين لنيل الجنسية الأميركية من حاملي البطاقات الدائمة التي تنتهي صلاحيتها خلال ستة أشهر، فإن «دائرة التجنيس وخدمات الهجرة الأميركية» لن توافق على استمارة الجنسية حتى ينال المتقدم بطاقة خضراء جديدة، وهو ما يستغرق حوالي ثمانية أشهر أو أكثر، وهذا سوف يسبب تأخيراً في منح الجنسية للمتقدمين لها.
– التقدم لنيل الجنسية الأميركية بأسرع وقت ممكن هو أمر مهم خصوصاً إذا كان لديك أحد أفراد الأسرة الذين ترغب في استقدامهم إلى الولايات المتحدة.
– تجنب تأخيرات السفر التي لا داعي لها، فمن المحتمل أن يكون ذلك خطأ مكلفاً.
Leave a Reply