وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
في خطوة تتناقض مع ما كان قد أعلنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بل وتعهد به في مقابلته الأخيرة مع صحيفة «أتلانتيك» بإصلاح نظام العدالة والتخفيف من استخدام عقوبة الإعدام، وفي لحظة دولية مأزومة، حيث العالم برمّته منشغل بالحرب الروسية الأوكرانية وأزمة ارتفاع أسعار النفط التي دفعت دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى طرق أبواب الرياض طلباً للمساعدة، نفذت السلطات السعودية، يوم 12 آذار (مارس) الجاري، حكم الإعدام بحق 81 رجلاً، بينهم 41 معتقلاً من أهالي القطيف في شرق المملكة، بالإضافة إلى سبعة يمنيين وسوري واحد.
الإعدامات التي بررتها السلطات السعودية بأنها ناتجة عن «أحكام متعلقة بالإرهاب» وصفتها المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، بأنها سابقة خطيرة ترقى إلى مستوى جريمة حرب نظراً إلى عدد الأشخاص الذين تم إعدامهم دفعة واحدة.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) نقلاً عن وزارة الداخلية أن المتهمين منتمون «لتنظيمات داعش والقاعدة والحوثي الإرهابية، وتنظيمات إرهابية أخرى معادية للمملكة».
وأوضحت أن المتهمين عملوا على «استهداف دور العبادة وعدد من المقار الحكومية والأماكن الحيوية التي يقوم عليها اقتصاد البلاد والترصد لعدد من المسؤولين والوافدين واستهدافهم والترصد لرجال الأمن وقتلهم والتمثيل ببعضهم، وزرع الألغام وارتكاب عدد من جرائم الخطف والتعذيب والاغتصاب والسطو بالسلاح والقنابل اليدوية، وتهريب الأسلحة والذخائر والقنابل للمملكة».
وقالت إنهم هدفوا إلى «زعزعة الأمن، وزرع الفتن والقلاقل، وإحداث الشغب والفوضى».
وفي ردها، قالت باشليه: «من بين الذين قطعت رؤوسهم، 41 من الأقلية الشيعية وقد شاركوا في تظاهرات ضد الحكومة في العامين 2011 و2012 للمطالبة بمشاركة أكبر في العملية السياسية».
وأشارت باشليه في بيان إلى أنه وفقاً للمعلومات المتاحة لمكتبها، أدين بعض الذين أعدموا بعد محاكمات لا تفي بالمعايير الدولية. وفي ما يخص اليمنيين «يبدو أن عمليات الإعدام مرتبطة بالحرب المستمرة في اليمن» بحسب المفوضة السامية.
وكتبت الرئيسة التشيلية السابقة «تنفيذ عقوبة الإعدام عقب محاكمات غير منصفة محظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويمكن اعتباره جريمة حرب».
الأمم المتحدة بدورها أدانت «عمليات الإعدام الجماعية» التي نُفذت في السعودية. أما «المعارضة في الجزيرة العربية» فقد قالت في معرض تعليقها «إن المجزرة التي ارتكبها النظام السعودي هي الدليل العملي على أن كل مزاعمه بشأن الإصلاح والتغيير والانفتاح هي بمنزلة الدعاية الفارغة، التي عفا عليها الزمن».
وفي اليمن التي كان لها من نصيب من المجزرة، أكد مصدر مسؤول أن الأسيرين اليمنيين اللذين أُعدما كانا قد أُسرا في جبهات القتال بمنطقة جيزان منذ خمسة أعوام، حيث اقتيدا للإعدام من سجنهما في خميس مشيط من دون مقدمات وعلى نحو مفاجئ. ولفت المصدر اليمني إلى أن الجريمة السعودية استُبقت بتحريض إعلامي ضد لجنة الأسرى وإطلاق اتهامات بتعرض الأسرى السعوديين للتعذيب تمهيداً للجريمة ومحاولة لتبريرها.
القائم بأعمال وزير حقوق الإنسان في حكومة صنعاء، علي الديلمي حمّل السعودية والولايات المتحدة مسؤولية الجرائم التي تُرتكب بحق اليمنيين. ومن جهتها، شدّدت حركة «أنصار الله» في بيان على أنّ النظام السعودي «يتحمّل تبعات هذه الممارسات الإجرامية في تعامله مع الأسرى خارج الأطر الإنسانية والدينية والأخلاقية».
وأجمعت المنظمات الحقوقية على أن الإعدامات كانت ذات خلفية سياسية بحتة، فيما أكدت «المنظمة الحقوقية الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان» –من خلال الحالات التي رصدتها– عدم وجود أية تهم تستحق عقوبة الإعدام، حتى بحسب المعايير التي تعتمدها السعودية نفسها!
إيران تعلق محادثاتها مع الرياض
على المستوى السياسي، أدانت الخارجية الإيرانية صمت الدول الغربية إزاء الإعدامات في السعودية، وعدّته «علامة على النفاق» وعملاً غير إنساني يتعارض مع مبادئ القانون الدولي، كما أُعلن في طهران عن تعليق موقت للمحادثات مع الرياض، على خلفية الإعدامات، بحسب ما ذكرت وكالة «تسنيم» الإيرانية.
وفي لبنان، علّق «حزب الله» على ما سمّاه مجزرة النظام السعودي بحق العشرات من أبناء الجزيرة العربية المظلومين المحتجزين التي تُضاف إلى «سجلّه الإجرامي الحافل بالقتل وسفك الدماء والذي يمتد من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وسائر البلاد العربية والإسلامية» متهماً إياه بخدمة العدو الصهيوني.
وفي السياق عينه، ولكن في العراق، أصدر «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، بياناً أسِف فيه لما أقدمت عليه السلطات السعودية من إعداماتٍ بعضها بدواعٍ طائفية ولأسباب مرتبطة بحريات التعبير، ودعا المجتمع الدولي إلى إدانة ما حصل ومطالبة السعودية باحترام المواثيق الدولية. كما اعتبرت فصائل عراقية عديدة أنّ «جرائم السلطات السعودية وسلوكها الطائفي، تدل على مدى وحشية هذه السلطات وتعطّشها للدماء».
الجبهة الشعبية الفلسطينية–القيادة العامة، أدانت إقدام السلطات السعودية على جريمة الإعدامات الجماعية واعتبرت أنها لا تصب إلا في مصلحة إسرائيل.
وفي المنامة، خرج البحرينيون في جزيرة سترة وبلدة السنابس في مسيراتٍ شعبيةٍ، حاملين صور الشهداء والمعتقلين، إلى جانب صور قادة المعارضة، حيث ردَّدوا هتافاتٍ منددة بالنظامين السعودي والبحريني.
صمت أميركي مطبق
في المقابل، امتنعت الولايات المتحدة عن التعليق على حادثة الإعدام الجماعي التي نفّذتها السلطات السعودية، حيث رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، الإجابة عن سؤالٍ «حول ما إذا كانت واشنطن قد تواصلت مع الرياض بهذا الشأن».
ويأتي ذلك بعد تداول تقارير في وسائل الإعلام العالمية، حول امتناع الملك السعودي وولي عهده عن محادثة الرئيس الأميركي جو بايدن هاتفياً للمطالبة بزيادة إنتاج النفط لاحتواء تبعات الأزمة الأوكرانية.
ويرى المراقبون أن توقيت الإعدامات الذي اختاره ابن سلمان جاء ليختبر موقف الإدارة الأميركية في وقت تمر فيه العلاقات بين البلدين بمرحلة حرجة.
تهم صادمة
أهالي الضحايا لم يبلّغوا بإعدام أبنائهم، بل ولم يتسلموا الجثامين حتى تُدفن بنحو لائق، ما قد يضاعف آلام ذوي الضحايا ويعمّق جراحهم.
حمزة الشاخوري شقيق أحد الذين أُعدموا تحدث عن حيثيات صدور حكم الإعدام على شقيقه محمد الشاخوري ولماذا اعتُبر من «المروّجين للأفكار الضالة»، فقال إن التهمة كانت عبارة عن اكتشاف وجود صورة للأمين العام لـ«حزب االله» السيد حسن نصر الله في منزل شقيقه وزيارته لمدينة مشهد الإيرانية وتنديده بدخول قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين! وهي تهمٌ تندرج في إطار حرية الرأي والتعبير السلمي فيما العقوبة عليها تردّنا إلى حكم القرون الوسطى ومحاكم التفتيش الشهيرة.
والجدير بالذكر أن أحد الذين أُعدموا كان يبلغ من العمر 13 عاماً عند اعتقاله عام 2014، وهو سن لا يسمح بالإعدام في أية دولة تحترم أبسط حقوق الإنسان.
تقرير منظمة العفو الدولية
لطالما تعرّضت المملكة المحافظة لانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان بسبب معدلات الإعدام المرتفعة ونظامها القضائي. وفي تقريرها الأخير سلّطت منظمة العفو الدولية (أمنستي) الضوء على تزايد القمع في السعودية بعد انتهاء فترة رئاسة الرياض لمجموعة العشرين العام الماضي، حيث لوحظ انخفاض نسبة الإعدامات في عام 2020 بعدما تجاوز العدد في 2019، 184 حالة، وهو أكبر عدد في غضون عام واحد في المملكة.
وسجلت المملكة 27 حكماً بالإعدام في عام 2020، أي بانخفاض قدره 85 بالمئة عن العام الذي سبقه. فيما شهد العام الماضي تنفيذ المملكة عمليات إعدام بحق 69 شخصاً.
أما عدد إعدامات السبت الماضي فهو أكبر رقم معروف لإعدامات نُفذت في يوم واحد في السعودية.
وتأتي هذه الإعدامات غداة إطلاق سراح المدون والناشط الحقوقي السعودي رائف بدوي بعد 10 سنوات في السجن لإدانته بـ«الإساءة للإسلام».
وتحتل السعودية المركز الخامس بين أكثر الدول تنفيذا لأحكام الإعدام في العالم، ويسبقها في الترتيب الصين وإيران ومصر والعراق. وما زال نحو 50 بلدا فقط يطبق عقوبة الإعدام.
وأشارت منظمة «أمنستي» في تقريرها إلى أن السعودية لديها واحد من أعلى معدلات الإعدام في العالم، كم أنها تكثف اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان، وأن المتهمين يتعرضون لانتهاكات معيبة واعترافاتهم تُنتزع تحت التعذيب، وقد وصل الأمر إلى الحكم بالسجن على أحد الأشخاص عشرين عاماً بسبب تغريدة، كما أن السلطات تعمد أحياناً إلى إعادة اعتقال أشخاص أنهوا محكومياتهم، وتمنع المفرج عنهم من السفر، وتقوم بحظر حساباتهم في مواقع التواصل في انتهاك صارخ لأبسط حقوق حرية التعبير. وأشارت أخيراً إلى أن أحكام الإعدام تأتي بعد محاكمات بالغة الجور.
الدول الكبرى تلتزم الصمت!
هول المجزرة وضخامتها لم يكونا كافيين لدفع الدول الكبرى إلى الإدانة المباشرة التي تستحقها، فابتلعت تلك الدول ألسنتها وتعامت عن الجريمة الموصوفة التي تُضاف إلى سجل السعودية الأسود في مجال حقوق الإنسان.
لكن هذا الصمت لن يلمع صورة الرياض القاتمة والتي مهما حاولت أن تقدم نفسها بمظهر الدولة المعتدلة أو أن تخلع على نفسها ثوب الانفتاح، من خلال ما تقيمه من حفلات صاخبة أو ما تفتتحه من مراكز سياحية لم تعتد مملكة الحرمين الشريفين وجودها، لا يلبث أن ينكشف الوجه الحقيقي، مع كل عملية إعدام جماعي تنفذها السلطة، ويكون المستهدف فيها غالباً هم أصحاب الرأي المختلف. فالمعارضة حتى لو كانت سياسية وسلمية فقط هي ذنب لا يغتفر لدى حكام السعودية، وعاقبتها الموت، إما تقطيعاً بالمنشار أو تعزيراً بقطع الرأس!
هل ما حصل هو مجرد استغلال لظرف دولي، أم رسالة دموية إلى كل المعارضين في الداخل والخارج لبث الرعب في نفوسهم، وليحسبوا ألف حساب قبل أن يتفوهوا بكلمة واحدة تخالف هذا النظام لأنهم سيلقون مصيراً مماثلاً؟
وبعد حفلة الجنون هذه ثمة سؤال ملحّ يطرح نفسه: ما هو مصير الآلاف من المعتقلين السياسيين داخل السجون السعودية؟ هل سيلقون المصير نفسه؟ ربما سيستغل الجلاد السعودي، الظرف وسيُعمل سكينه أكثر أو حتى منشاره في رقاب مناوئيه وكل من يخالفه الرأي وسط الانغماس الدولي في الحرب الروسية الأوكرانية.
Leave a Reply