ما أقبح هذا التكاذب اللبناني المقيت بعد إطلاق الحجَّاج اللبنانيين التسعة الذين كانوا مختطفين في منطقة «أعزاز» على يد عصابات «الجيش السوري الحر» ولواء «عاصفة الشمال» التابع له والذي أعلنتْ مجموعة «الدولة الاسلامية في الشام والعراق» (داعش) إحكام سيطرتها عليه والقضاء على وجوده في المنطقة ولكن بعد أنْ فات الأوان، حيث لم تتمكن «داعش» من إعادة خطف اللبنانيين من أجل مقايضتهم مع السجناء التكفيريين في سجن «إمبراطورية رومية» حيث لا وجود للدولة، وحيث كان السجناء القتَلَة يمنُّون النفس بالخروج من أجل جهاد النكاح في سوريا، وذلك بعد رصد الإتصالات الهاتفية بينهم وبين إرهابيي «القاعدة» المجرمين في أعزاز.
فرحة الإرهاب لم تتم ولكن فرحة جمهور المقاومة والشرفاء من الشعب اللبناني (لا الحاقدين، مثل مي شدياق) كانتْ عارمة بعد الإنتصار الجديد بتحرير الأسرى من أيدي أشباه إسرائيل. إلاَّ أنَّ حفلة النفاق والخداع والتكاذب اللبناني فيها فرادة «شبه الوطن» والتي تمثَّلتْ بإمتلاء «صالون الشرف» في مطار بيروت الدولي، بالذي لهم شرف أو بلا شرف من المسؤولين اللبنانيين ممن هبُّوا لاستقبال الحجَّاج المحرَّرين، وكأنهم عملوا على تحريرهم وهم الذين لم يطيقوا تحرُّكات أهاليهم اليائسة، بل أعربوا عن ضيقهم وتذمُّرهم منهم، وبين هؤلاء كبيرهم الذي بادر للقول «لشو جايين عندنا روحو عند جماعتكم». ولم يحاول أنْ يبادر حتَّى لاستقبالهم عند تحريرهم!
أحد النوائب علَّق على الإنترنت بكلمة أعرب فيها عن بهجته لأنه لن يسمع بعد اليوم تصاريح الحاجة حياة عوالي، التي ترأَّست حملة الأهالي مؤخراً وعبَّرتْ عن إحباطهم لإهمال قضية المخطوفين وتحدَّتْ ميليشيا «فرع المعلومات» التي حاولت إدانة الضحية لصالح الأتراك فحبطتْ أعمالها. إلا أنَّ الحاجة عوالي «طمأنتْ» «ناكر الشعب» هذا، إلى أنها سوف تستمر في رفع قضية المخطوف الأول سماحة الإمام السيِّد موسى الصدر وستستمر في إعلاء صوتها المدوِّي ولو أزعج خاطره.
كما تضمَّنتْ حفلة النفاق توجيه الشكر الكبير إلى تركيا وقطر لمساعدتهما في العمل على تحرير المخطوفين. ولكن ليس هناك أبلغ من كلام الوزير السابق الوطني وئام وهَّاب رئيس تيار «التوحيد» الذي عبَّر عن عواطف أكثرية الشعب اللبناني باختصار عندما قال لن نشكر قطر ولا تركيا لأنهما السبب الأساسي في خطف الحجَّاج عدا عن تسببهما بإراقة الدماء الزكية في سوريا عن طريق مجرميهما التكفيريين، بل الشكر يجب أنْ يوجَّه الى «القاعدة» التي قضتْ على لواء «عاصفة الشمال» بالكامل في أعزاز مما سرَّع بإطلاق اللبنانيين بعد تضحية كبيرة جدَّا من الرئيس بشَّار الأسد، حافظ الجميل والوفي للمباديء والقيم.
ذلك أنَّ سفاحي «داعش» أعلنوا تطهير المنطقة من الجيش «اللحدي الحر» وأبدوا نيَّتهم بسبي زوجة المسؤول عن الحجَّاج خلال فترة طويلة من أسرهم والمعروف بـ«أبو ابراهيم» الذي لقي حتفه ونصيبه. وقد انتزع اللواء عبَّاس من الأتراك إعترافاً منهم بأنهم هم وراء الإختطاف كما تبيَّن أنَّ عقاب صقر كان قد قام بزيارةٍ الخاطفين ومنحهم هبة بخمسين ألف دولار مما يعني أنَّ كل كلامه عن وساطة مع الخاطفين كان كذباً ورياءً بدليل أنَّه لم يكن للسعودية -بلد معلِّمه- أي دور في تحرير المخطوفين أمام قطر وتركيا اللتين تحرّرتا من عبءٍ ضخم أُزيح عن عاتقهما. هذا الدور التركي القطري بالتسبُّب في الإختطاف كان على الشاكرين أنْ يتذكروه قبل أنْ يسارعوا إلى تقبيل اليد المتآمرة بالأساس والتي أرادتْ فقط التخلُّص من ورطتها، لا حبّاً باللبنانيين ولكن بعد أنْ ذاق الأتراك اللوعة بخطف مواطنَيْن لهم قضيا وقتهما بالتمتع بالموسيقى والصيد بعكس اللبنانيين الذين كانوا يتعرضون لكل أنواع الإرهاب النفسي والجسدي والمعنوي وحتى محاولات الإغتيال، فليتذكر الشاكرون أن يكون عندهم حسٌ وطني ويحاسبوا الذين كانوا وراء العملية الإرهابيَّة ضد مواطنين لبنانيين ويطالبوا بتسليمهم للعدالة!
لقد عبَّر أحد المحرَّرين، السيد عبَّاس شعيب، عن «حرقة قلب» لعدم نزول أبناء طائفته بكثافة من أجل الضغط لإطلاق سراحه مع إخوانه وكان لديه عتبٌ كبير على قدر محبته وتعرَّض للانتقاد لكنه كان محقَّاً لأن الذي إصبعه في النار ليس كالذي إصبعه في الماء. كما أنه خبر عن كثب حقد وسموم وكره وعداوة وضغينة الخاطفين، هؤلاء الذين يعتبرهم الغرب من المعتدلين فقط لأنهم تابعين للجيش «الحر» وليسوا جزءاً من التكفيريين المجرمين، لكنهم كلهم سواسية في الأجرام والارتواء من الدماء. وأثبت شعيب صوابية قرار تدخُّل المقاومة في سوريا بعد سماعه حوارات القتلة وماذا سيفعلون بشعب المقاومة إذا انتقلت عدواهم الإجرامية -لا قدر الله- إلى بيروت كما أكَّد على دور تركيا في خطفه مع رفاقه بعد هربه وإعادة أسره من قبل الأتراك. وقد برهن أهل المخطوفين كم هو طيبٌ هذا الشعب العظيم عندما أبدوا استعدادهم للعفو عن قطاع الطرق الذين ارتكبوا جريمة الخطف والحجز على الحجَّاج لأكثر من ٥٣٥ يوماً.
وباستثناء اللواء عبَّاس الذي خاض مفاوضاتٍ شاقة وصعبة مع أسياد الخاطفين، فلا منَّة لأحد على اطلاقهم، وحتماً لا جميل لأي دولة لا لبنانية ولا غير لبنانية ما عدا الحكومة السورية الشرعية التي تفاوض اليوم أيضاً لإطلاق المطرانيَن المخطوفيَن. وعلى هذه الدولة أنْ توكِّل عبَّاس في ملف سماحة الامام الصدر، هذا الإنسان العظيم الذي نتذكره في المواسم فقط والذي لم تفعل له الدولة اي شيء منذ عام ١٩٧٨! لكن تباشير هذه الدولة لم يهل هلالها ولن يهل ابداً بوجود الفساد المستشري في أوصالها لدرجة أنَّ وزير الإتصالات صحناوي غير قادر على إجبار «ملك الفساد في أوجيرو»، عبد المنعم يوسف، على تطبيق قانون يفيد المستهلك اللبناني الذي «هلك» من هكذا سلطة فاشلة وعاجزة.
والطريف أنَّ عبد المنعم يحمل ثلاث وظائف دفعة واحدة ويراقب نفسه بنفسه خلافاً للقانون ورغم وجود مئات الشكاوى ضده، تماماً مثل سهيل بوجي أمين عام مجلس الوزراء الذي بقي في منصبه بشكل غير مشروع وكلاهما من «زُلم» الحريري وميقاتي لا يريد الإقتراب منهما. إنَّها دولة خلاف القانون والتمرد عليه، ألم يتمرد أشرف ريفي الإمبراطور على رئيس الجمهورية نفسه لأنَّه ينفذ أوامر أعلى منه، ثم يستقبله سليمان وكأن شيئا لم يكن وقت الإيقاع بميشال سماحة؟؟
إنَّها مهزلة كاملة تلك التي تجري كل يوم قي بلد «خيال الصحرا» وخصوصاً حفلة المبيِّضين في تحرير المخطوفين!
Leave a Reply