المقاومة وسلاحها الى الحوار والاصلاح مطلب أساسي لرئيس الجمهورية
بيروت – وأخيراً تشكلت الحكومة كما أعلن رئيسها سعد الحريري الذي يدخل نادي رؤساء الحكومات في لبنان، وقد يكون الأصغر بينهم، من باب الوراثة السياسية، اذ فاجأه اغتيال والده رفيق الحريري والذي لم يكن يهيّء أياً من أبنائه للانخراط في العمل السياسي، كما كان يقول، لكن الموت المفاجىء وضع النجل الثاني سعد وريثاً سياسياً للعائلة، بعد أن كانت الأنظار تتجه الى الابن البكر بهاء، الذي انصرف مع باقي أشقائه لأعمالهم، وقد غادروا لبنان الى أمكنة اقامتهم في الخارج.
تأخر وصول الحريري الابن الى رئاسة الحكومة أربع سنوات، وحلّ محله لتمضية الوقت الضائع فؤاد السنيورة، ريثما يتمرّس الوريث السياسي في الشأن العام، فترأس كتلة نيابية بعد انتخابات 2005، وبدأ التأسيس لـ”تيار المستقبل” وجاءت الانتخابات النيابية الأخيرة لتضعه على أكبر تكتل نيابي (لبنان أولاً)، ويحصد مع حلفائه في قوى “14 آذار”، الأكثرية من مقاعد مجلس النواب، واعدّ نفسه ليكون رئيساً للحكومة، وأعلن بعد صدور النتائج أنه يمدّ يده للتعاون مع الجميع، وكان يقصد المعارضة، لكنه تحدث عن ان الحكومة يجب أن تؤلف، وفق نتائج الانتخابات، أي ان تكون الأكثرية في الحكومة لمَن نال أغلبية في مجلس النواب، وأن اتفاق الدوحة الذي أعطى المعارضة الثلث زائداً واحداً في الحكومة أي 11 وزيراً، بات بحكم المنتهية مفاعيله، كما ان انتخابات 7 حزيران، ألغت مفاعيل أحداث 7 أيار من العام الماضي، التي فرضت المعارضة بقوّتها العسكرية شروطها لحكومة وحدة وطنية بعد اعتصام دام حوالي العام والنصف العام.
ما بين شعار التعاون ومدّ اليد الذي رفعه الحريري، وتشكيل حكومة تحكم فيها الأكثرية دون مشاركة فعلية للمعارضة، واجه الرئيس المكلف أولى التحدّيات، وقد صدمه موقف النائب وليد جنبلاط، الذي اعلن في مؤتمر للحزب التقدمي الاشتراكي في 2 آب الماضي، خروجه من “14 آذار”، فعطل على الحريري تمسّكه بحكومة أكثرية، التي بدّدها الحوار السوري – السعودي، وانعقاد قمّتين بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله، الأولى في جدّه على هامش افتتاح جامعة الملك عبد الله، والثانية في زيارة قام بها العاهل السعودي الى سوريا، أزالت التوتر بينهما والذي امتدّ الى أربع سنوات منذ اغتيال الحريري، حيث اتفق الرجلان على ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية، وكانت صيغة 15+10+5، هي التسوية التي منعت كسر أي طرف لبناني للآخر، وأعطى الطرفان مقعدين وزاريين من حصتهما لرئيس الجمهورية، ليشكل التوازن بين الأكثرية والأقلية، واقتنع الحريري بعدها انه خارج اطار هذه الصيغة لن تولد حكومته، وعليه أن يعمل لاخراجها الى النور، وقد سعى اليها، وقدّم تشكيلة الى رئيس الجمهورية اختار هو حقائبها ووزرائها دون العودة او التشاور مع الكتل النيابية، لا سيما “تكتل التغيير والاصلاح” برئاسة العماد ميشال عون الذي طالب بعودة صهره الوزير جبران باسيل الى الحكومة، فووجه برفض من الحريري وحلفائه السياسيين، بتوزير الخاسرين، ودارت مفاوضات حولها، حسمها رئيس الجمهورية، بأنه لا يوجد نص دستوري يمنع التوزير، فحلت هذه العقدة، وبدأ البحث في الحقائب، فتصلب الرئيس المكلف باعطاء وزارتي الاتصالات والطاقة لـ”تكتل التغيير والاصلاح” فطالبه عون بوزارتيين أساسيتين، العدل والتربية، فلم يقبل ان تعطى العدل للمعارضة وتمّ ربطها بالمحكمة الدولية في اغتيال الحريري، ووعد “القوات اللبنانية” أن تبقى من حصّتها، وكانت اللقاءات تتكرر بين الحريري وعون، وعندما يتوصّلان الى حل، يكون الفريق المسيحي في قوى “14 آذار” بالمرصاد، والضغط على الرئيس المكلف لعدم التنازل أمام رئيس “التيار الوطني الحر”، لأنه يقوّيه لدى المسيحيين، والمطلوب اضعافه، وعدم اعطائه صفة المفاوض المسيحي الأول، فكان يستجيب لهم، ويطيل عمر ازمة تشكيل الحكومة، في وقت يواجه اللبنانيون تحدّيات اسرائيلية وأزمات اقتصادية اجتماعية، وفراغاً حكومياً شلّ المؤسسات وهزّ الاستقرار السياسي الذي كاد أن يطيح بالسلم الأهلي.
وحدّدت مواعيد عدة لولادة الحكومة، كان يؤخرها تصلب الحريري وفريقه، بعدم تلبية مطالب “تكتل التغيير والاصلاح” الذي يضم 27 نائباً وله الحق بسبعة حقائب وزارية، تنازل عن اثنين منها، وقبِل بوزارة دولة، بعد ان اعلن رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية أنه لا يمانع أن تكون من حصة كتلته، اذا كان ذلك يسهّل تشكيل الحكومة، لكن الحريري كان يواجه من حلفائه لا سيما المسيحيين منهم بالتهديد بترك الأكثرية، كما كان يتلقى ضغطاً اميركياً ان لا يشكل الا حكومة من الأكثرية، وقد طالبه بذلك أيضاً البطريرك الماروني نصرالله صفير، ومعه مسيحيّو “14 آذار”، وعلى رأسهم سمير جعجع، مما أربك الحريري الذي كان يستمع الى نصائح مصرية، أن لا يعطي حجماً لعون، وان لا تكون مشاركة المعارضة فاعلة، واذا كان بالامكان اخراج “حزب الله” من الحكومة.
وقف الحريري حائراً، وهو يريد رئاسة الحكومة، وقد لا تكون له فرصة ثانية، كما أن وضع الأكثرية مزعزع، فاضطر وبعد نصيحة سعودية تلقاها من محيطين بالملك عبد الله وتحديداً نجله الأمير عبد العزيز، أن يعطي للعماد عون ما يريد من مقاعد وزارية، سواء بابقاء القديم على قدمه، أو بالمداورة، وسعى الحريري الى تبرير رفضه اعادة وزارتي الاتصالات والطاقة الى “تكتل التغيير والاصلاح” بأن لديه خطة اصلاحية لهما، وان وضعهما مرتبط بمؤتمر “باريس – 3”، وما طلبه من خصخصة القطاعات، وقد حاول ان تكون الاتصالات من حصة جنبلاط، الذي رفض “الهدية المسمومة”، وكانت معه سابقاً، وتولاها الوزير مروان حمادة، لأنه لا يريد أن يصطدم بالحريري اذا قرر خصخصة الهاتف.
وبعد حوالي خمسة اشهر وافق الحريري على أن تعود وزارتي الاتصالات والطاقة لـ”تكتل التغيير والاصلاح”، كما قبِل بأن تسند وزارة الصناعة مع السياحة له، فوُلِدت الحكومة متأخرة هذه المرة التي يعتبرها البعض انها طبيعية في تشكيل الحكومات في لبنان، بالرغم من حصول الحريري على تكليف أول، اعتذر عنه بعد رفض تشكيلته الأولى، ولم يعد ممكناً اذا ما اعتذر مرة ثانية أن يُعاد تكليفه للمرة الثالثة، فقرر أن يستجيب لمطالب العماد عون، تحت مقولة أطلقها الوزير فرنجية الذي لعب دوراً حوارياً بين المعارضة والحريري وبمباركة سورية تحت عنوان: “لا لكسر الحريري ولا لتحجيم عون”، وهذا ما حصل، فبقيَ باسيل وزيراً دون الاتصالات وتحوّل الى الطاقة، وبقي على الرئيس المكلف تسوية الخلافات داخل صفوف حلفائه من مسيحيي 14 آذار، بتنازل بطرس حرب عن وزارة العدل وتسلم وزارة العمل، وبقيت العدل مع “القوات اللبنانية”، لكن حزب “الكتائب” اعترض على وزارة الشؤون الاجتماعية، وكان يريد التربية، فلم يحصل عليها، فامتنع وزيره المسمّى سليم الصايغ عن الحضور الى القصر الجمهوري لالتقاط الصورة التذكارية للحكومة، وفتح الحريري حواراً مع الرئيس أمين الجميّل لثنيه عن عدم المشاركة، وهدّد الأخير بترك “14 آذار” التي لم تتضامن معه وتنحاز الى القوات اللبنانية، وسبق له واعتكف عن حضور اجتماعات أمانتها العامة، حيث لاحظ الجميّل أن الحريري يعزز وضع “القوات اللبنانية” على حساب حزبه، ويعطيها الخدمات، ويقدم لها المساعدات المالية، فباتت أكبر حجماً شعبياً وسياسياً من الكتائب التي تأكل مع القوات من نفس الصحن الشعبي، حيث يخشى آل الجميل على انقراض حزبهم امامهم، وهذا هو الموقف الذي ابلغ للحريري.
وبالرغم من اعتراض حزب الكتائب على الحقيبة التي اسندَت اليه، وظهوره ضعيفاً مسيحياً، الا انه بقي في الحكومة، اذ أن خروجه منها لن يفيده بشيء، وان معارضته ستكون من فراغ، لأن قوى “14 آذار “لا سيما المسيحيين فيها باركوا وأيّدوا تشكيلها.
والحكومة الجديدة التي أعلن رئيسها أنها اختبار للوفاق الوطني، هي كذلك، واول اختبار كان البيان الوزاري، والفقرة المتعلقة بالمقاومة، وبقيت كما جاءت في البيانات الوزارية السابقة، واستوحيت من كلام رئيس الجمهورية ومواقفه المؤيّدة للمقاومة، ومن الكلمة التي القاها رئيس الحكومة الجديد بعد صدور المراسيم، وحيّا فيها انتصارات المقاومة، ولم تنفع اعتراضات بعض الأطراف المسيحية في 14 آذار على فقرة المقاومة او التحفظ عليها، لأنهم شاركوا في حكومتين سابقتين شرعتا المقاومة وسلاحها، كقوة للبنان، ساهمت في تحرير أرضه من الاحتلال الاسرائيلي، وصدّت العدوان على لبنان صيف 2006، واقامت حالة ردع بوجه اسرائيل يجري البحث كيف يمكن الاستفادة منها مع الجيش اللبناني على طاولة الحوار التي ستنعقد قريباً كما قال الرئيس سليمان، لمتابعة المناقشة حول الاستراتيجية الدفاعية.
وما ينتظر الحكومة، هو الوضع الاقتصادي الاجتماعي، وقد اكد رئيسها ان اولويّاته ستكون اخراج لبنان من أزمته المالية، والمديونية التي وقع فيها، وتأمين خدمة الدين لها، كما أن الاصلاح سيشكل العنوان الأساس لحكومة الحريري الابن، الذي عليه ان يواكب رئيس الجمهورية الذي يطرح منذ وصوله الى قصر بعبدا، موضوع الاصلاح بمختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والادارية، وعليه فإن تطبيق اتفاق الطائف سيتصدّر عمل الحكومة باستكمال تنفيذ بنوده الاصلاحية، لجهة تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية، واصدار قانون للانتخابات خارج القيد الطائفي، وقيام مجلس شيوخ، وتحقيق اللامركزية الادارية، والانماء المتوازن، ووضع خطة نهوض اقتصادي تؤمن الاستثمار وفرص العمل.
فاذا كانت حكومتا فؤاد السنيورة الأولى والثانية، بعد خروج القوات السورية، لم تتمكنا من تنفيذ ما ورد في بيانيها الوزاريين، بسبب الاستئثار في السلطة من قبل فريق “14 آذار” الذي عطّل البلاد لمدة ثلاث سنوات، قبل اتفاق الدوحة، ثم سعى الى منع وزارء المعارضة من تحقيق اصلاحات فورية في الوزارات التي تسلموها، فإن الحريري أمام امتحان ليس فقط اذا ما كانت الحكومة ستعبّر عن الوحدة الوطنية فحسب، وهذا أمر مهم، انما البرنامج الذي سيحكم عملها لجهة تقويم البرامج السابقة، لا سيما منها المالية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، ومعرفة أين أصابت واين تعثرت وأين أخطأت، لأن اللبنانيين ينتظرون من حكومتهم التي تمثل كل الكتل النيابية، أن تقدم لهم الحلول للأزمات التي يعيشونها، بدءاً من تكوين النظام السياسي، الذي عليه أن يتخلى عن الطائفية التي يقوم عليها، وتتوزع منها حصص للطوائف والمذاهب اذ ان من أسباب التعثر الذي تلاقيه الحكومات في لبنان، هو في مشاركة الطوائف والمذاهب في القرار، وبعد ان أصبح مجلس الوزارء مصدر القرار.
فالحكومة لم يكن فيها خاسر ورابح، بل هي أبقت القديم على قدمه، وان ضمّت وجوهاً جديدة، بعضها من أصحاب الاختصاص والخبرة، وقد يؤدّون دوراً اصلاحياً، اذا كان مناخ الحكومة كله اصلاحياً، وساند رئيسها الاصلاحيين، ويكون في ذلك ربح لقب دولة الرئيس.
تشكيلة الحكومة
تتشكل الحكومة من ٣٠ وزيراً توزعوا على الشكل التالي: ١٥ للموالاة و٥ للرئاسة و١٠ للمعارضة.
المعارضة (١٠): ٥ لـ”تكتل التغيير والإصلاح”
٣ “أمل” ٢ “حزب الله”
– تكتل التغيير والإصلاح:
شربل نحاس (الاتصالات: -كاثوليكي)
فادي عبود (السياحة-ماروني)
ابراهيم دديان (الصناعة-أرمن)
جبران باسيل (الطاقة-ماروني)
يوسف سعاده (دولة-ماروني)
– “أمل”:
علي الشامي (الخارجية-شيعي)
محمد جواد خليفة (الصحة-شيعي)
علي حسين عبدالله (الشباب والرياضة-شيعي)
– “حزب الله”:
حسين الحاج حسن (الزراعة-شيعي)
محمد فنيش (دولة لشؤون التنمية الإدارية-شيعي)
الرئاسة (٥):
زياد بارود (الداخلية-ماروني)
الياس المر (الدفاع-روم اورثوذكس)
منى عفيش (دولة-روم اورثوذكس)
عدنان السيد حسين (دولة-شيعي)
عدنان القصار (دولة-سني)
الموالاة (١٥): ٦ وزارء “تيار المستقبل”، ٣ “اللقاء الديمقراطي”، ٢ “القوات اللبنانية”، ١ لكل من “الكتائب”، “التكتل الطرابلسي”، و”مستقلو ١٤ آذار”.
– المستقبل:
ريا الحفار الحسن (المالية-سني)
حسن منيمنة (التربية-سني)
محمد رحال (بيئة -سني)
ميشال فرعون (دولة-روم كاثوليك)
طارق متري (الإعلام-روم اورثوذكس)
جان اوغاسبيان (دولة-أرمن)
– التكتل الطرابلسي:
محمد الصفدي (الإقتصاد-سني)
– اللقاء الديمقراطي:
أكرم شهيب (المهجرين-درزي)
غازي العريضي (الاشغال العامة-درزي)
وائل ابو فاعور (دولة-درزي)
– القوات اللبنانية
ابراهيم النجار (العدل-روم اورثوذكس)
سليم وردة (الثقافة-روم كاثوليك)
– مستقلو الموالاة:
بطرس حرب (العمل-ماروني)
– الكتائب:
سليم الصايغ (الشؤون الاجتماعية-ماروني)
Leave a Reply