طرابلس – واصلت القوات الليبية الموالية للواء خليفة حفتر عملياتها العسكرية في أنحاء متفرقة من البلاد تحت عنوان محاربة الإرهاب فيما واصلت الميليشيات الإسلامية المسلحة تصديها لحملة حفتر التي وصفها الإسلاميون بأنها إنقلاب على الشرعية.
وتوعدت جماعة «أنصار الشريعة» اللواء حفتر، داعية الليبيين عدم الانضمام إلى حملة «الكرامة» التي يقودها ضد «الإرهاب»، كما حذرت الجماعة الإسلامية الولايات المتحدة الأميركية من التدخل في شؤون ليبيا، وهددتها بأنها ستواجه ما هو أسوأ من الصراعات التي خاضتها في مناطق أخرى من قبل.
حفتر |
ودعا محمد الزهاوي قائد الجماعة، التي صنفتها واشنطن بأنها «تنظيم إرهابي»، في بيان بث عبر قنوات تلفزيون ليبية إلى عدم الاستماع إلى «من يريدون تقسيمنا»، متهما حفتر بأنه «عميل للمخابرات الأميركية»، وتوعده بالمصير ذاته الذي لقيه الراحل معمر القذافي.
وازدادت حالة الفوضى في ليبيا الأسبوع الماضي، وسط غموض بشأن من يدير البلاد، بعد أن دخل النزاع بين رئيسي وزراء يقول كل منهما أنه يتمتع بالشرعية، مرحلة مواجهة قد تفجر عنفا بين الفصائل المتصارعة.
وعيَّن أعضاء في المؤتمر الوطني العام (البرلمان) رجل الأعمال أحمد معيتيق قبل ثلاثة أسابيع كثالث رئيس للوزراء في شهرين، بدعم من الإسلاميين والمستقلين في البرلمان المنقسم، بعد اقتراع سادته الفوضى.
لكن القائم بأعمال رئيس الحكومة الليبية عبد الله الثني رفض الأربعاء الماضي تسليم السلطة، بسبب شكوك بشأن شرعية انتخاب معيتيق الذي عينه برلمان يرى فيه كثير من الليبيين سبب بطء تقدمهم الديمقراطي.
وتزايد خطر حدوث مواجهة مسلحة أوسع هذا الشهر، عندما بدأ حفتر اللواء السابق بالجيش الليبي، حملة دون تكليف من أحد ضد مسلحين اتهم الأحزاب الإسلامية في البرلمان بالسماح لهم بالعمل على الساحة.
وحفتر حليف سابق للقذافي انشق عليه في الثمانينات، وقضى سنوات في الولايات المتحدة وعاد بعد حرب 2011، ومؤخرا رفض تعيين معيتيق وطالب النواب بتسليم السلطة.
واجتمع معيتيق الخميس الماضي بوزرائه في اول اجتماع حكومي برغم رفض رئيس الحكومة المؤقت عبدالله الثني تسليمه السلطة. وقال مسؤول، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الحكومة الجديدة اجتمعت في فندق في العاصمة الليبية طرابلس. وتابع أن «الأمن في البلاد وبرامج الوزراء من بين المواضيع التي وضعت في جدول أعمال الحكومة».
وفيما كانت قوات اللواء حفتر تشن عمليات عسكرية ضد الميليشيات الإسلامية، اتهم الزهاوي، في مؤتمر صحفي عقده بمدينة بنغازي، الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية بدعم اللواء حفتر الذي أعلن في 16 (مايو) أيار حملة قال إنها ضد الإرهاب والمتطرفين، فيما يصفها «الإخوان المسلمون» بأنها محاولة إنقلابية.
وشن الزهاوي هجوما لاذعا على حفتر واصفا إياه بأنه عميل للولايات المتحدة، و«سيسي جديد» يحاول السيطرة على السلطة وتكرار التجربة المصرية، وهدد بفتح الجحيم عليه وعلى المنطقة برمتها، مشيرا إلى ما يحدث في سوريا، ووصف الزهاوي العملية التي أعلنها تحت اسم «الكرامة» بأنها خيانة وحرب على الإسلام وأهله، ومحاولة لبيع ثروات البلاد لليهود والنصارى»، حسب تعبيره.
غربيا، انضمت بريطانيا وكندا الى الولايات المتحدة الاميركية في دعوة رعاياهم لمغادرة ليبيا فوراً وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد دعت الثلاثاء الماضي مواطنيها إلى تجنب زيارة ليبيا، كما حثت الأميركيين الموجودين هناك على مغادرتها في أسرع وقت. فيما أرسلت الولايات المتحدة بارجة حربية تحمل على متنها ألف جندي من مشاة البحرية (مارينز) إلى السواحل الليبية، من أجل الاستعداد لإجلاء محتمل لطاقم السفارة الأميركية في طرابلس.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول أميركي قوله إن البارجة «باتان» ستصل خلال الأيام المقبلة إلى المنطقة، مشيرا إلى أن الأمر مجرد إجراء احتياطي بهدف الاستعداد للإجلاء في حال تدهور أكبر للأوضاع في ليبيا وتضمّ البارجة بالإضافة إلى الـ1000 جندي العديد من المروحيات التي من شأنها تسهيل إجلاء الدبلوماسيين.
وكانت الخارجية الأميركية قد أكدت الأسبوع الماضي أن سفارتها في طرابلس تعمل بشكل اعتيادي، رغم الحملة العسكرية للواء المنشق المتقاعد خليفة حفتر ضد ميليشيات إسلامية متطرفة.
ومن جهة أخرى، تسبب تدهور الوضع الأمني في ليبيا بـ«قلق عميق» لدى دول الجوار، حسب بيان صادر عن لقاء بين ممثلي تلك الدول، على هامش الاجتماع الوزاري لدول حركة عدم الانحياز بالجزائر. وذكر البيان الذي نشرت وكالة الأنباء الجزائرية أجزاء منه، أن المشاركين «أعربوا عن قلقهم العميق إزاء التطورات التي تشهدها ليبيا، وتداعياتها على أمنها واستقرارها وتأثيرها المباشر على دول الجوار». وأكد جيران ليبيا، الجزائر وتونس والنيجر وتشاد والسودان ومصر، على «تضامنهم الكامل مع الشعب الليبي الشقيق»، وعلى «الحفاظ على سيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها ورفض أي تدخل في شؤونها الداخلية».
ماذا يريد حفتر؟
قال اللواء السابق بالجيش الليبي خليفة حفتر إن رئيس الوزراء الجديد، معيتيتق لن يستطيع إعادة الاستقرار إلى البلاد، ودعا إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في حزيران (يونيو).
وبدأ حفتر حملة منذ أكثر من أسبوع لتخليص ليبيا ممن يصفهم «بالإرهابيين» والإسلاميين المتشددين الذين لهم نشاط كبير في شرق البلاد الغني بالنفط.
وهاجم مسلحون موالون له مبنى المؤتمر الوطني العام «البرلمان» في طرابلس قبل أسبوع ليطالبوا النواب بتسليم السلطة مما أدى الى أسوأ اشتباكات تشهدها العاصمة منذ شهور.
وتحدث حفتر بالهاتف الى «رويترز» من مكان غير معلوم في شرق ليبيا، ولم يستبعد الحوار مع معيتيق، لكنه قال إنه ليست له شرعية ولا يستطيع القيام بهذه المهمة. وقال حفتر إنه مستعد للحوار مع من يستطيع الدفاع عن البلاد بصرف النظر عمن يكون. وأضاف «هو رجل أعمال وليس رجل حرب»، في إشارة الى رئيس الوزراء الليبي الجديد.
وترفض طرابلس حفتر بوصفه مدبر انقلاب، وهو أحدث الشخصيات التي تواجه الحكومة المركزية التي لا تستطيع السيطرة على الميليشيات والإسلاميين المتشددين ورجال القبائل المسلحين الذين ساعدوا في الإطاحة بالقذافي عام 2011 لكنهم يتحدون الآن سلطة الدولة.
وأعلنت عدة وحدات بالجيش وضباط كبار، الولاء لحملته على «أنصار الشريعة» وغيرها من الجماعات الإسلامية، وإن كان حجم التأييد الذي يتمتع به غير واضح.
وتخشى القوى الغربية والدول المجاورة لليبيا من أن تؤدي حملته الى انقسام داخل الجيش حديث العهد والميليشيات المتحالفة معه لتنزلق البلاد إلى فوضى شاملة.
كما رفض حفتر فكرة إجراء الانتخابات في 25 حزيران وهو الموعد الذي حدده البرلمان الليبي ولجنة الانتخابات.
وقال «الانتخابات يجب أن تكون في الوقت المناسب»، وأضاف أن الوقت الآن غير مناسب، بينما يكافح هو وقواته الإرهاب. وأضاف أن حملته ستستمر ثلاثة اشهر على الأقل، لكنه أحجم عن الحديث عن حجم القوات او المناطق التي يسيطر عليها. وقال حفتر إنه يجري إحراز تقدم.
ولدى سؤاله عما اذا كانت له اي طموحات سياسية لقيادة ليبيا ذات يوم أجاب بالنفي، وقال «أنا أريد أن أنتهي من الإرهاب وأريد أن يتمكن المواطن من العيش بسلام».
واعتبر حفتر، السبت الماضي، المظاهرات التي نظمها آلاف الليبيين في العاصمة طرابلس وفي مدينة بنغازي وعدد من المدن الاخرى دعما لـ«عملية الكرامة»، بمثابة «تفويض» له في «مكافحة الارهاب».
والجمعة، في طرابلس تجمع آلاف المواطنين في ساحة الشهداء وسط العاصمة حيث أكد المتظاهرون دعمهم لـ«عملية الكرامة لمكافحة الإرهاب» مرددين شعارات تدعو إلى دعم المؤسسة العسكرية والشرطة في مختلف ربوع البلاد.
وطالب المتظاهرون في العاصمة كل الكتائب المسلحة بمغادرة طرابلس والبقاء بعيدة عن الساحة السياسية.
وحفتر، الذي حصل على تأييد العديد من الضباط والوحدات العسكرية، شدد الضغط على السلطات الحاكمة في ليبيا مطالبا بتشكيل «مجلس رئاسي» مدني لقيادة المرحلة الانتقالية في البلاد التي قال إنها أصبحت «وكرا للإرهابيين الذين سيطروا على مفاصل الدولة».
زيار «عراب الربيع»
حاول «عراب الربيع العربي»، برنارد ليفي، التوسط في الأزمة الليبية طارحاِ خطة بعودة أحمد زيدان لرئاسة الحكومة وتعيين حفتر قائدا أعلى للجيش وبلحاج وزيرا للداخلية.
وذكر مصدر ليبي أن ليفي الذي يصطلح عليه بـ«مهندس ثورات الربيع العربي» قبل ثلاث سنوات، أدى مؤخراً زيارة قصيرة إلى ليبيا استغرقت ساعتين التقى فيها أعضاء في الحكومة، وقدم خلالها مبادرة لإنهاء الأزمة والحرب الناشئة في هذا البلد الشمال إفريقي.
ونزل ليفي في مطار معيتيقة، الذي يخضع لسيطرة المجلس العسكري بطرابلس، تحت قيادة المقاتل السابق في الجماعة الإسلامية عبدالحكيم بلحاج الموالي للحكومة الحالية. وكان في استقباله عدد من قادة تنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا.
وأكد العقيد محمد الحجازي الناطق باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي خبر زيارة برنارد ليفي للأراضي الليبية الخميس، مشددا على أن قيادات جماعة الإخوان هم من استقبلوه. وليفي هو أول من وصل إلى بنغازي، عند بداية الاحتجاجات على نظام العقيد الليبي المقتول معمر القذافي، لدعم ثوار 17 شباط (فبراير) في العام 2011.
وقال المصدر الليبي الذي رفض ذكر اسمه إن ليفي قدّم للفرقاء الليبيين مبادرة لإنهاء الأزمة والحرب في ليبيا بعد مشاورات مع الحكومة الحالية، وأطراف موالية له في المجلس العسكري بطرابلس، ولكن يبدو أنها لم تنل موافقة الأطراف، ما يجعل الأمور في ليبيا مفتوحة على كافة الإحتمالات.
Leave a Reply