معرض فني–تفاعلي يلقي الضوء على المسلمين الأميركيين
ودورهم الثقافي في إثراء منطقة ديترويت الكبرى
للمسلمين جذور عميقة وتاريخ طويل في ولاية ميشيغن، لكن على مدى عقود تم تجاهل إسهاماتهم إلى حد كبير بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى التي ساهمت في تشكيل وجه وهوية الولاية.
في الآونة الأخيرة، انبرى أكاديميون وفنانون وناشطون لإلقاء الضوء على دور الثقافة الإسلامية في منطقة ديترويت الكبرى، بهدف تعزيز التواصل بين المسلمين وجيرانهم من أتباع الديانات الأخرى في ميشيغن التي تتميز بحضور عربي وإسلامي لافت ومؤثر.
فانبثقت فكرة معرض فني تفاعلي بعنوان «حلال ميتروبوليس» برعاية «مركز الدراسات العربية الأميركية» (سي أي أي أس) بـ«جامعة ميشيغن–ديربورن»، ليكون منصة جوالة للتعريف بدور المسلمين الأميركيين والتفاعل معهم من خلال معارض فنية وندوات نقاشية سيتم تسجيلها وبثها عبر الانترنت.
الفكرة جاءت ثمرة تعاون بين مديرة «قسم الدراسات العربية الأميركية» بجامعة ميشيغن الدكتورة سالي هاول، والمصور الفوتوغرافي رازي جفري، وأستاذ الفنون في «جامعة ميشيغن» عثمان خان، ويضيء بشكل أساسي على دود الثقافة الإسلامية في إثراء أنحاء متعددة من منطقة ديترويت الكبرى، كالشوارع التجارية وواجهات المحلات والأسواق والهندسة المعمارية وغيرها من الوسائل التي تعبر عن وجود ودور المسلمين في المنطقة.
ومؤخراً، تلقى «مركز الدراسات العربية الأميركية» منحة مالية بحوالي 217 ألف دولار من برنامج «بناء الجسور» في «مؤسسة دوريس ديوك» غير الربحية، حيث كان واحداً من ضمن 15 منظمة أميركية تلقت منحاً مالية بلغت قيمتها الإجمالية 2.3 مليون دولار، بهدف تفعيل التواصل المجتمعي بين مختلف الشرائح من خلال برامج متنوعة.
وفي بيان صحفي، أشارت كبيرة مسؤولي برنامج «بناء الجسور» زيبا رحمن إلى أهمية التضامن والتكافل الاجتماعي، وقالت: «عندما تنهار علاقاتنا وثقتنا ببعضنا البعض فإننا نتأثر جميعاً»، مشيرة إلى أن «سرد حكايا الناس» هي من أكثر الطرق فعالية لتعزيز التفاهم وتبديد الخوف في المجتمعات، كما أن من شأنه أن يكون بمثابة «الغراء الذي يربط بيننا من خلال الدخول المباشر إلى العالم الداخلي لبعضنا البعض، ما يشكل أساساً راسخاً لعلاقات مستدامة».
جدير بالذكر أن دوريس ديوك هي ناشطة أميركية ثرية كرست حياتها لجمع الفنون الإسلامية وكانت قد أسست متحف «شانغري لا ميوزييم» المبني على الطراز الإسلامي في مدينة هونولولو بولاية هاواي.
معرض جوال
من جانبها، أشارت البروفيسورة المساعدة لمادة التاريخ في «جامعة ميشيغن–ديربورن»، سالي هاول، إلى أن فكرة المعرض المتعدد الوسائط نشأت من الأبحاث التي كانت تعمل عليها لتأليف كتابها الجديد المعنون بـ«حلال ميتروبوليس: المساجد والأسواق وتنمية الأحياء»، إضافة إلى مشاركة فنانين آخرين لتقديم قصة المجتمع المسلم في ديترويت من خلال أعمال فنية متنوعة.
وأفادت هاول في حديث مع «صدى الوطن» بأن «مؤسسة دوريس ديوك» أبدت اهتمامها بالمشروع وعرضت عليها توسيعه لكي يكون معرضاً فنياً جوالاً ومتاحاً لجمهور أوسع.
وقالت هاول إنه إلى جانب المدن ذات الكثافة الإسلامية مثل ديربورن وهامترامك وآناربر وديترويت، يجري التخطيط لإقامة المعرض في مجتمعات أخرى غير مرحبة بالمسلمين في منطقة ديترويت الكبرى، مثل مقاطعة ماكومب.
المنحة المالية ستمكن معرض «حلال متروبوليس» من التنقل بين مدن الولاية لمدة عامين ونصف، وفقاً لهاول التي أشارت إلى أنه تم حتى الآن تحديد سبعة أماكن لاستضافة المعرض في نهاية الصيف الحالي أو بداية الخريف القادم، وقالت «سوف يفتح المعرض أبوابه للمرة الأولى أمام الزائرين في «مركز بنك سوي المجتمعي» بمدينة هامترامك»، مؤكدة على أن «المعروضات ستستخدم كوسيلة للمسلمين وغير المسلمين –على حد سواء– للاطلاع على الثقافة والتاريخ الإسلامي الأميركي من خلال الفن والتحدث مع الزوار، وكذلك من خلال العروض التي سيقدمها أميركيون مسلمون احترافيون في كل فعالية».
وشددت «إننا كثيراً ما نرى كيف يتم تصوير المسلمين الأميركيين بطريقة سلبية.. نريد تغيير تلك الصورة عنهم في ميشيغن، هؤلاء الذين يشكلون جزءاً حيوياً من السكان».
صورة حقيقية
وفي السياق ذاته، أكد المصور الفوتوغرافي ومخرج الأفلام الوثائقية رازي جفري على أن «المعرض سيكتشف من هم المسلمين الأميركيين، وما هي المساهمات التي جعلتهم جزءاً من النسيج الأميركي، وكيف غيروا طبيعة هذا النسيج».
وأشار الرئيس المشارك في «منتدى المسلمين واليهود» في ديترويت، إلى أن أبرز المظاهر الواضحة التي يتجلى فيها الحضور الإسلامي هي الطريقة التي أثروا فيها على محيطهم، ودفعوا الحكومات المحلية وسلاسل المتاجر العملاقة للتأقلم مع احتياجاتهم وعاداتهم الثقافية، لافتاً إلى الملامح الخاصة التي تميز المناطق التني يقطنها المسلمون، مثل علامات «اللحم الحلال» واللافتات والإرشادات باللغة العربية لاسيما في المباني العامة مثل المكتبات ومقار البلديات.
جفري الذي يساعد في إنتاج المعرض الفني، قال: «إن القطع الفنية والندوات النقاشية تتركز على سؤال بسيط ولكنه أساسي، وهو: هل تتسع التجربة الأميركية لاستيعاب احتياجات المسلمين؟».
واستدرك المصور الفوتوغرافي بالقول إن «حلال متروبوليس» هو معرض فني يسعى إلى إبراز ماضي وحاضر ومستقبل المسلمين الأميركيين في منطقة ديترويت من خلال الوسائل التقليدية والحديثة على حد سواء، مشيراً إلى أن كل فعالية ستضم أعمالاً فنية أصلية من الصور الفوتوغرافية والمنحوتات ولوحات الخط العربي والأشغال اليدوية والأدوات المنزلية، إضافة إلى استخدام وسائط تكنولوجية تنقل الزائرين افتراضياً إلى غرفة معيشة أسرة مسلمة أميركية أو أحد الأسواق التجارية مثلاً.
وقال «إن جانباً مهماً من المعرض سيضم جلسات مناقشات حيث يمكن للفنانين والشعراء والموسيقيين والناشطين المحليين أن يقدموا تجارب ومشاهدات قد لا يعرفها الناس حول المجتمع الإسلامي».
دور الفن
أستاذ الفن في «جامعة ميشيغن» عثمان خان، أكد –من ناحيته– على أن الفن يتحرى الواقع والمثل العليا التي يجلّها الناس وكذلك التصورات حول الأميركيين المسلمين وماذا يعني أن يكون المرء مهاجراً.
وبصفته فناناً، أشار خان إلى أنه مهتم –في أعماله الفنية– بتصوير التناقض بين طموحات المسلمين وأحلامهم من جهة، وبين توجس الأميركيين من توسعهم وفرض ما يسمى «الشريعة» الإسلامية عليهم من جهة أخرى، مؤكداً أن الفن مهمته ملامسة التوترات في المجتمع.
وبحسب خان، فإن بعض الأعمال الفنية تصور مهاجرين مسلمين كشخصيات بطولية أنقذت ذات يوم مدناً متهالكة، أو أنها تتأمل في مكانة المسلمين في مستقبل ميشيغن وإعادة إحياء ديترويت تحديداً، بينما تعكس بعض الأعمال الأخرى الأفكار الداخلية والمشاعر المعاصرة للمسلمين في أميركا.
وأضاف «تلك الأعمال، يمكن أن تشمل أيضاً قصصاً متخيلة (فيكشن) وصوراً أرشيفية لنوادي ديترويت التي تبنت أسماء ذات صبغة إسلامية لكي تبدو «غريبة ومثيرة»، إضافة إلى الأدب والرسائل وسجادات الصلاة، أو سلسلة مصورة تكشف عن حرج الأطفال المسلمين من إحضار وجباتهم الغذائية الإثنية إلى المدارس».
تعاون المجتمع
وترى هاول أن مشاركة أبناء المجتمعات المسلمة في جنوب شرقي ميشيغن هو أمر أساسي لإنجاح معرض «حلال متروبوليس»، لافتة إلى أن الفريق المشرف على المعرض، يرغب بتلقي أكبر عدد من التحف والمشغولات والعناصر الأرشيفية من السكان، كما سيوفر المعرض للطلاب المحليين فرص التدريب المهني والتطوعي.
ولفتت هاول أيضاً إلى أن «عدة منظمات تجري معنا محادثات حول تقديم منح للمعرض»، مشيرة إلى أن «مؤسسة دوريس ديوك» ستستضيف ممثلين وناشطين في المنظمات الـ15 التي تلقت المنح في أواخر حزيران (يونيو) القادم ضمن دورة إعلامية تدريبية لتعليمهم استراتيجيات تنمية الجمهور. (موقع إلكتروني أو وسيلة اتصال).
للراغبين، يمكن التواصل على أحد العنوانين:
sfhowell@umich.edu وrazijafri@gmail.com.
Leave a Reply