خليل إسماعيل رمَّال
وأخيراً شرَّعت تركيا العثمانية تورطها فـي الدم السوري، حسب تعبير جريدة «السفـير»، من خلال موافقة البرلمان التركي على التدخل عسكرياً فـي سوريا والعراق والانضمام إلى «حلف بغداد» الأميركي الجديد ضد «داعش» الذي يجمع أصدقاءها والأعداء. ولعل دور تركيا فـي الحلف يبدو نافراً كما يشكل الخطورة الأكبر، مثله مثل حليفتها قطر العضو الآخر النافر فـيه، من حيث دورهما الإخواني ودعمهما العلني والمستتر للجماعات التكفـيرية مقابل الدول المعارضة بشدة للإخوان مثل مصر والإمارات وربما السعودية. لقد تحوَّل «حلف بغداد» إلى حلف الأضداد أو الأخوة الأعداء.
شذوذ الدورين التركي والقطري يعود إلى حقيقة أنهما مازالا يدعمان جماعة «الإخوان المسلمين» التي لم تنتقد ولم تدين ممارسات الجماعات الإرهابية بل تبدو مؤيدة ومتجانسة معها. فـي الحالة التركية تستعمل أنقرة «داعش» لمصالحها الاستراتيجية الخاصة من أجل قيام منطقة عازلة بين أكراد سوريا (منطقة عين عرب أو كوباني) وبين الحدود التركية. ولعل قرار البرلمان التركي يفرض المعطيات التالية:
١- بعد حجَّة تركيا بترددها فـي دخول التحالف ضد «داعش»بخطف القناصل الأتراك، تذرعَّتْ بتحررها لدخول التحالف بعد إطلاق سراحهم الذي كان مريباً تماماً مثل خطفهم. لكن التردُّد التركي لم يكن بسبب خطف مواطنيها، بل بسبب المقايضة التركية مع الولايات المتَّحدة لغزو سوريا والعراق عسكرياً من أجل ما تعتبره إسقاطاً للنظام السوري وللحصول بنفسها على خيرات الدولة وثروات الشعب السوري بعد أنْ كانت تنهب سوريا بالواسطة كما تشهد أسواق حلب وحماه وكافة المدن السورية.
٢- تعرف تركيا أنَّ «الإئتلاف السوري» المعارض الذي يُراد له أنْ يطيح بالنظام، لا وجود له وهو بقبضة غريمتها السعودية لذا فإنها تعتبر أنَّ وجودها العسكري المباشر فـي سوريا سوف يسرِّع فـي الإطاحة بالنظام وسد الفراغ بسرعة من قبل حلفائها.
٣- تباطأ أردوغان حتى الآن من دخول الائتلاف الأميركي عن قصد حتى تستكمل «داعش» إحكام السيطرة على المناطق الكردية المحاذية لحدوده وخلق منطقة عازلة تمنع التواصل بين أكراد سوريا وتركيا وتخنق أية تطلعات قومية كردية بالاستقلال.
٤- إنتظر أردوغان أيضاً بدء التدمير الاميركي الممنهج للبنية النفطية السورية بحجة تجفـيف منابع تمويل «داعش» التي تسيطر على مصافـي نفط فـي سوريا والعراق، من أجل التأكد من عدم قدرة سوريا مستقبلاً على النهوض باقتصادٍ مكتفٍ ذاتياً كما كان قبل الحرب الكونية عليها، من دون السيطرة والمنفذ النفطي التركيين.
٥- الدخول العسكري للأتراك إلى مناطق سورية وعراقية سيعتبر غزواً وتدخلاً سافراً فـي شؤون البلدين وسوف يُعامل معاملة المحتل وتترتب عليه مخاطر كبيرة بسبب نشوء مقاومة ضده من قبل السوريين والعراقيين إضافةً إلى أكراد سوريا والداخل التركي. فتركيا ليست أقوى من أميركا وإسرائيل والتاريخ خير دليل على أنَّ الإحتلال دائماً إلى زوال.
لكل هذا يُعتبر قرار أنقرة بالتدخل المباشر فـي الأزمة السورية زيادة فـي تعقيدها، مما قد يترك انعكاسات سلبية كبيرة على الإستقرار فـي المنطقة، وعلى تركيا أنْ تكون حذرة جداً فـي تعاطيها مع سوريا لأنها قد تشعل المنطقة برمتها بدل أنْ تحيي أحلام السلطنة العثمانية وهي رميم. وما علينا إلا انتظار المقبل من الأيام!
Leave a Reply