إذا سألنا أعضاء الكونغرس الأميركي عن تصوراتهم حول موضوع حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فإن معظم إجاباتهم سوف تتمحور على الأرجح حول اقتراح حل الدولتين. ولكن الواقع يشير إلى حقائق مغايرة، فبينما تعترف منظمة الأمم المتحدة بدولة إسرائيل التي تتمتع باقتصاد متماسك وجيش قوي وحكومة فاعلة، نجد أن الجزء الآخر من الصورة، ونقصد دولة فلسطين، مازال غائبا ومهمشا.
على خلفـية هذا المشهد الذي يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني ويقهر طموحاته فـي بناء دولته وحقه فـي تقرير مصيره، فمن المتوقع أن يقوم أكثر من 350 عضوا من أعضاء الكونغرس الأميركي برفع عريضة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما تطالبه بمعارضة الجهود الفلسطينية التي تطالب «الأمم المتحدة» بالاعتراف بدولة فلسطين من جانب واحد. وليس سراً أن هذه الخطوة تأتي فـي سياق نشاطات قوى الضغط اليهودية والمسيحية اليمينية الأميركية فـي الولايات المتحدة، وفـي مقدمتها «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (آيباك).
ومن المفـيد التذكير فـي هذا السياق، أن قادة سياسيين أميركيين، من مختلف المشارب السياسية، أجمعوا -فـي مؤتمر «آيباك» السنوي، الذي أقيم الأسبوع قبل الماضي- على أن من ينكر حق إسرائيل فـي الوجود، فسوف يتم اعتباره معادياً للسامية.
وها هي «آيباك» الإسرائيلية تضغط، لمرة جديدة، على مشرعي الكونغرس الأميركي من أجل التأكيد على السياسة المنافقة والمنحازة ضد حقوق الفلسطينيين.
كما أنه من المفارقات العجيبة، أن الرسالة المرفوعة إلى الرئيس تؤكد على الحاجة إلى المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحجة أن جهداً من قبل طرف واحد، هو الطرف الفلسطيني الذي يسعى إلى نيل الاعتراف بدولته المستقلة، من شأنه أن يعرقل عملية السلام.
وكأن عملية السلام لم تولد ميتة منذ انطلاقها على أسس غير منصفة بحق الفلسطينيين. لم تولد ميتة وحسب بل شبعت موتاً، ومع ذلك مازالت الادارات الأميركية المتعاقبة -جمهورية كانت أم ديمقراطية- مستمرة فـي دعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي فـي الضفة الغربية، بلا قيود ولا شروط، مما يشجع إسرائيل على الاستمرار فـي غيّها وغطرستها واحتلالها، إذ ما الذي سيدفعها إلى قبول تنازلات قد تمليها مفاوضات السلام المفترضة؟!
ومن الطبيعي، فـي ظل هكذا ظروف، أن يستمر صقور السياسة الإسرائيلية، من اليمينيين المتطرفـين، فـي تعنتهم رافضين مطالب المفاوضين الفلسطينيين الذين لا حول لهم ولا قوة، والذين لطالما جلسوا معهم حول طاولة واحدة، بينما كانت حكومة الكيان الإسرائيلي تقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية فـي الضفة الغربية التي أصبحت تغص بالمستوطنات اليهودية.
لقد بات من المسلّم به أن إسرائيل غير جادة فـيما يخص عملية السلام، وعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن آمالهم المنشودة بإقامة دولتهم المستقلة لا يمكن أن تتحقق بناء على طيبة القادة الإسرائيليين والأميركيين، الذين لم يتوقفوا يوماً عن التصريحات المراوغة بشأن حل الدولتين. كما لا يمكن لهم التعويل على ما جاء فـي عريضة أعضاء الكونغرس الأخيرة التي تؤكد التزامهم «بحل الدولتين»: «دولة يهودية ديمقراطية ودولة فلسطينية ديمقراطية يعيش شعباهما جنبا إلى جنب، بسلام وأمن واعتراف متبادل».
فمن البديهي أن الدولة اليهودية الديمقراطية، المزعومة، لا يمكن أن تقوم على أسس عرقية إثنية ودينية، فمبدأ الديمقراطية يتعارض مع مبدأ تصنيف البشر وفق انتماءاتهم الاثنية والدينية، فضلا عن أن إقامة «الدولة اليهودية» تهمش أهالي المنطقة الآخرين، بمن فـيهم الفلسطينيون أصحاب الأرض الحقيقيون.
إننا فـي «صدى الوطن» نطلب من أعضاء الكونغرس الأميركي، خاصة الأعضاء الذين يمثلون ولاية ميشيغن فـي مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن، برفض التوقيع على العريضة الموجة للرئيس باراك أوباما.
Leave a Reply