السعودية تصعّد ضد «حزب الله» .. والحريري «يتجرّع السمّ»
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بين الإيجابية والسلبية، تضاربت الأنباء الواردة من الاجتماع الذي عقد بعد ظهر الخميس المنصرم، بين رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب وممثلي «الثنائي الشيعي» (الوزير السابق علي حسن خليل، والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله).
بعض المصادر أشار إلى إيجابية يُبنى عليها حتى أنه جرى البحث في الأسماء التي طرحها الثنائي الشيعي على أديب، فيما أشارت مصادر أخرى إلى أن الاجتماع بحث فقط في مبدأ التسوية من دون الخوض في الأسماء، حيث رفض أديب تسلّم لائحة الأسماء طالباً من الخليلين التريث بانتظار جلاء الصورة.
هذا اللقاء جاء إثر المبادرة التي أطلقها الرئيس الحريري لحل عقدة وزارة المالية، والتي قال إنها تشبه تجرع السم بالنسبة إليه، فيما رأى البعض أنها لم تحمل جديداً، بل هي لا تعدو كونها إعادة إنتاج للمبادرة الفرنسية التي كان وافق على مضامينها الحريري ثم تراجع، ولم تأتِ اليوم إلا بطلب فرنسي ملح للدفع بمبادرة الرئيس ماكرون الذي زار لبنان مرتين في غضون شهر واحد، وبالتالي لإبعاد كأس الفشل عنه.
قبل الاجتماع، كان الرئيس المكلف قد أجرى اتصالاً برئيس الجمهورية ميشال عون وطلب منه موعداً، لاستكمال المزيد من المشاورات وإطلاعه على ما دار في الاجتماع مع الخليلين.
خلية الأزمة الفرنسية بدورها، تتابع تفاصيل التشكيل لحظة بلحظة بهدف إخراج تشكيلة حكومية تسير وفقاً لمبادرة باريس المدعومة من الاتحاد الأوروبي، فيما لا تزال واشنطن تناور. ففي البيانات هي تدعم المبادرة الفرنسية وفي الواقع تفرض المزيد من العقوبات على «حزب الله» وحلفائه، ما يزيد في تعقيد الأزمة.
وثمة إشارة لا بد من التوقف عندها، كانت لافتة في دلالاتها، وهي الزيارة التي قام بها المعاون السياسي للرئيس نبيه بري، الوزير السابق «المعاقَب» علي حسن خليل، للمفتي دريان، قرأ فيها البعض محاولة التفافية على أي موقف مفاجئ قد يتخذه الحريري، ومن على منبر دار الفتوى دعا خليل إلى التفاؤل بشأن ولادة الحكومة، مؤكداً الانفتاح على الطرح الجديد للحريري لتسهيل التشكيل.
مبادرة الحريري
الباحث والمحلل السياسي الدكتور طلال عتريسي، اعتبر أن الثنائي الشيعي وتحديداً الرئيس بري تلقف هذه المبادرة واعتبرها خطوة إيجابية إلى الأمام، لافتاً إلى أن المبادرة الفرنسية لم تتحدث عن عدد الوزراء في الحكومة أو لمن ستُمنح هذه الوزارة أو تلك.
على العكس من ذلك، المبادرة الفرنسية تحدثت عن حكومة مشاركة وطنية، ويعتقد أن اقتراح الحريري هو نوع من التراجع من قبل فريقه السياسي، تحت ضغط من فرنسا التي لن تقبل بسهولة أن تنهار مبادرتها، فيتبين بالتالي فشل الرئيس ماكرون بعد تدخله المباشر واهتمامه في لبنان، وعلاقته بما يجري في الصراع الدولي على حوض شرق البحر المتوسط.
يشير الباحث عتريسي إلى أن تجاوز عقدة المالية من خلال خطوة الحريري لا يُعد تجاوزاً للأزمة، لأن ما جرى لغاية اليوم يخالف الأعراف المعمول بها في لبنان لتشكيل الحكومات، فالرئيس المكلف سُمي من قبل الكتل النيابية وعليه أن يتشاور معها للبحث في التسميات والتشكيلة الوزارية، ليختار لاحقاً، بناءً على اقتراحاتهم، شخصيات متخصصة غير حزبية من الخبراء، وفقاً لما طلبه الفرنسيون والمجتمع الدولي من إصلاحات، فيما بدا واضحاً أن أديب يبحث في تشكيل الحكومة مع فريق الرئيس الحريري ونادي رؤساء الحكومات السابقين وهو ما سيخلق مشكلة إضافية.
وتوقع عتريسي ظهور عقدة أخرى لا تقل أهمية عن عقدة المالية، وهي أن رئيس الجمهورية لن يرضى بالتوقيع على تشكيلة وزارية لا يعرف الأسماء المقترحة فيها، ولاسيما المسيحيين منهم، لأن ذلك يعني عملياً مسّاً بصلاحياته. الرئيس المكلف يفترض أنه غير مُنتمٍ إلى أي تيار حزبي، ولذلك أتى بترشيح توافقي، ولكنه للأسف لم يتصرف على هذا الأساس، وحصر مشاوراته مع رؤساء الحكومات السابقين، وهذا أحد أسباب الأزمة الحاصلة، بحسب الدكتور عتريسي.
الضغط السعودي
أما فيما يتعلق بموقف الملك السعودي من «حزب الله» واعتباره حزباً إرهابياً وتحميله مسؤولية انفجار المرفأ، فقد اعتبر عتريسي الأمر مستهجناً ولافتاً ، فكل التحقيقات التي تجري منذ وقوع الانفجار بمشاركة الفرنسيين ومكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لم تتهم «حزب الله» لا من قريب ولا من بعيد، ولغاية الآن كل المؤشرات تدل على أنه وقع نتيجة إهمال وفساد، وبالتالي هذا الاتهام الذي وجهه الملك السلمان من على منبر الأمم المتحدة، يعتبر تدخلاً في تحقيق لبناني يجري على الأراضي اللبنانية، وعلى الخارجية اللبنانية أن تستوضح هذا الأمر وتستدعي السفير السعودي.
وأمام تصلب الموقف السعودي، ثمة سؤال يطرح نفسه بشدة، حول قدرة الحريري على مواجهة ضغوط الرياض لمنع «حزب الله» من المشاركة في الحكومة. والجواب –بحسب عتريسي– هو أنه لا يمتلك مثل هذه القدرة ولو كان يستطيع لفعل.
إذ يرى أن مشكلة الرئيس الحريري مع السعودية هي أنه مقتنع بعدم جدوى تحقيق رغباتها في لبنان، ويعرف تماماً أنه لا يستطيع تشكيل حكومة من دون «حزب الله» لأسباب برلمانية وشعبية وسياسية، فـ«حزب الله» لديه عدد كبير من النواب وتحالف مع حركة «أمل»، ومشاركتهما في الحكومة متلازمة، وبالتالي هو لا يستطيع تشكيل أي حكومة من دونهما.
وعن قرار رفع الدعم عن المواد الأساسية كالدواء والقمح والوقود المرتبط عضوياً بالأزمة السياسية، يشير عتريسي إلى أنه سيشكل انعكاسات سلبية جداً على الصعيد الاجتماعي، وهذا يعني وجوب تشكيل حكومة في أسرع ما يمكن وعدم التوقف عند مطلب من هنا أو هناك، لأن الحرص على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي يجب أن يحظى بالأولوية للجم التدهور.
أما بالنسبة إلى الخوف من انعكاس الأزمة الاقتصادية على الواقع الأمني اللبناني الهش، فلا يرى عتريسي ذلك، لأن هذا الأمر يستلزم وجود طرفين أو عدة أطراف يشاركون فيه، وهذا غير متوفر، لكن ربما تذهب البلاد إلى موجة جديدة من الاحتجاجات قد تستدرج نوعا من الفوضى المتنقلة.
عد عكسي
هل من أمل في إمكان تدارك الوضع مما هو أسوأ؟ يقول عتريسي إن الإسراع في تشكيل الحكومة وصرف المساعدات والقروض والهبات التي تلقتها الحكومة في مكانها الصحيح سيسهم بالتأكيد في لجم التدهور.
وعن ارتباط ما يحدث على الساحة اللبنانية بالمحيط الإقليمي، يؤكد المحلل السياسي عدم إمكانية نفي ذلك، فهناك قوى في لبنان مرتبطة بقوى خارجية ولديها ارتباطات معها، وكما يقال إن «حزب الله» مرتبط بإيران فإن قوى «14 آذار» والحريري ووزراء الحكومة السابقين مرتبطون بالسعودية وبالسياسة الأميركية في المنطقة.
بل أبرز أوجه تعقيدات الأزمة اللبنانية تكمن في الرهانات على الخارج مثل الضغوط الأميركية، حيث أن الفريق الذي يدور في فلك السياسة الأميركية، يعتقد أن عقوبات واشنطن هي في مصلحته بمواجهة «حزب الله». كما يعتقد هؤلاء أن التطبيع الخليجي مع إسرائيل هو أيضاً في مصلحة عزل المقاومة، ولهذا السبب هم يتشددون في مطلبهم بعزل «حزب الله» وإخراجه من المشهد السياسي.
وفي الواقع، ما يتعرض له «حزب الله» من استهداف وعقوبات لا تقتصر تبعاته على الحزب فقط، بحسب عتريسي، بل هي أضرت بكل الاقتصاد اللبناني، والبحث عن حل لا يعني «حزب الله» فقط. أحد الحلول الفاعلة هو تشكيل حكومة وفاق وطني لمواجهة المشاكل والصعوبات بنحو جماعي ووطني.
ويرى عتريسي أن «حزب الله» يواجه ضغوطاً غير مسبوقة حتى على حلفائه، والمطلوب هو عزله عن حليفه المسيحي لكي يجد نفسه وحيداً من دون حلفاء على الساحة السياسية.
في كل الأحوال التوازنات في لبنان دقيقة ولا يمكن بسهولة تغييرها، وليس من السهل منع «حزب الله» من أن يكون حاضراً في الحياة السياسية اللبنانية بفعل تمثيله الشعبي والبرلماني، يختم الدكتور عتريسي.
هل يفعلها الحريري؟
حتى مع حسم عقدة المالية لا تزال فرص ولادة حكومة من أربعة عشر وزيراً، ضئيلة للغاية. وهنا يُطرح سؤال عن مدى جدية الحريري في طرحه المخالف لرأي رؤساء الحكومات السابقين. فرغم أنه طرح قديم، فإن السير به سيُفسّر على أنه تجاوز لإرادة الرياض التي رفعت على لسان الملك سلمان سقف خطابها المعادي لـ«حزب الله»، وصولاً إلى تحميله مسؤولية انفجار مرفأ بيروت ووصفته بالحزب الإرهابي.
فهل يكون الرهان اليوم على مزيد من الثبات من قبل الحريري والمزيد من المساعي الفرنسية بغية الوصول إلى صيغة توافقية لا تستبعد أياً من الأفرقاء وتتجاوز الضغوط الأميركية والخليجية لعزل مكوّن أساسي في البلاد، علما بأن تلك الضغوط لن تثمر سوى عن ضرب البنية الاجتماعية والاقتصادية المتهالكة أصلاً، ولن يتأثر بها الحزب المستهدف إلا لِماماً، وهو المعروف ببيئته المتماسكة، وهو ما أثبتته التجارب السابقة على مدى العقود الماضية. فهل مَن يتعظ؟
Leave a Reply