غزة، رام الله – توسع الصراع الدموي بين حركتي «حماس» و«فتح» في قطاع غزة وبلغ مستويات لم يسبق لها مثيل تهدد بضياع كل ما بني في الداخل الفلسطيني من مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، واضعاً الشعب الفلسطيني ومشروعه في نفق مظلم، يتخطى كل كلام عن انقلاب تنفذه «حماس»، أو موقع تريد «فتح» أن تستعيده. نهاية الأسبوع الماضي سيطرت حركة «حماس» على القطاع وحسمت المعركة بصورة شبه نهائية، بعدما تمكنت من الاستيلاء على مواقع رئيسية لـ«فتح» في شمالي غزة ووسطها وجنوبها، والاشراف على الحدود مع مصر وصولا الى السيطرة على معبر رفح، في مواجهات أدت الى سقوط عشرات القتلى والجرحى، فيما شنت «فتح» حملة على عناصر وقادة «حماس» في الضفة الغربية مما ينذر بفصل المناطق الفلسطينية ووجود سلطتين مختلفتين. وقد برز خلال الأسبوع الماضي مصطلحان جديدان على الساحة الفلسطينية هما «حماستان» في غزة و«فتح لاند» في الضفة. سياسياً، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قراراً رئاسياً أقال بموجبه رئيس الحكومة اسماعيل هنية وأعلن حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية وطلب من أجهزة السلطة العمل على تنفيذ كل الإجراءات المتعلقة بهذا القرار.من جهتها، رفضت «حماس» قرار الإقالة واعتبرت انه ناجم عن إملاءات أميركية وأعلن أحد مسؤولي الحركة ان وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس هي التي اتخدت قرار الإقالة وأبلغه الى عباس.وكانت الرئاسة الفلسطينية قد دخلت كطرف مباشر في الصراع محمّلة «تياراً انقلابياً» في «حماس» مسؤولية التدهور، فيما صدرت أوامر للحرس الرئاسي بـ«قمع الانقلاب»، فيما طرق مقاتلو الحركتين أبواب المرحلة الحاسمة في المعركة الداخلية، بإطلاق التهديدات باستهداف «القادة»، وسط إعلان حال الاستنفار العام في صفوف أنصارهما، بعدما تركّزت المعارك للسيطرة على المواقع الأمنية في القطاع.في غضون ذلك، قال الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في نيويورك انه بحث مع مجلس الامن الدولي احتمال نشر قوة دولية في غزة، مشيراً الى أن أي قرار في هذا الشأن لم يتخذ بعد. أضاف «انها فكرة يتعين أن نستكشف احتمالاتها، ولقد تبادلت وجهات النظر بشكل أولي حول هذه المسألة مع أعضاء مجلس الامن». وتابع ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثار هذه المسألة خلال اتصال هاتفي بينهما، موضحا أن عباس طلب منه «التفكير في الامر». أضاف ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت «أثار المسألة ايضا» موضحاً أن «ثمة مسائل كثيرة يتعين النظر بها، اذا قررنا نشر قوة دولية في غزة» تشمل «مكان انتشارهم وشروط انتدابهم وطبيعة مهامهم». وسيطرت «حماس»، التي أحكمت قبضتها على شمالي القطاع، على بلدة خان يونس جنوبي غزة وقبل بسط سيطرتها على بلدة رفح. وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى، بعدما فجرت «حماس» مقر الامن الوقائي في خان يونس عبر زرع عبوة ناسفة كبيرة تحت المقر عبر نفق، بحسب «فتح». غير أن «حماس» نفت أن يكون عناصرها قد حفروا نفقاً تحت المقر. وأعلنت الحركة الاسلامية أنها سيطرت على مركز لفتح على الطريق التي تربط شمالي القطاع بجنوبه، وعلى مركز آخر على الطريق الساحلية. وقال المسؤول الكبير في الشرطة في رفح الكولونيل ناصر خالدي «ماذا يمكنني أن أقول؟ هذا سقوط، انهيار». واستولت الحركة الاسلامية خلال الأسبوع على القواعد الرئيسية للقوات الموالية لفتح في مدينة غزة، وهي مقر الامن الوقائي والاستخبارات العامة والامن الوطني، ما أدى الى حسم المعركة الفاصلة للهيمنة على القطاع. وكانت «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لـ«حماس» أمهلت عناصر أجهزة الامن الفلسطينية لتسليم أسلحتهم حتى نهاية الأسبوع، في حين دعت قيادة الامن الوطني عناصرها الى الصمود و«الثبات في مقراتهم». وقال المتحدث باسم «حماس» سامي ابو زهري ان الحركة «استولت على كل المواقع الامنية عند الحدود» بين غزة ومصر، فيما أوضح المتحدث باسم «كتائب عز الدين القسام» ابو عبيدة ان معبر رفح الحدودي أصبح ايضا تحت سيطرة حماس. ووصف أبو زهري قرار «حماس» السيطرة على المقارّ الأمنية الموالية لحركة «فتح» بأنه «قرار جريء»، مشيراً إلى أن «هذا القرار جاء بعدما أصبحت هذا المقارّ تُستخدم لقتل المجاهدين وإعدامهم».وكانت مصادر أمنية فلسطينية قد ذكرت أن حركة «حماس» وضعت مؤخراً قائمة بأسماء شخصيات «فتحاوية» على مستوى محافظات قطاع غزة لاغتيالها أو لتعذيبها أو لإصابتها بالرصاص، كل حسب ما تتهمه به «حماس». وقالت المصادر إن القائمة وصلت إلى الأجهزة الأمنية، التي بدورها حذّرت أصحابها من اغتيالهم، مشيرةً إلى أن الأسماء في القائمة ضمت نحو 200 مسؤول «فتحاوي».وشددت المصادر على أن بعض قادة «فتح» استنجدوا برئيس الوزراء اسماعيل هنية لتخفيف حدة التوتر وإنهاء حالة الاقتتال ووقف الاغتيالات، لكن رئيس الوزراء لم يردّ على الاتصالات، بحسب المصادر الأمنية.من جهتها، أعلنت «ألوية الناصر صلاح الدين» الجناح العسكري لـ«لجان المقاومة الشعبية»، المتحالفة مع «حماس»، ان مقاتليها انتشروا على طول الشريط الحدودي مع مصر «بموافقة كتائب القسام والأشقاء المصريين». وانتقل الصراع بين الحركتين الى الضفة الغربية، حيث اشتبك الطرفان في نابلس بعدما اقتحم مقاتلون من «كتائب شهداء الاقصى» مكتباً لحماس لإنتاج برامج سمعية وبصرية، وخطفوا 12 موظفاً. وأعلنت حماس ان 11 من مسلحيها أصيبوا في المواجهات. وفي جنين شمالي الضفة، أعلنت «كتائب شهداء الاقصى» حماس «حركة محظورة» واحتلت مكاتب ومدارس وجمعيات قريبة من الحركة الاسلامية. وأصدر عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية بياناً مشتركاً، بعد اتصال هاتفي بينهما، أكدا فيه «على دعوتهما كل الأطراف لوقف الاقتتال والعودة إلى لغة الحوار واحترام الاتفاقات التي وقعت لحماية الوحدة الوطنية». غير أن «حماس» نفت الاتفاق على هدنة. وكان عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل قد بحثا، في اتصال هاتفي، «ماذا يمكن أن يفعل مشعل لوقف إطلاق النار في غزة» بحسب المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني نمر حماد. وفي مطلع الأسبوع الماضي تعرض منزل رئيس الوزراء إسماعيل هنية، لهجوم بالقذائف الصاروخية (آر بي جي) دون وقوع إصابات. وأكدت المصادر أن هنية وأبناء عائلته كانوا داخل منزلهم الكائن في مخيم الشاطئ غرب غزة ساعة وقوع الهجوم، الذي تسبب في إلحاق أضرار مادية. وقال ضابط بالحرس الرئاسي إن عدة قذائف مورتر سقطت على مجمع الرئيس محمود عباس في غزة في وقت مبكر من اليوم السابق.كما اقتحم مسلحون من «حماس» منزل النائب نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لـ«فتح» في منطقة السودانية شمال قطاع غزة. وذكرت مصادر أمنية أن مئات المسلحين من القسام والقوة التنفيذية حاصروا منزل الدكتور ودمروا جميع محتوياته، كما أطلقوا النار صوب أحد مرافقي شعث داخل المنزل ما أدى إلى إصابته بجروح. وأكدت المصادر أن شعث لم يكن داخل المنزل لحظة عملية الاقتحام. واقتحم مسلحون من حركة «فتح» محطة تلفزيون الأقصى ومحطات إذاعية تابعة لـ«حماس» وبثوا أناشيد «فتحاوية».
Leave a Reply