محمد العزير
لفتتني إلى حد الدهشة، الحملة غير المنظمة التي شنتها زميلات صحفيات واعلاميات وناشطات مدنيات وصديقات على التواصل الاجتماعي ضد الفتاة السويدية المراهقة غريتا ثورنبرغ (16 عاماً) التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة في مستهل الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة لجرأتها في رفع الصوت أمام زعماء العالم للتحرك بجدية للحد من التغير المناخي الذي يهدد العالم راهناً.
ذهبت بعض الزميلات إلى اتهام ثورنبرغ بانها تردد كلاماً لقنها إياه الكبار وانها تفتعل مواقف لاستدرار العاطفة في قضية لا تفقه فيها ولم يتوان بعضهن عن إضفاء صفات شخصية عليها كالبلاهة وثقل الظل. الحقيقة لا أعرف سبباً لهجمة من هذا النوع يمكنني ببساطة أن أنزهها عن العنصرية لأن الموجة جرفت في طريقها (المراهقة الباكستانية) ملالا يوسفزاي التي اشتهرت عالمياً بجرأتها وشجاعتها بعد نجاتها من الموت بأعجوبة عندما أطلق على رأسها مسلحو حركة طالبان الرصاص لأنها فتاة وتذهب إلى المدرسة.
التفسير الوحيد لهجمة كهذه إذا استبعدنا العامل الشخصي، غير المتوفر في الحالتين، هو عدم فهم المهاجمات للاختلاف الجوهري في السلوك التربوي بين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى، خصوصاً المجتمعات الغربية، وعدم القدرة على تجاوز النظرة النمطية للبنات في مجتمع ذكوري لا تزال منطلقاته تملي نفسها على السلوك الإجتماعي، فضلاً عن عدم متابعة الحركات المطلبية النشطة في الغرب عموماً والتي بدأت مع فجر الألفية الجديدة بتخريج قيادات صغيرة العمر من المراحل الاعدادية والثانوية تؤدي دوراً كبيراً جداً في توعية الجيل الجديد وتنبيهه إلى مخاطر الآفات التي تواجهه ولا سيما المخدرات والجريمة… فليس غريباً في أميركا على سبيل المثال أن يقود مراهقون حملات إقليمية ووطنية تطالب بالحد من انتشار السلاح والتدخين والمخدرات، ويصل الأمر بهم إلى المشاركة في جلسات استماع في الكونغرس أو في تنظيم اعتصامات ومسيرات في مدارسهم ودوائرهم لرفع الصوت في وجه قوى الضغط والشركات الكبرى التي لا يهمها الا الربح المالي.
إلى حد ما مسّتني تلك الحملة شخصياً. فبين أولادي بنتان؛ زينة التي أصبحت محامية هذا العام وجنان (15 عاماً) في سنتها الثانوية الثالثة، اللتان أبديتا في سن مبكر جداً اهتماماً ملحوظاً بالشأن العام. انصب اهتمام زينة على الحريات المدنية وحقوق النساء والملونين وكانت في العام 2000 السبب في دفع المجلس التربوي لمدينة ديربورن كبرى الحواضر العربية في أميركا إلى الاعتراف بيوم داعية الحقوق المدنية الشهير مارتن لوثر كينغ كعطلة رسمية، والأهم حث التلامذة على الكتابة عن أهمية ذلك اليوم وتالياً عن الاضطهاد الذي تعرض له السود والمهاجرون والسكان الأصليون في أميركا.
أما ابنتي جنان فانصب اهتمامها ولا يزال، على القضايا البيئية إلى درجة أنها تمنعنا في البيت من قتل ذبابة أو برغشة وتعمد إلى إخراج من يغزونا من هاتين الفئتين من البيت بسلام ولطف، كما ترفض استخدام أية مبيدات كيمياوية أو عضوية لمكافحة ما يغزو البيوت من حشرات وزواحف «لأننا نحن نعتدي على بيئتهم وليس العكس». ترأست جنان وهي في الثالثة عشر من العمر وفد الصف الثامن في مدرستها الإعدادية لزيارة مقر مجلس الشيوخ في كاليفورنيا وألقت هناك كلمة حثت فيها المشرعين على التعامل مع البيئة باحترام والحد من التلوث ومن قطع الاشجار.
أشهد بأني لم ألقّن جنان حرفاً مما قالته وأني لم أعرف بزيارتها إلى مجلس الشيوخ التي دبرتها مع خالها كريستوفر وودز الذي يعمل مستشاراً في كونغرس الولاية.
لم يعد أطفال اليوم وفتيانه (من الجنسين) في ظل انتشار التواصل الإجتماعي وثورة المعلومات أسرى الصورة القديمة عن المراهقين المتعطشين للفوضى والتدخين والمجون. بعض هذا الجيل الذي تخطى التصانيف الدينية التقليدية للأخلاق يتصرف من منطلق أخلاقي جديد، أخلاق تقوم على احترام الناس وكراماتهم واحترام الطبيعة والبيئة، وأولاً، احترام النفس.
لا يفوتني هنا تفادياً لتهمة التحيز أن أوضح أن بعض الذكور شارك في الحملة أيضاً لكن بحياء أكثر.
Leave a Reply