ديربورن
في خطابه الثاني عن حال المدينة، وقبل أشهر قليلة من خوض الانتخابات للاحتفاظ بمنصبه، أكد رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود، أمام حشد كبير من المسؤولين والسكان في «مركز فورد للفنون» مساء الثلاثاء الماضي، على قوة مدينة ديربورن، مستعرضاً الإنجازات العديدة التي تحققت في ظل إدارته خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى جانب خططه المستقبلية الواعدة حول قضايا الصحة والرفاهية والسلامة العامة والحيوية الاقتصادية في المدينة التي وصفها بأنها «الأسرع نمواً» في ولاية ميشيغن، بفضل الاستثمارات في أمن الأحياء والمرافق العامة والبرامج الاجتماعية المصممة لدعم الأسر.
وقبل بدء الخطاب، شاهد الحضور الذي غصت بهم القاعة، فيديو ترويجياً لمدينة ديربورن أُنتج عام 1986 بعنوان: «الوجهة ديربورن» Destination Dearborn تخللته وثائق بصرية نادرة تؤرخ لمسيرة المدينة في ذروة تحولاتها الاقتصادية والاجتماعية من خلال عرض لقطات مميزة لمصانع شركة فورد العملاقة، ومشاهد الحياة اليومية في الأحياء والمراكز التجارية، والحضور المتنامي للجالية العربية الأميركية، وذلك عبر سردية متفائلة وإيقاع بصري يعكس طموح المدينة في أن تكون وجهة مستقبلية للسكن والاستثمار والسياحة.
بعد ذلك، استهل حمود كلمته بالتأكيد على استمرارية مكانة ديربورن كوجهة مزدهرة تجمع بين القوة الصناعية والتنوع الثقافي، قائلاً «نحن هنا لنتأمل في التقدم الذي أحرزناه، ولنُحاسب أنفسنا على الوعود التي قطعناها، ولنرسم معاً مسار المستقبل»، مسلطاً الضوء على جاذبية المدينة الدائمة لعديد العائلات، بما فيها عائلته التي هاجرت من جنوب لبنان إلى الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي (حين تم إنتاج الفيديو الترويجي)، مكرراً وعوده بترسيخ السلامة العامة، والتكامل المجتمعي، والازدهار الاقتصادي، بما يضمن بقاء ديربورن «وجهة مفضلة» للأسر والأعمال التجارية في قادم الأيام.
وأمام حشد ضخم من المسؤولين وفعاليات المجتمع المحلي، أضاف حمود: «لقد قطعت المدينةٌ وعداً بأنه إذا أتيتم إلى هنا، ورسختم جذوركم، وعملتم بجد، ورددتم الجميل لمجتمعكم، فسوف تتمكنون من تحقيق الحلم الأميركي»، مستدركاً بالإشارة إلى أن ذلك «الوعد استمر عبر الأجيال، وعلينا أن نقرر ما الذي ستتعهد به ديربورن غداً، وكل يوم بعده».
وتتحضر ديربورن هذا العام لإجراء انتخاباتها المحلية عبر جولتين، تمهيدية ونهائية، خلال شهري آب (أغسطس) وتشرين الثاني (نوفمبر) على التوالي، بما في ذلك، رئاسة البلدية وجميع مقاعد مجلس المدينة السبعة، بالإضافة إلى الكليرك.
الوفاء بالوعود
حمود (35 عاماً)، وهو أول عربي وأول مسلم يتقلد منصب رئيس البلدية في المدينة التي تضم زهاء 110 آلاف نسمة يشكل العرب الأميركيون حوالي 55 بالمئة منهم بحسب الإحصاءات الرسمية، استعرض خلال كلمته –التي ترافقت مع عرض الصور والبيانات والمخططات على شاشة عملاقة– أهم إنجازات إدارته منذ توليه المنصب في مطلع عام 2022، بعد حملة انتخابية تعهد فيها بدعم الأسر العاملة وتحسين جودة الحياة في المدينة، من خلال: خفض الضرائب العقارية، وتشجيع التنمية السكنية والتجارية، وتحسين البنية التحتية، بالإضافة إلى مكافحة الجريمة والقيادة المتهورة وتعزيز الصحة العامة.
وفي الإطار، أكد حمود على أهمية المسؤولية المالية في تنمية ورخاء المدينة، مشيراً إلى أن إدارته أقرت خلال السنوات الثلاث الماضية «ميزانيات متوازنة مالياً لأول مرة منذ أكثر من عقدين» مع تسجيل أدنى معدل ضريبي على العقارات منذ عام 2010، وقال إنه أرسل مؤخراً إلى مجلس المدينة ميزانية السنة القادمة بقيمة 151 مليون دولار، والتي تشمل أموالاً مجزية لدائرتي الشرطة والإطفاء «اللتين تعملان حالياً بنصاب مكتمل من الموظفين لأول مرة منذ زهاء عقدين أيضاً».
وتوقّع حمود أن تشهد ديربورن بحلول العام 2035 تراجعاً بنسبة 10 بالمئة في معدل الضرائب العقارية للعائلات المقيمة في المدينة، لينخفض معدل الضريبة إلى المستويات المسجلة ما قبل أزمة المالية لعام 2009، والتي وضعت معظم البلديات على شفير الإفلاس.
وأشار حمود إلى أن إدارته نجحت بتحصيل ما يربو على 120 مليون دولار من المساعدات الحكومية (من المقاطعة والولاية والحكومة الفدرالية) لتمويل عشرات المشاريع المتنوعة في كافة أنحاء المدينة، بما في ذلك، إنشاء ثلاث حدائق عامة جديدة، باسم «منتزهات السلام»، في كل من وسط المدينة الغربي، ووسط المدينة الشرقي، ومنطقة الساوث أند، حيث سيتم افتتاح المنتزه الثالث هذا الصيف، «بكلفة إجمالية ناهزت 30 مليون دولار بدون زيادة أية أعباء مالية على كاهل السكان».
كذلك لفت حمود إلى تجهيز منتزهات «كراولي» و«فورد وودز» و«لابير» بألعاب ومرافق مخصصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، مؤكداً أنه بحلول الصيف القادم، «ستكون عائلات ديربورن بأكملها على بعد عشر دقائق بالسيارة فقط من الحدائق العامة المجهزة بساحات لعب مصممة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة».
ومثّلت السلامة المرورية، محطة رئيسية في خطاب حمود موضحاً أن «دائرة الشرطة المجهزة والممولة في بشكل كامل»، تنتهج خطة ثلاثية الأبعاد لمعالجة آفة القيادة المتهورة تتضمن إنفاذ القانون، والتثقيف، وإعادة هندسة المرور. وقال إن ديربورن شهدت خلال العام الماضي زيادةً قياسيةً في تحرير المخالفات المرورية، بالإضافة إلى إعادة تفعيل برنامج مدرسة المرور لدى محكمة ديربورن (المحكمة 19) لتأهيل السائقين الذين يكررون انتهاك قوانين السير.
وأضاف بأن دائرة الشرطة تشدد الخناق على القيادة المتهورة باستخدام برامج قائمة على البيانات، وقال: «لقد أجرينا دراسة تجريبية لمطبات السرعة، حيث ركّبنا ثلاث مجموعات منها بالقرب من منتزهات هيملوك وليفاغود ولابير، مع أجهزة مراقبة السرعة لتفحص جدواها، ووجدنا أن السرعة انخفضت بنسبة تزيد عن 20 بالمئة في تلك المناطق»، مضيفاً: «منذ ذلك الحين، شهدنا التزاماً بنسبة 98 بالمئة من السائقين بالسرعة».
وفي السياق، كشف حمود عن خططٍ مستقبلية لصرف 1.5 مليون دولار خلال الصيف المقبل لتركيب 300 مطب سرعة إضافي في الشوارع الداخلية بمختلف أحياء المدينة، وكذلك تركيب 100 إشارة توقف ضوئية، و60 شاشة رادار لرصد السرعات، و40 إشارة تقاطع أحادية الاتجاه، فضلاً عن إنشاء أكثر من 20 ممراً مرتفعاً للمشاة عبر الطرقات المحيطة بالمدارس، و12 إشارة عبور للمناطق المدرسية، و5 إشارات وامضة (فلاشينغ).
كما أبدى رئيس البلدية اعتزازه بالإنجازات التي حققتها دائرة الشرطة في مكافحة جميع جرائم السطو والسرقات، والتي أسفرت العام الماضي عن أرقام قياسية، أصبحت ديربورن بموجبها «ثاني المدن الكبيرة أماناً في ولاية ميشيغن». وقال حمود إن جرائم السطو على المنازل في المدينة انخفضت بمعدل 35 بالمئة، وسرقات السيارات بنسبة 22 بالمئة، ومحتويات المركبات بنسبة 30 بالمئة، والسرقات الأخرى بنسبة 25 بالمئة، مشيداً بجهود ضباط الدائرة وقائدها عيسى شاهين.
إلى جانب ذلك، تسعى المدينة لأول مرة في تاريخها إلى إنشاء أول دوار عند تقاطع شارعي تشايس وروبي، كما سيُعاد تصميم أحد أخطر المنعطفات في ديربورن، عند شارعي شايفر وبروسبكت لتفادي الاختناقات والحوادث المرورية المتكررة، بحسب حمود.
كما تطرق حمود بالتفصيل إلى جهود البلدية التي تضم زهاء 1,400 موظف في تطبيق عديد الاستراتيجيات للحد من من تأثير الفيضانات التي شكلت إحدى المعضلات الرئيسية في ديربورن خلال السنوات الماضية، والتي شكلت أيضاً أحد العناوين الرئيسية لحملة حمود في سباق رئاسة البلدية في عام 2021، لافتاً إلى النتائج الملموسة للمشاريع التي تم تنفيذها منذ عام 2023، والتي تضمنت تنظيف مسارب نهر الروج من العوائق والمخلفات وجذوع الأشجار ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه بأكثر من قدم، وسمح بتصريف مياه الأمطار في الأحياء بمعدل أسرع.
وأشاد حمود بفعالية المستجمعات البيولوجية المصممة لزيادة امتصاص مياه الأمطار، بما فيها المساحات الجديدة على طول شارع مورو سيركل التي تستوعب ما يصل إلى 40 ألف غالون من مياه الأمطار عقب كل عاصفة، مشيراً في هذا الصدد إلى خطط مستقبلية لتوسيع نطاق المبادرة بالتوازي مع خطط أخرى تشمل تصميم مانعات التدفق العكسي في مجرى نهر الروج لحماية آلاف المنازل في الأحياء المعرضة للفيضانات في شرق ديربورن.
وفي الإطار، قال حمود: «قبل بضعة أسابيع، هطلت أمطارٌ بلغت قرابة 3 إنشات في جنوب شرق ميشيغن وربما لاحظتم أنه بينما كانت المدن المجاورة تُكافح الفيضانات المفاجئة على طرقها وأقبية منازلها، لم تكن ديربورن غارقةً بالمياه»، موضحاً بأن إدارته خصصت أكثر من 25 مليون دولار حتى الآن لمعالجة أزمة الفيضانات عبر عديد المشاريع التي سيتم الإعلان عنها خلال الأشهر المقبلة، ومضيفاً بأنه سيتم الكشف في وقت لاحق من العام الجاري عن نتائج دراسة شاملة لعدة سنوات لأنظمة العواصف والصرف الصحي.
وأوضح حمود بأن ديربورن حققت ضمن عهده تقدماً ملحوظاً في مجال الصحة العامة والعدالة البيئية، حيث عملت رئاسة البلدية مع مجلس المدينة على إصدار قوانين أشد صرامةً للتحكم في النفايات الصناعية الخطرة بغية الحدّ من الغبار الضارّ المتطاير، لافتاً إلى نجاح دائرة الصحة العامة في البلدية بتحصيل ما يصل إلى 4 ملايين دولار عبر تسويات قانونية تُلزم الشركات بتخفيف تلوث الهواء الناجم عن أعمالها الصناعية. وكان حمود قد بادر إلى تأسيس دائرة الصحة بعد فترة وجيزة من توليه منصب رئيس البلدية عام 2022.
ولفت حمود في خطابه الذي استغرق زهاء 35 دقيقة، إلى أن ديربورن خطت خطوات واسعة في تحسين خدماتها لجميع السكان بعد تحديث موقعها الإلكتروني العام الماضي مزوداً بخدمات الترجمة باللغتين العربية والإسبانية، بالتوازي مع إنشاء مركز استجابة جديد يوفر الخدمات للسكان على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع عبر الاتصال على الرقم 311، وقال إن المدينة تستعد في وقت لاحق من هذا العام لإطلاق خدمة إصدار التصاريح عبر الإنترنت.
كما أشار إلى خطط البلدية لإعادة تطوير شارع وورن التجاري، بما في ذلك سلامة المرور وتحسين واجهات المباني والأعمال التجارية على طول الكوريودور الحيوي. وقال حمود: «إن التحول إلى مدينة وجهة لا يقتصر على تشييد مبانٍ جديدة أو تنمية الأعمال، بل يشمل أيضاً خلق فرص حقيقية للجميع ليعيشوا حياة صحية وكريمة، ما يعني الاهتمام بعائلاتنا عندما يغفل عنها الآخرون، كما يعني سدّ الثغرات والمساهمة في المجالات الأكثر أهمية، وهذا ما نفعله كل يوم حيث نستكشف العالم بحثاً عن برامج جريئة يمكننا تطبيقها في ديربورن».
مشاريع مستقبلية
حمود الذي أكد التزامه المبدئي بالصحة العامة، كشف عن مشاريع طموحة لتعزيز الأولويات الأساسية في مدينة ديربورن، من بينها مشروع «الحزام الأخضر الصناعي في ديربورن»، الرامي لإعادة تصميم المناطق الواقعة على طول شارع «إندستريال» في الجانب الجنوبي من ديربورن، وهي منطقة شديدة التلوث بفعل مخلفات مصنع «فورد روج» وباقي المصانع الأخرى، التي جعلت من منطقة الساوث أند «بؤرة لأمراض الربو عند الأطفال».
واعتبر حمود مشروع «الحزام الأخضر الصناعي»، مبادرة جريئة وطويلة الأمد تتوخى إيجاد منطقة حيوية خضراء على طول شارع إندستريال من خلال تبطيء حركة المرور والتقليل من تلوث الهواء وزيادة امتصاص مياه الفيضانات، مع توفير مساحة طبيعية في واحدة من أكثر المناطق الصناعية ازدحاماً في المدينة.
ولفت إلى أن البلدية استحوذت بالفعل على عقارات رئيسية في تلك المنطقة، بأكثر من 200 ألف قدم مربع، وذلك بالتعاون مع «نخبة من المفكرين والمهندسين المعماريين ومخططي المدن في جامعة ميشيغن»، وقال: «في ديربورن، نُدرك أن العدالة البيئية ليست مجرد شعار، إنها أمرٌ علينا أن نُصمم من أجله، ونُخصص له مناطق، ونسعى لتحقيقه، فمن وجهة نظرنا، كل شيء في ديربورن مرتبط بالصحة العامة».
كما كشف رئيس البلدية أيضاً عن خطة لتحويل مكتبة «أسبر» على شارع وورن بشرق ديربورن إلى مركز تفاعلي رائد للأطفال في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات (STEAM)، لافتاً إلى أنه استوحى الفكرة من مشروع مماثل في مدينة نورثفيل التي كان يقصدها مع زوجته بعد إنجاب طفلتهما الأولى، بسبب افتقار المدينة إلى المرافق الترفيهية والتثقيفية المبتكرة، ومؤكداً بأن ارتياد المركز الذي سيتيح للطلبة أيضاً فرص استكشاف «عوالم الروبوتات والدوائر الكهربائية والطباعة الثلاثية الأبعاد» سيكون مجانياً لجميع الزوار.
مساعدات مالية للحوامل
وفي إطار التركيز على الصحة العامة، أعلن حمود عن انضمام ديربورن لبرنامج Rx Kids الذي يقدم مساعدات مالية للحوامل والمواليد الجدد تصل إلى 4,500 دولار.
وبحسب البرنامج الذي ابتكرته الطبيبة العراقية الأصل منى حنا عتيشا، وبدأ تطبيقه في مدن أخرى مثل فلنت وكالامازو، سوف تحصل كل امرأة حامل على مبلغ 1,500 دولار، ثم على 500 دولار شهرياً لمدة ستة أشهر بعد إنجاب مولودها، بهدف دعم الأسر والمواليد الجدد والنمو السكاني في المدينة.
وأكد حمود بأن ديربورن تتميز عن غيرها من المدن الأخرى في ولاية ميشيغن بارتفاع معدل إنجاب الأطفال، وقال: «عندما يفكر معظم الناس في ديربورن، يتبادر إلى أذهانهم مصنع الروج وإنتاج السيارات، ولكن هل تعلمون ما الذي تُبدع فيه ديربورن أيضاً؟ الأطفال، هذا صحيح، إذ تُنتج ديربورن أكثر من 1,700 طفل سنوياً، حيث يزيد معدل المواليد لدينا بنسبة 66 بالمئة عن معدل الولاية»، ما يجعلها واحدة من أكثر المدن إنجاباً في عموم الغرب الأوسط الأميركي.
ونوّه حمود بأن إتاحة برنامج Rx Kids لأمهات ديربورن تحققت «بفضل التمويل والدعم من مقاطعة وين، والشراكة مع محافظ المقاطعة وورن إفينز ونائبه أسعد طرفة، بالإضافة إلى تمويل الولاية الذي تم تأمينه بمساعدة عضو مجلس الشيوخ سيلفيا سانتانا، وممثل ديربورن في مجلس نواب ميشيغن العباس فرحات». كما حرص حمود على شكر ممثل المدينة في مجلس مفوضي مقاطعة وين، سام بيضون، لدوره في توفير منح حكومية لصالح المدينة.
Leave a Reply