إنها «حمّى» انتخابية تضرب الساحة السياسية اللبنانية.
976 طامحاً إلى النيابة، تقدموا رسميا بترشيحاتهم، وكسروا الرقم القياسي لعدد المرشحين في تاريخ الانتخابات البرلمانية في لبنان، إذ لم يسبق في الماضي أن سُجل مثل هذا الإقبال الكثيف على الترشح. كما كان لافتاً للانتباه وجود 111 امرأة بين المرشحين، وهو أيضاً رقم غير مسبوق على مستوى المشاركة النسائية في المنافسة الانتخابية.
وتجدر الإشارة إلى أن رسم الترشيح بلغ 8 ملايين ليرة لبنانية، أي ما يعادل 5000 دولار أميركي تقريباً، ما يعني أن مجموع المرشحين الـ976 سددوا للخزينة قرابة 8 ملايين دولار، علماً أنه في حال الانسحاب لا يحق للمرشح استعادة اي جزء من المبلغ المسدد كما كان يحصل في الانتخابات السابقة.
أسباب الإقبال القياسي
وبينما يعتبر البعض أن الارتفاع الكبير في عدد المرشحين يعكس قدراً كبيراً من الحيوية والديمقراطية في المجتمع السياسي اللبناني، وجد البعض الآخر في ذلك نوعاً من الخفة والاستسهال في التعاطي مع استحقاق 6 أيار.
أما الأسباب الرئيسية التي تقف خلف هذه «الخصوبة» فيمكن اختصارها بالآتي:
– القانون الانتخابي الجديد الذي يعتمد للمرة الأولى على النسبية بعيداً من النظام الأكثري الإقصائي، الأمر الذي كسر الوكالات السياسية الحصرية وعطل مفعول المحادل الانتخابية، ما منح الكثير من المجموعات والأفراد آمالاً في احتمال تحقيق اختراقات كانت تبدو مستحيلة في الماضي.
– الانقطاع عن إجراء الانتخابات النيابية منذ عام 2009 بفعل التمديد تلو الآخر للمجلس النيابي بذريعة الظروف القاهرة، ما ولّد توقاً وشوقاً لدى اللبنانيين لاستعادة حقهم الديمقراطي في الاقتراع واختيار من يمثلهم حقاً في البرلمان، بعدما انتهت صلاحية التفويض الشعبي الممنوح للنواب الحاليين الممدّد لهم.
– شكوى اللبنانيين العارمة من الفساد المستشري والبطالة المتزايدة والركود الاقتصادي والأزمة الاقتصادية وفضيحة الكهرباء وعجز الطبقة السياسية وغيرها من الملفات الملحة، وبالتالي شعورهم بأن التغيير أو الحل قد يبدأ من صندوق الاقتراع عبر انتاج مجلس نيابي جديد، يكون قادراً على التصدي لتحديات هذه المرحلة، ويفرز سلطة مغايرة عن تلك السائدة حالياً والتي أخفقت في إيجاد المعالجات المطلوبة.
بانتظار اكتمال اللوائح
وفيما سجلت أعداد المرشحين إقبالاً قياسياً، يُتوقع أن تكون نسبة المشاركة الشعبية في الاقتراع قياسية أيضاً هذه المرة، لأن المواطن بات يشعر بأن صوته أصبح وازناً وقادراً على التأثير في مسار النتائج، بعدما كانت قواعد النظام الأكثري قد قلصت قيمته.
ومع تواصل الأخذ والرد بين القوى السياسية والناشطة حول تشكيل اللوائح الكاملة التي ستعكس التحالفات المفترضة، حملت الترشيحات الحزبية العديد من الدلالات التي يجدر التوقف عندها، ومنها:
– بروز ظاهرة التوريث النيابي، ومحاولة الآباء نقل «الراية» إلى الأبناء، ما يعكس إصرار بعض البيوتات والعائلات على حماية «النسل السياسي» و«الإرث النيابي» مهما كلف الأمر (تيمور وليد جنبلاط، طوني سليمان فرنجية، سامي احمد فتفت، طلال معين المرعبي، نزار محسن دلول، كميل دوري شمعون، ميشال جبران تويني، حسن حسين الحسيني، نعمة جورج افرام، وآخرون..).
– تشظي بعض العائلات وانقسامها نتيجة السباق المحموم على المقعد النيابي، كما حصل مع انقلاب المرشح وليد البعريني على والده النائب السابق وجيه البعريني، بعدما التحق الابن بلائحة «تيار المستقبل» في عكار مخالفاً إرادة أبيه الذي يصنف من مؤيدي سوريا والمقاومة في تلك المنطقة.
ومن أشكال النزاعات العائلية أيضاً أن الرئيس حسين الحسيني وشقيقه فيصل يتواجهان انتخابيا في بعلبك– الهرمل، ويتنافس ابنا العم نقولا وفايز غصن في الكورة، وتخوض السيدة ديما جمالي المرشحة على لائحة «المستقبل» عن المقعد العلوي في طرابس معركة ضد سِلفها محمد الفاضل المرشح على لائحة أخرى، وفي زحلة يترشح ميشال فتوش ضد عمه النائب نقولا فتوش وكذلك تواجه رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف ابن عم زوجها ميشال سكاف..
– تصدع في داخل بعض الاطر الحزبية، كما جرى مع «تمرد» النائب كاظم الخير على «تيار المستقبل» الذي ينتمي إليه، بعد إقصائه عن لائحة مرشحي التيار في المنية، ما دفع الخير إلى الانضمام إلى لائحة الرئيس السابق نجيب ميقاتي، خصم الحريري في انتخابات الشمال.
وفي منطقة كسروان أيضاً انتفضت عضو كتلة التغيير والاصلاح النائب جيلبرت زوين على قرار «التيار الوطني الحر» بعدم ترشيحها مرة أخرى، وقررت أن تستمر في خوض الانتخابات، ما يضعها أمام احتمال الفصل من صفوف التيار إذا أصرت على موقفها.
هذه بعض مفاعيل مرحلة الاستعدادات للانتخابات النيابية المقررة في 6 أيار المقبل… في انتظار الآتي.
Leave a Reply