في إحدى لقطات فيلم ناجي العلي (إخراج عاطف الطيب-1992) يعاني رسام الكاريكاتير الفلسطيني من أحلام وكولبيس تؤرق نومه، فيستيقظ مضطربا ويهرع إلى الورقة البيضاء ويرسم “حنظلة”. تلك اللقطة كانت تدليلا على إحدى أهم اللحظات في حياة الفنان ناجي العلي.
خنظلة.. الأيقونة والرمز وربما الاسم الآخر لناجي العلي، سيتواجد على جميع اللوحات الكاريكاتيرية التي رسمها الرسام الفلسطيني. وحنظلة.. الطفل ابن السنوات العشر، لا يكبر ولا يتغير، وحنظلة أيضا.. هو الفلسطيني الذي يديم النظر إلى فلسطين، فيبدو وكأنه يدير ظهره للجميع.
بالتأكيد، تستحق مسيرة الفنان ناجي العلي فيلما يوثق لتجربته الشخصية والفنية، لما تنطوي عليه من تفاصيل درامية لشاب ريفيّ ألخص لقضيته فأصبح قامة وطنية مدججة بسلاح من نوع آخر.. خاصة في تلك المرحلة التي كان فيها الكلاشنكوف جزءا من صورة الفلسطيني. ناجي العلي كان من طينة أخرى.. كان يناضل بريشته ضد الأعداء والأصدقاء، ولذلك لم يتمكن من الدفاع عن نفسه حين هاجمه القتلة في لندن.. بل حتى أن القتلة لم يعرفوا الخوف في تلك اللحظة، لأن “الهدف” لم يكن مسلحاً إلا بلوحة. وأقسى ما في الأمر.. أن القتلة لم يعرفوا ان السبب وراء تصفية الفنان الفلسطيني كان.. رسومه!
اللوحة الأخيرة التي كان يحملها ناجي العلي في تلك اللحظة.. تقول: لا لكاتم الصوت. وناجي العلي قتل بمسدس مزود بكاتم صوت، فأية دلالة وراء ذلك؟!
المثير.. أن “حنظلة” الكائن الافتراضي يستحق فيلما أيضاً، وهذا ما فعلته الفنانة هناء الرملي التي أخرجت فيلماً تسجيليا بعنوان “حنظلة”، مدته عشر دقائق. وفيه تحاول الرملي استقصاء صورة حنظلة في أذهان الناس، خاصة وأن حنظلة تحول إلى رمز بجانب الرموز الفلسطينية الأخرى، كالكوفية، وشجرة الزيتون، وغيرها.
في الفيلم ترصد الكاميرا حنظلة-الأيقونة التي يعلقها البعض في أعناقهم، أو مع مفاتيحهم، أو على جدران منازلهم، وبعضهم وضعها وشماً على جسده.
أحد الأشخاص الذين ظهروا في الفيلم، قال ببلاغة ملفتة: إن حنظلة لا يدير ظهره لنا، لأنه غير مهتم بالقضية، بل هو يدير ظهره لنا لأنه إمامنا..
شخص آخر، قال: إن “حنظلة” كان أول من رمى الحجر، وهو بذلك يكون الملهم لانتفاضة الحجارة. وكان ذلك إيماء إلى إحدى اللوحات التي رسمها ناجي العلي قبل بضعة شهور من اندلاع الانتفاضة الأولى.
بعض أصحاب المحلات التجارية، قالوا إن الطلب على ميداليات حنظلة، مازال مستمرا. لا ينقطع الطلب على تلك الميداليات حتى بالنسبة لجيل الشباب، وهذا يعني أن حنظلة ما يزال رمزا وقيمة وأيقونة حتى بالنسبة للأجيال الجديدة.
حنظلة.. الضمير، أو الحقيقة الفجة التي تزعج الجميع وتحرجهم، ربما ما يغفر له أفعاله أنه ما يزال طفلاً في العاشرة، وغداً عندما يكبر سيتعلم كيف مؤدباً و”آدمي”. ولكن ماذا لو لم يكبر حنظلة.. وهذا ما يحصل حقاً. طبعاً الطفل سيستمر بالإشارة إلى “الامبراطور” العاري، وسيضحك ملء قلبه، بينما الآخرون يمتدحون ثيابه الملكية.
حنظلة أيضا.. تعني المرارة في اللغة، وحنظلة الأيقونة وبطل لوحات ناجي العلي يشعر بالمرارة ويجعلنا نشعر بها.. طفل لا يكف عن المشاغبة واللعب بأعصابنا!
الفيلم متوفر على اليوتيوب، وعلى موقع ناجي العلي.
Leave a Reply