مريم شهاب
مع حلول عيد الأم، يشدني الحنين إلى أمي، ومع حلول شهر رمضان يشدني الحنين إلى خبز أمي. يشدني الحنين إلى بلدتي البسيطة، برعشيت في جنوب لبنان، حيث كان يعيش أهل كل حيٍّ نهارات وليالي رمضان سويةً، يتقاسمون ما عندهم، في بساطة وطيبة، في عصر ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي التي تضج بالتبريكات والتمنيات حتى الملل.
مثل كل أمهات زمان، يطل وجه أمي في كل رمضان، حاملاً تعب السنين ووجع الأيام ومُرّ الصبر وضنك العيش… في الحر والبرد، في الصحو وفي المطر، بدون برادات وغسالات ولا ماء ساخن في الحنفيات، وبدون التهافت على شراء مختلف أنواع السلع الغذائية والمشروبات والسهر على الفضائيات.
يشدني الحنين إلى أيام البركة، إلى اليدين اللتين كانتا تعجنان وتحضّران الطعام الواحد لليوم الواحد، بلا إسراف أو تبذير. كانت لقمة الخبز نعمة، علمتنا الأمهات أن نحترمها ولا نستخف بها ونرميها في المهملات «كرمال الدايت» الذي لا ينتهي. إذا وقعت قطعة خبز أو وجدناها مرمية على الأرض، تعلمنا أن نلتقطها ونلثمها باحترام ورفعها على الرأس شكراً لله طالبين منه تعالى أن يديمها نعمة ولا يحرمنا منها.
الآن، الكثيرون منا جعلوا رمضان ذريعة للبذخ وفلتان الأعصاب وفرصة للسمر والسهر حتى مطلع الفجر.. ينصحونك بما تأكل وما تشرب وكيف ومتى تنام، ويعددون لك المفطرات وفوائد الصيام وأجره، وتغيب في هذه الهوجة روحانية الشهر الفضيل.
الصيام الذي هو تهذيب لنفس الإنسان. وهل الله سبحانه وتعالى، العلي القدير، مالك الملك ومجري الفلك، بحاجة لصيام الإنسان؟ أم أنه فرصة للتقوى والصبر وترويض نفسه اللوامة؟ و«أن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون».
كانت أمي رحمها الله، قارئة للقرآن، متدينة بلا تطرف، وكان قدوم شهر رمضان يثير ارتباكها، ليس بسبب مشقة الصيام، ولكن بسبب المرحوم أبي الذي كان مدخناً شرهاً. فالامتناع عن التدخين كان يجعله عصبياً متعكر المزاج. أما أمي فكانت تعاني بصمت وتبكي خلل عينيها الخضراوين وتردد بحرارة «وإنما أشكو بثي وحزني إلى الله»، فتمر أيام شهر الخير بدون خسائر تذكر للطرفين.
مثل أمي، يشعرني حلول رمضان بالانقباض والاكتئاب. ربما لأنني فشلت كأم في تعليم أولادي روحانية الصيام، وأنه ليس شهراً للأكل والطعام. هذا يريد التبولة وذاك يرغب بالملوخية، وآخر يشتهي البطاطا وعلى باله كبة بصينية. فيضيع الوقت في تحضير مائدة رمضان ولحظات التأمل أثناء الجلي الذي لا ينتهي بعد الوليمة، فأستغفر ربي وأرجو رحمته، فإنه الرحمن الرحيم.
رحِم الله أمي وجميع الأمهات. وكل رمضان وأنتم بخير!
Leave a Reply