بعض الأصدقاء القراء، أصابهم الملل من قراءة ومشاهدة الأخبار والمقالات السياسية، تماما مثلما مل الشعب العربي من رؤسائه وملوكه. وهذا المقال لكل من يعاني من الملل الزوجي.
تبدأ الحياة الزوجية الحقيقية عندما ينقضي شهر العسل، وبالتدريج يبدأ كل منهما بالتفكير منفردا. هي تفكر كيف كان يبدو كالأبله وهو يجري ليخطب ودها. وهو يفكر كيف كان أبله، أو أهبل، فعلا وهو يجري وراءها. هي تحار في معرفة حقيقة مشاعره، ويبدأ هو في إخفاء حقيقة دخله وداخله.
يبدأ هو بالبحث عن سبب وجيه للزواج منها، وهي تلوم نفسها كونها اختارته من بين الخطاب العديدين الذين رفضتهم. يتبع ذلك مرحلة ترشيد القبلات بينهما حتى تكاد تصبح بالبطاقة: قبلة كل شهر، ثم في رأس السنة، ثم كل أربع سنوات. هذا اذا فاز فريق كرة القدم الذي يشجعه الزوج. خلال ذلك، يخامر الزوج الشعور بأن مجرد رغباتها أوامر، وترغمه هي على تحقيق مطالبها عن طريق النق المتواصل.
تلك هي مقدمات الملل في الحياة الزوجية. أحيانا الرجل يلعب دورا رئيسيا في إشاعة وترسيخ الملل لأنه يفتقر القدرة على رواية التفاصيل المثيرة في أخبار الجيران والأصدقاء. الكاتب الساخر في حديثه على الورق برنارد شو كانت زوجته تسمعه تحدث الآخرين بحكايات سمعتها منه مئات المرات. فكانت تتظاهر بالانهماك في شغل الأبرة، كما قالت، وهي تقاوم رغبة عنيفة في سد فمه بلكمة موجعة منها.
واذا كان الرجل هو المسؤول عن الملل لأنه سلبي وروتيني تضطر الزوجة الى خلق شيء مثير لتحريك الحياة الزوجية الراكدة مثل التفكير في كيفية التخلص من جثته لو مات فجأة.
لقد بذلت، وسوف تبذل محاولات كثيرة ومخلصة لمقاومة الملل في الحياة الزوجية، كون الملل هو أحد شعورين ينتابان العبد المعذب المتزوج فهو إما يشعر بالضجر أو يشعر بالرغبة في الخناق.
والطرف الذي يختار الخناق يحسن الاختيار، ففي الخناق التجديد والإثارة خصوصا الألفاظ المتبادلة.
أحيانا يوصي الخبراء بأخذ إجازة زوجية حيث تسافر الزوجة مثلا للإقامة مع أسرتها أو مع صديقاتها، بينما يبقى الزوج مع الأولاد. وقد يتجدد الشوق لدى الطرفين. إحدى الزوجات قالت إنها قضت إجازة سعيدة استردت فيها هدوءها النفسي. ولما سئلت أين سافرت لقضاء الإجازة، أجابت: زوجي هو الذي سافر!
بعض الأزواج اعتادوا السفر ليشعروا بتجدد الحياة وقد أثمرت هذه السفريات بالفعل، حين يسافرون لقضاء أوقاتا سعيدة مع الزوجة الثانية خلال الإجازة من الزوجة الأولى.
أيام الحب، يتحدث كل من الحبيبن عن الآخر وينسب له صفات نادرة وهذا طبعا خطأ فادح يدفع ثمنه لاحقا، كأن تقول مثلا: أنت أذكى رجل التقيت به في حياتي. أو يقول: أنت أجمل نساء الأرض. أما بعد الزواج فإن كلا منهما يبدأ بالحديث عن نفسه، الأمر الذي يزيد الملل فعلا، وهذا يدفع أحيانا لإطلاق صفات سلبية نادرة على بعضهما، خلال الخناقات.
هناك أسلوب الصدمات والمفاجآت غير المتوقعة التي ترمى لكسر الملل. أحد الأزواج ظل مترددا في الإقدام على المفاجأة، وبعد كثير من الإرادة القوية استطاع أن يمسك بيد زوجته ويقبلها ناطقا بكلمة أحبك، مما دفع الزوجة الى التفكير في الدوافع الخفية لتصرفه، ذلك أن التصرفات الحارة في الحياة الزوجية تعتبر شاذة، وفي حاجة الى تفسير وقد تواجه ذلك الزوج متاعب جمة بعد تصرفه الأحمق.
مهما يكن الأمر، فالملل الزوجي على سخافته نوع الترف النفسي، بدليل أن الإنسان لا يشعر بالملل اذا انهمك في عمل أو واجه مشكلة حادة، فالمتاعب طاردة للملل الذي لا يخلو من فوائد، فهو مفيد جدا من الناحية الصحية، إذ يجعل الإنسان ينفخ زافرا بشدة من الضيق، وهذا النفخ يساعد على تنظيف القلب والرئتين من ثاني أوكسيد.. الملل.
Leave a Reply